مع احتدام القتال بين القوات الأرمنية والأذربيجانية في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها، تجري منافسة على مستوى أعلى بكثير على النفوذ الإقليمي في جنوب القوقاز.
الصراع في ناغورنو كاراباخ، هو مجرد جزء من المنافسة الجيوسياسية الأوسع بين روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي وتركيا الإمبراطورية العثمانية، حيث تتحدى تركيا الأكثر طموحًا روسيا.
فلما تتصارع الدولتان في جنوب القوقاز؟
وما فرص تركيا في التقدم على روسيا؟
وما أهداف روسيا؟ وما فرصها؟
س/ج في دقائق
لماذا تتنافس روسيا – تركيا على جنوب القوقاز ؟
المنافسة مع روسيا محورية في طموح تركيا العثمانية الجديدة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي ووجودها العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو حتى تحدي القوى الأوروبية.
وبالنظر للمنافسة الطبيعية بين روسيا وتركيا، المنافسة التي تمليها الجغرافيا ومصادر الثروة، فكلما سعى أي طرف منهما إلى فرض نفوذه خارج حدوده، تبدأ المواجهة. هذا ما حدث في سوريا وليبيا، وبدرجة أقل في مناطق مثل أوكرانيا وجورجيا.
الوضع متكرر في جنوب القوقاز وإن كان أكثر خصوصية.
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، كافحت روسيا لقمع النزعة الانفصالية في شمال القوقاز. لكنها سعت لعلاقات أكثر ودية مع الجمهوريات السوفيتية المستقلة في جنوب القوقاز.. حديقتها الخلفية، وموطن نفوذها السابق
محور إستراتيجية روسيا في جنوب القوقاز ركز على معادلة دقيقة: علاقات دبلوماسية واقتصادية جيدة مع طرفي النزاع الجديد أرمينيا وأذربيجان. صحيح أنها تبدو أكثر انحيازًا لأرمينيا، لكنها في الواقع وازنت بين مبيعات الأسلحة مع أرمينيا والتجارة مع أذربيجان.
تجنب استعداء أذربيجان كان أساسيًا لجهود روسيا الرامية لمنع الانعزال التام عن جنوب القوقاز أولًا، وكي لا تترك حليفتها أرمينيا في بيئة معادية.
مع ذلك، أعاقت طموحات سياسة تركيا الخارجية المتزايدة جهود روسيا لاستمرار المعادلة.. طورت علاقات قوية مع إذربيجان جعلت ولاءات الأخيرة حائرة بين روسيا من ناحية مقابل تركيا وحلف الناتو من الأخرى، لتجد روسيا نفسها مجبرة على محاولة تقييد تفاعلات أذربيجان مع تركيا أو الناتو، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد.
كيف حاولت تركيا فرض نفوذها في جنوب القوقاز ؟
تركيا تنافست تاريخيًا مع روسيا سعيًا للهيمنة في جنوب القوقاز. الأمر متكرر في جهود الإمبراطورية العثمانية للتوسع باتجاه الشمال في القرن السابع عشر، ومؤخرًا في دور تركيا في الحرب الباردة باعتبارها حصن الناتو على طول الجبهة الجنوبية للاتحاد السوفيتي.
لكن التصعيد السابق في القتال بين أذربيجان وأرمينيا في يوليو 2020 منح تركيا فرصة مثالية لتكثيف جهودها في المنطقة. وأتاح دعم تركيا لأذربيجان لأنقرة تحدي استراتيجية روسيا في جنوب القوقاز وبالتالي تحدي الوضع الجيوسياسي الراهن على طول المحيط الجنوبي الهش لموسكو.
هذا الوضع منح تركيا الفرصة لوضع قدم في جنوب القوقاز الذي ازداد أهمية مع تصاعد الطموحات الجيوسياسية منذ محاولة انقلاب 2016 وتوطيد الرئيس رجب طيب أردوغان لأركان نظامه.
هل ينذر تدخل تركيا بحرب شاملة في ناغورنو كاراباخ؟؟
من غير المرجح أن يؤدي تنافس روسيا – تركيا إلى صراع شامل في ناغورنو كاراباخ، لأن موسكو وأنقرة تخشيان خوض معركة مدمرة.
تركيا تلعب دورًا واضحًا في تسهيل أو حتى التحريض على تحدي مصالح روسيا في جنوب القوقاز. لكنها لا تريد منافسة كاملة مع روسيا في هذه المرحلة المبكرة من صعودها الجيوسياسي.
