التوترات تزداد حدة بين تركيا وقبرص حول موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط، بعدما أعلنت أنقرة نيتها “ممارسة حقوقها السيادية” في التنقيب قرب سواحل قبرص في تحد صارخ لتحذيرات الحلفاء الغربيين الذين يعتبرون أن الحقوق الاقتصادية في المنطقة المشار إليها حصرية على قبرص.
كيف بدأت الأزمة؟ ولماذا تدعي تركيا حقًا في ثروات قبرص؟ كيف عقدت أنقرة الموقف حاليًا؟ وكيف يمكن للجزيرة الدفاع عن نفسها؟ وأين يقف العالم من هذه الأزمة؟.
غزت تركيا جزيرة قبرص عام ١٩٧٤ ردا على انقلاب عسكري في الجزيرة أيدته اليونان. وكانت النتيجة انقسام الجزيرة إلى شطرين، شمالي لا تعترف به إلا تركيا، وجمهورية قبرص في الجنوب، وهي عضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتنتشر قوات عسكرية تركية في شمال قبرص حتى الآن، ترفض أنقرة سحبها.
وفي 2004، رفض القبارصة اليونانيون خطة توحيد أممية مع القبارصة الأتراك الخاضعين للنفوذ التركي، قبل أن تنهار محادثات سلام أممية جديدة في 2017. والنتيجة الإبقاء على الجزء التركي من قبرص خارج الاتحاد الأوروبي.
وأثارت عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط أطماع تركيا؛ إذ تسعى لنصيب في الحقول المكتشفة.
وسمحت قبرص في 2011 لشركة أمريكية بالتنقيب عن النفط قبالة سواحلها الجنوبية، فردت تركيا بإرسال سفينة للتنقيب عن النفط والغاز تحرسها بوارج بحرية.
ووقعت قبرص اتفاقًا مع مصر لترسيم الحدود البحرية في 2013،، لكن تركيا ترفض الاعتراف به، وتزعم امتلاكها حقوق التنقيب عن الغاز في المنطقة.
وفي مطلع مارس/ آذار 2018، اعترضت سفن حربية تركية سفينة تنقيب تابعة لشركة إيني إيطالية، دخلت بتوكيل من قبرص إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وبدأت أنقرة الحفر في شرق المتوسط مؤخرًا بحثًا عن الغاز؛ في تحدٍ لحق قبرص الحصري في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة، بينما حصلت شركة النفط التركية على حقوق تنقيب مماثلة من جمهورية شمال قبرص، التي لا تعترف بها سوى تركيا.
تنازع تركيا اليونان في سيادتها المعترف بها دوليًا على جزيرة كاستيلوريزو الصغيرة جدًا في بحر إيجه، وعلى ”حقوق القبارصة الأتراك” للحصول على نصيب من ثروات شرق المتوسط، وتطالب بتعليق العمليات لحين التوصل إلى حل دائم للمشكلة القبرصية.
وترفض تركيا الاعتراف بما تقول إنه “إعلان القبارصة اليونانيين غير الشرعي عن المنطقة الاقتصادية الخالصة من جانب واحد، بوصف وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي طالب ما سماها “الأطراف الثالثة” بالامتناع عن دعم أحد الجانبين على حساب الآخر في دعاوى الحدود البحرية المتداخلة.
وترفض أنقرة الاعتراف بجمهورية قبرص وتدعم بدلًا منها جمهورية تركية معلنة ذاتيًا في شمال الجزيرة، وتقول إن المنطقة جزء من جرفها القاري، وبالتالي تخضع للقانون الدولي.
وتقول تركيا إن سلطات قبرص لا تملك استغلال احتياطيات الطاقة في الجزيرة دون تسوية ملف التقسيم مع القبارصة الأتراك.
مع اشتداد النزاع حول احتياطيات الغاز المحتملة في المنطقة، أصرت أنقرة على بدء سفينة الحفر التركية الحديثة “الفاتح” وسفن الدعم التابعة لها عمليات تنقيب في المياه، التي تصر قبرص أنها تقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة.
ورغم الإدانة الدولية، نشرت تركيا سفنها البحرية رفقة فرقاطة بحرية على بعد 39 ميلًا بحريًا قبالة الساحل الغربي لجزيرة قبرص خلال الأسبوع الماضي. ويقع أقرب شاطئ تركي على بعد حوالي 80 ميلًا بحريًا من هذه النقطة.
وأطلقت تركيا “ذئب البحر” كأكبر مناوراتها البحرية على الإطلاق، مع أكثر من 130 سفينة حربية تنتشر في المنطقة، معظمها في المياه القريبة من الجزيرة.
ويقول وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إن ذئب البحر تهدف لإظهار أن القوات المسلحة التركية “عازمة للغاية وملتزمة وقادرة على ضمان أمن تركيا وسيادتها واستقلالها وحقوقها البحرية ومزاياها”.
والعام الماضي أرسلت تركيا قوارب حربية لمنع عمليات التنقيب التي أجرتها إيني الإيطالية بتكليف من الحكومة القبرصية، لتجبر الشركة على وقف أعمالها في المنطقة.
تحركات تركيا زادت انزعاج واشنطن، التي وبخت حليف الناتو بسبب الإجراء “الاستفزازي للغاية”.
مسؤول قبرصي كبير حذر من أن نيقوسيا ستصدر أوامر اعتقال دولية وأوروبية “لجميع المتورطين” إذا بدأت تركيا عمليات التنقيب.
وفي السنوات الأخيرة، حصلت شركات نفط عالمية، بما بينها إكسون موبيل الأمريكية، وتوتال الفرنسية، وإيني الإيطالية على رخص للتنقيب عن الثروات – من جمهورية قبرص المعترف بها دوليا – في مناطق محددة قبالة الجزيرة.
الجارديان نقلت عن مصدر حكومي قبرصي رفيع المستوى قوله إن وجود عمالقة الطاقة الدوليين في المنطقة الاقتصادية لبلاده هو أفضل تصويت بالثقة على تصرفاتها.
يضيف المسؤول القبرصي أن تشكيك تركيا في الحقوق المشروعة لقبرص في جرفها القاري ومنطقتها الاقتصادية الخالصة يتضمن أيضًا التشكيك في الاتفاقيات التي وقعتها مع الدول المجاورة.
ملف قبرص وحقوقها في المياه الاقتصادية يضع تركيا موضع خلاف متزايد مع حلفاء الناتو.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعربت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني عن “قلقها الشديد” إزاء نوايا تركيا.
وفي بيان سلط الضوء على تنامي القلق من استعراض القوى، ألمحت موغريني إلى أن العقوبات ليست مستبعدة إذا لم تستجب أنقرة لتحذيرات الاتحاد، داعية تركيا إلى احترام الحقوق السيادية لقبرص في منطقتها الاقتصادية الخالصة، و”الامتناع عن أي إجراء من شأنه دفع الاتحاد الأوروبي لإظهار تضامنه التام مع قبرص بشكل مناسب”.
رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قال إن بروكسل تراقب الوضع عن كثب، مبديًا تضامن الاتحاد الأوروبي واتحاده خلف قبرص.
ويثير تنقيب تركيا لن يؤدي إلى تصعيد دراماتيكي للتوترات فحسب، بل سيزيد من المخاوف من وقع “حدث ساخن” يثير تداعيات خطيرة في جميع أنحاء المنطقة التي تشهد سباقًا أكثر حدة لاصطياد الثروات المائية.