يعرف أردوغان أن تصرفاته قد تزيد الغضب الشعبي. واختفاؤه عن الأنظار محاولة للنأي بنفسه عن نتيجة إعادة الانتخابات تخوفا من توابعها السياسيية.
لاحظ المراقبون أن إردوغان غاب تقريبا عن المشهد الانتخابي. استجابة على ما يبدو لدعوات داخل حزبه تحمله مسؤولية انخفاض شعبية الحزب بسبب سياساته. علي يلدريم، مرشح الحزب لإسطنبول، ليس مجرد مرشح بل واحد من أقرب حلفاء إردوغان.
بلومبيرج نقلت عن ثلاثة مسؤولين أن أردوغان ألغى خططًا للقيام بحملة انتخابية نشطة تشمل عشرات التجمعات الانتخابية في إسطنبول وضواحيها، قلقًا من أن يكلف بن علي يلدريم خسارة السباق.
سمح أردوغان ليلدريم بالمشاركة في أول مناظرة سياسية تلفزيونية بين مرشحي عمدة إسطنبول منذ عقدين.
ويعلق أردوغان آماله على يلدريم، كسياسي مخضرم يتمتع بروح الدعابة، لإقناع الجمهور بأنه أقوى من إمام أوغلو في المناظرة، وبالتالي استقطاب أكبر حصة ممكنة من 1.7 مليون ناخب لم يدلوا بأصواتهم في مارس/ آذار.
تنقل بلومبيرج عن مصادرها أن العدالة والتنمية بات يدرك أن استهداف إمام أوغلو في التصويت السابق ثم إلغاء النتائج جعله ضحية في أعين بعض الناخبين.
كما يتجنب الحزب بقدر الإمكان ذكر المنافس إمام أوغلو، الذي تحول إلى ضحية في عيون الناخبين.
تقول الجاريان إن العدالة والتنمية يركز حملته الانتخابية على خطاب منبعه أن المعارضة تلاعبت بالديمقراطية عبر استخدام أساليب غير نزيهة للفوز في مارس/ آذار.
الرسالة تحث ناخبي حزب العدالة والتنمية على التصويت بكثافة لمعالجة هذه الإهانة الموجهة للديمقراطية التركية.
فويس أوف أمريكا ترصد تكتيكًا جديدًا اعتمده حزب العدالة والتنمية عبر محاولة جمع أكبر نسبة ممكنة من أصوات الأكراد في إسطنبول، والتي تقدرها مصادر كردية بمليون صوت انتخابي.
ويعزو محللون انتصار أكرم إمام أوغلو إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وعزوف الناخبين الأكراد المحافظين عن التصويت لمرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم.
يلدريم خاطب الناخبين الأكراد عبر حشد انتخابي في ديار بكر طالبًا الدعم بشكل مباشر، مستخدمًا كلمة “كردستان”، التي انتقدها أردوغان قبل أشهر قليلة، معتبرًا أن مستخدميها يجب أن يرحلوا عن تركيا.
بالتزامن، سمحت أنقرة لزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان بمقابلة محاميه ثلاث مرات منذ مايو/ أيار، بعد ثمانية أعوام من المنع.
أوجلان أصدر بيانًا عبر محاميه دعا أنصاره للتعايش، وسط تكهنات باستئناف عملية سلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة لأول مرة منذ انهيار المحادثات في 2015.
التكتيك يواجه عدة عقبات، لاسيما مع حجم الحملة العسكرية والقانونية ضد الأكراد منذ انهيار المحادثات في 2015.
سولي أوزيل، خبير العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في إسطنبول يقول إن تأثير استهداف الصوت الكردي سيكون ضعيفًا لأن تحرك العدالة والتنمية كان “محدودًا للغاية ومتأخرًا للغاية”.
يضيف: “الأتراك لديهم ذاكرة سمكة، لكن الفترة بين مارس/ آذار ويونيو/حزيران ضيقة للغاية كي ينسى الناس فعليًا كل ما قيل وحدث”.
حزب الشعوب الديمقراطي بدوره قطع الطريق على العدالة والتنمية. إرتوغرول كوركو، الرئيس الفخري للحزب قال إن “الناخبين الأكراد واضحون”، واصفًا أمل أردوغان بالضعيف.
كوركو قال إن العدالة والتنمية هو مشكلة الأكراد الرئيسية حيث فاقمت ديكتاتوريه أزماتهم، مؤكدًا أن الحزب الحاكم لا يملك أي مصداقية لأي تغيير إيجابي.
رئيسة الحزب برفين بولدان قالت إن الشعوب الديمقراطي يحشد لأجل إنتخابات إسطنبول باعتبار أن فوز المعارضة سيمهد الطريق لإطلاق سراح قادة الحزب المسجونين.
التقارب مع الأكراد قد يضع العدالة والتنمية في أزمة أكبر مع حزب الحركة القومية المتشدد، شريكه في الائتلاف النيابي، الذي يعارض أي تنازل سياسي للأكراد، ويحرض باتجاه موصلة الحملة العسكرية ضدهم.
الأكراد ليسوا القوة الانتخابية الوحيدة التي يستهدفها إردوغان، هناك القوميون الأتراك، والإسلاميون الأكثر تشددا.
يتوقع سونر خاغيتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، أنه رغم بوادر التقارب مع الأكراد داخل تركيا فإن إردوغان ينوي استغلال العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، والصراع الأوسع نطاقًا ضد قبرص واليونان في شرق المتوسط، بترويجها بين القواعد الشعبية كانتصارات في أزمات الأمن القومي.
إصرار إردوغان على تصعيد موضوع النزاع مع قبرص، رغم الموقف الواضح للاتحاد الأوروبي في أحقية قبرص في استغلال مياهها الإقليمية التي يكفلها القانون الدولي، يأتي في خانة الحشد الشعبي لإردوغان “البطل القومي”، الذي يسير ترسانته البحرية رغما عن الخصوم التاريخيين في أوروبا واليونان.
في السياق نفسه يأتي موضوع منظومة الصواريخ الروسية S-400 الذي يصر إردوغان على المضي قدما فيه، في تحد لحلفائه في الناتو والولايات المتحدة.
شكت أحزاب المعارضة من التضييق على ظهور مرشحيها في الانتخابات البلدية عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها حكومة أردوغان مباشرة أو عبر المقربين منها.
هذه المرة، سمحت سي إن إن ترك ببث مباشر لمقابلة مع العمدة المعزول أكرم إمام أوغلو.
خلال المقابلة قدم أكرم أوغلو وثائق تظهر فساد إدارة حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول عبر مستندات حصل عليها في الأيام القليلة التي سُمح له فيها بتولي مهام منصبه.
سلط المصور الصورة على المستندات، فقطعت القناة بث المقابلة قبل حوالي نصف ساعة من نهاية الوقت المخصص. بعد الواقعة، طردت الشبكة أربعة من مصوريها.
البيانات التي تحدث عنها أكرم أوغلو لم تنشر في وسائل إعلام أخرى، لكن الحديث عنها انتشر بشكل واسع عبر مواقع التواصل الإلكتروني.
لا يستبعد معهد واشنطن حدوث “تزوير طفيف” في يوم الانتخابات، تساعد فيه لجنة الانتخابات نفسها “إذا كان الفارق بين إمام أوغلو ويلدريم ضئيلًا مرة أخرى”.
وأغلب أعضاء مجلس لجنة الانتخابات معينون من أردوغان أو حكومته، وأثار تعاملها مع الشكاوى الانتخابية جدلًا؛ إذ لبت 86% من طلبات إعادة الأصوات الواردة من العدالة والتنمية، مقابل 12% من حزب الشعب الجمهوري، و0% من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
وبحسب فويس أوف أمريكا، رفضت اللجنة إعادة فرز الأصوات في بلديات وصل الفارق فيها بين مرشحي العدالة والتنمية الفائزين ومنافسيهم من المعارضة للمئات.
يقول معهد واشنطن إن أردوغان يملك خطة ب حال فاز أكرم إمام أوغلو مجددًا في انتخابات 23 يونيو/ حزيران رغم كل العقبات.
لن يسارع أردوغان إلى إضعافه على الفور. سيعاود استخدام مخطط المقاربة التدريجية التي استخدمها بعد انتخابات 31 مارس/ آذار، حين اضطر إمام أوغلو للانتظار لأكثر من أسبوعين قبل تولي مهام منصبه رسميًا، ثم سمح له أردوغان بتولي المنصب لنحو ثلاثة أسابيع، قبل أن يطلب من لجنة الانتخابات إبطال النتائج وطرده من منصبه، لتستجيب اللجنة في أقل من 48 ساعة.
يتوقع المعهد تأني أردوغان في اتخاذ خطوات من شأنها إضعاف سلطة العمدة، لكنه سيمرر تشريعًا برلمانيًا عبر نواب العدالة والتنمية للحد من صلاحيات إمام أوغلو وتقليص التمويل، وصولًا إلى الخطوة الأكثر فتكًا بوقف تمويل المدينة، بما قد يسفر عن انهيار الخدمات ثم انهيار شعبيته بالتبعية.
الخيار الأخير أمام أردوغان حال فشل في السيطرة على إمام أوغلو حال فوزه مجددًا سيكون عزله من منصبه وتعيين عمدة مؤقت.
هذه الخطوة اتخذها أردوغان فعلًا فعل مع رؤساء البلديات المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهو خيار يتوقع أن يثير احتجاجات واسعة حال تكرر في بلدية إسطنبول.
لتخطي هذه العقبة، قررت لجنة الانتخابات في 5 يونيو/ حزيران عدم استبدال مسؤولي اللجان الذين كانوا السبب في إبطال انتخابات مارس/ آذار.
الإجراء يفتح الباب لإلغاء التصويت الجديد استنادًا إلى الأسس ذاتها إذا فاز إمام أوغلو مجددًا