وبالنسبة لكل لاعب، فإن الصراع الشامل سيضر بالأوضاع المالية المهتزة بالفعل في الداخل، ويمكن أن يكون له آثار خطيرة في الصراعات الأخرى التي انخرطوا فيها.
وأظهرت تركيا استعدادها وقدرتها على التنافس مع روسيا بطرق محسوبة في سوريا وليبيا، ومنعت اتفاقات وقف الصراع ووقف إطلاق النار مواجهات عسكرية كبيرة.
لماذا تتباطأ روسيا في التدخل عسكريًا في جنوب القوقاز ؟
حتى الآن، لم تواجه القوات التركية والروسية بعضها البعض بشكل مباشر في ناغورنو كاراباخ، لأن التدخل الروسي يمكن أن يدمر العلاقات الروسية الأذربيجانية.
من المحتمل أن تعمل تركيا وأذربيجان على الحفاظ على هذه الحالة، لأن مثل هذه المواجهة ستنهي بشكل شبه مؤكد أي مكاسب أذربيجانية في ميدان المعركة.
لكن بالنسبة لتركيا، فإن أي تدخل روسي لدعم أرمينيا قد يكون مفيدًا في النهاية. وذلك لأن التدخل الروسي نيابة عن أرمينيا يمكن أن يدمر العلاقات الروسية الأذربيجانية. تدرك روسيا ما تراه تركيا أيضًا، وبالتالي لم تلعب دورًا عسكريًا مباشرًا في الصراع في الوقت الحالي.
في مواجهة الخيار بين وقف الطموحات العسكرية الأذربيجانية والتركية والحفاظ على نفوذها في جنوب القوقاز، سعت روسيا إلى وقف الأول وحماية الأخيرة من خلال حل دبلوماسي. لكن التوصل إلى نتيجة تفاوضية سيكون صعبًا، خاصة وأن أذربيجان ترى أن هناك فرصًا لمزيد من المكاسب.
هل تكتفي الجهات الأخرى ذات المصلحة بدور المتفرج في صراع روسيا – تركيا في جنوب القوقاز ؟
دول مثل جورجيا وإيران لعبت دورًا ثانويًا – لكنه حاسم – في أزمة ناغورنو كاراباخ، مما حد من رغبة روسيا في التصعيد هناك. خدم البلدان كوسيطين لوجستيين مع مختلف الجهات الفاعلة في الصراع، حيث وفرت جورجيا اتصالًا جويًا مباشرًا بين تركيا وأذربيجان ووفرت إيران اتصالًا بين روسيا وأرمينيا.
على الرغم من عداء جورجيا – روسيا منذ فترة طويلة نظرًا لدعم روسيا لجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين، لا تريد روسيا للعلاقة مزيدًا من التدهور. فمن المؤكد أن وجودًا عسكريًا روسيًا أكبر في أرمينيا سيثير قلق جورجيا، مما قد يؤدي إلى تعاون أوثق بين تركيا وجورجيا.
بالنسبة لإيران، تتمتع موسكو بعلاقات جيدة إلى حد ما مع طهران، فهي تواصل تسليم الأسلحة الروسية إلى أرمينيا. ومع ذلك، فالشعب الإيراني ينحاز إلى أذربيجان، مما يعني أن استمرار القتال أو التصعيد في ناغورنو كاراباخ سيؤدي إلى إجهاد التعاون الإيراني مع روسيا.
على الرغم من أن تحدي تركيا في جنوب القوقاز ربما جعل روسيا في البداية في موقف ضعيف، إلا أن نتيجة الأزمة الحالية غالبًا ستكون محافظة روسيا على وضعها في جنوب القوقاز وربما تقويته.
إذا تم التوصل بالفعل إلى تسوية عن طريق الوساطة الروسية، فإن شكل هذه الاتفاقية سيحدد احتمالية حدوث تصعيد في المستقبل، وسيرسم الدور الروسي في المنطقة.
روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، على سبيل المثال، طرحتا فكرة قوة حفظ سلام روسية تفصل بين القوات الأرمنية والأذربيجانية، لكن هذا الاقتراح سيثير قلق أذربيجان لأن هذه القوات ستمثل عائقًا أمام طرد أرمينيا من ناغورنو كاراباخ. ستظل روسيا تحاول إقناع أذربيجان بقبول العرض، ربما مقابل عدد من الضمانات والإجراءات المعقدة. إذا روسيا استطاعت فعل ذلك، فإنها ستخرج منتصرة.
موضوعات متعلقة
