باولو كويلهو.. اليوم الذي أحب فيه نيكسون وأقلع عن الكوكايين | مارك أمجد

باولو كويلهو.. اليوم الذي أحب فيه نيكسون وأقلع عن الكوكايين | مارك أمجد

25 Aug 2019
مارك أمجد دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

حتى بعدما صار الكاتب الأكثر مبيعًا، القاطن في بيت خلاب على شاطئ كوباكابانا في ريو دي جانيرو، بصُحبة زوجته الرسّامة التي تُراجع مخطوطات كُتبه، وتُشاركه الردّ على المُراسلات من جميع أنحاء العالم، لا يزال الروائي ذو الاسم الرنان باولو كويلهو يتذكر تلك الليلة التي خرج فيها من منزله عام 1974 بالتزامن مع مباراة كأس العالم بين البرازيل ويوغسلافيا هائمًا على وجهه.

كانت الشوارع يومها خالية من الجماهير والعساكر. خرج الشاب الضائع من منزله، للبلد التي احتوت مُشرّدي العالم ولاجئيه.. إلى أمريكا، بلا عودة لبلاد السجن والتعذيب مُجددًا.

المسيح خارج الأناجيل: كيف تخيل الروائيون شخص يسوع الإنساني؟ | مارك أمجد

هلاوس السجن

للمُفارقة، لم يدفع شخص مثله للهجرة طموح أو سعي للشُهرة. انحصرتْ أزمته في جنون الارتياب الذي لاحق رأسه بكل الوساوس المُمكِنة بعدما خرج من السجن للمرة الثالثة حيث تعرّض لتعذيب شديد بسبب مُشاغبات سياسية.

لم تتوقف تجربته على التعذيب، بل أودعوه المصحة وعرّضوه لصدمات كهربائية بعدما تيقّنوا من جنونه.

في غُمرة قلقه، لم يكن له من ملاذ سوى إدمان الكوكايين الذي صور له إحساسًا بالقوة والسيطرة.

كيف يُدمِن خيميائي مثله الكوكايين؟ يُخطئ كثيرون حينما يتخيلون الروائيين والشُعراء يولدون بلُحاهم ونُسكهم، وإلا فمِن أين أتوا بكل تلك التجارب التي شحنتهم بكتابات تلمس أقحل المناطق عند القُرّاء؟

التفسير كما يشرحه باولو كويلهو بنفسه هو أنه حينما اندلعت حركة  1968 لم يكن سوى شاب مُتمرد على الدولة والأعراف والأُسرة والكنيسة الكاثوليكية وجماعة اليسوعيين مثل بقية شباب جيله. لم يكن الكوكايين – في نظره – إلا وسيلة ردع لكل الخطوط الحمراء.

يبدو أن الأمر تطلب من كويلهو أكثر من وسيلة وأكثر من عقار ليُثبت للمجتمع أنه ضده بكل مؤسساته. تجاوز الكوكايين إلى أنواع من المهلوسات والـ LSD والميسكالين، وعقاقير صيدلانية أخرى.

حصل على ما أراده من انتشاء، لكنه تخبّط في شعوره بجنون الارتياب، فصار مُتيقنًا – خاصة بعد خروجه من السجن – أنه مُراقَب في التليفون والشوارع وبيوت الدعارة، ولم يبق أمامه سوى الهروب لأمريكا.

جابرييل جارثيا ماركيز.. ماذا يفيد الواقع لو ألهمنا أدبًا رديئًا؟ | مارك أمجد

في نيويورك

لم تتحسن الأوضاع. تعرّف كويلهو الهيبي الفوضوي على فتاة تعيش في قرية، فسكن معها وصارا يتعاطيان سوية جرعات بقيا تحت تأثيرها لـ 24 ساعة أحيانًا.

ومن وسط رؤساء الولايات المتحدة، أنشأ كويلهو مع نيكسون بالذات علاقة جيدة بعيدة تمامًا عن أي مُعطيات سياسية. لا يزال يذكر يوم تنحّى الرئيس عن منصبه، كان يومها مع صديقته في ملهى ليلي، وعادا لينطرحان عُريانين على السرير. كانا مُغيّبين لدرجة لم يقدرا معها حتى على إقامة علاقة جنسية.

وفي وقت مُتأخر، نهض باولو من سريره وواجه نفسه في زجاج النافذة المُطِلة على الشوارع الخالية من الأمريكان بعد تصريح رئيسهم. واجه نفسه بأنه لو ظل على تلك الحال سيصبح شخصاً عديم القيمة في المستقبل.

وبالفعل توقف من لحظتها بشكل سحريّ عن الكوكايين، كما يحدث في رواياته، ومن ثم ارتبطت عند كويلهو حتى اليوم ذكرى استقالة الرئيس الأمريكي في الثامن من أغسطس، بأكبر قرار مصيري اتخذه في حياته، والذي تطلّب منه عزمًا لا يُدركه سوى شخص أدمن ذات يوم الكوكايين.

كويلهو الآن ترك المخدرات تمامًا خلفه. بقي فترة بعد تركه للكوكايين على الماريجوانا حتى لاحظ وهو في أمستردام مع زوجته كريستينا عام 1982 أن الماريجوانا لا تختلف كثيرًا عن الكوكايين، ثم استمر مع التبغ وهو يعلم أنه غير ضروري، لكنه لا يُخيفه مثل المخدرات.

هل كان شكسبير غشاشًا؟ | مارك أمجد

ضد حملات المكافحة

وإن كان حاج كومبوستيلا قاطع المهلوسات بشكل شخصي، لكنه ظل على موقف مُعادٍ للحملات التي تدشنها الحكومات لتوعية الشباب حول آثارها.

في حوار صحفي في التسعينيات، قال باولو إن الكوكايين في نظره ما هو إلا عقار الشيطان بالغ الخطورة.

ويرى كويلهو أن مشكلة المؤسسات التوعوية تكمن في تحذيرها من المخدرات بطريقة تجعل من الإقدام عليها مُغامرة تستحق المجازفة، الأمر الذي يدفع الشباب لتجربتها لأنهم يهرعون نحو كل شيء ضار، وشباب اليوم لا يفرقون رغم الموضة والتقنيات الحديثة عن شباب حركة 1968.

ثم يعود باولو في نفس الحوار الصحافي ويصفها قائلًا:

ليس صحيحًا أن المخدرات مُرعبة كما يقولون في حملات المكافحة، المخدرات سيئة لأنها ببساطة رائعة. الكوكايين عقار الشيطان لأنه يجعلك تشعر بأنك كلّي القدرة

وحتى لا يُساء فِهمه، يؤكد مؤلف الخيميائي أنه ضد المخدرات قلبًا وقالبًا، لكنه ليس مع سياسة الدُول في ترويع الشباب من تعاطيها عبر إنفاق الملايين على حملات إعلامية فاشلة تأتي بنتائج عكسية، وإنما يُشجّع بالأحرى على إعطائهم درسًا صغيرًا يقنعهم بأن تلك العقاقير ستُحيلهم لأكياس قمامة مُلقاة على الطريق.

استشهد بإعلان نُفِّذ في إنجلترا يكتفي بالتنويه، من بعيد، أن المرء سيُسبب لنفسه أقل قدر من الضرر إذا توقف عن التعاطي. وهو في رأي كويلهو (المُدمِن في زمن سابق) أفضل كثيرًا من إعلان رآه في منزله على شاشة التليفزيون، يصوّر مجموعة من السحالي تقتحم منخاريْ شخص ما وتبدأ في التهام مُخّه.

يتبقى سبب أخير لم نذكره بعد نأى بكويلهو عن لوثة المخدرات، فذلك الفتى الطائش الذي رفض الكاثوليكية والمسيحية برمتها، وألحد في فترة ومارس السحر الأسود في وقت من حياته، يؤمن جدًا بتلك الآية الإنجيلية التي تقول:

ليتك كنت باردًا أو حارًا. هكذا لأنك فاتر، ولست باردًا ولا حارًا، أنا مُزمِع أن أتقيّأك من فمي


اللقاح الفكري.. ما تحتاجه لتكون قارئا واعيا (إنفوجرافيك)

طه حسين وعباس العقاد.. من هو عميد الأدب العربي حقًا؟


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك