حياتي كلمة تحمل الكثير من المعاني المختلفة التي تتبادر إلى ذهن كل من يقرأها أو يراها، فكل شخص يتذكر حياته وما فيها، ولكن في هذا المقال سنتحدث عن حياتي من نوع خاص.
في هذا المقال نحن بصدد الحديث عن كتاب حياتي للمؤلف والكاتب الكبير أحمد أمين، وهو عبارة عن سيرة ذاتية.
يتحدث فيه الكاتب عن حياة والده وعمه، الذين هربوا فارين إلى قارة المعز من الظلم الذين تعرضوا له من السخرة والإقطاع.
ويتحدث عن بداية حياتهم عندما وصلوا إلى (حي المنشية) بالقاهرة، وتناول الحديث عن فترات الاستبداد التي سادت مصر المحروسة في هذا الوقت.
فانتشر فيها الظلم والفساد والرشوة والمحسوبية والعمل بالسخرة وانتشار الإقطاعيين الذين عملوا على ترسيخ نظام العمل بالسخرة.
وهم موجودين في كل زمان وكل مكان عبر كل العصور ولكن تختلف أشكالهم وألوانهم وطرقهم .
الدكتور أحمد أمين المؤلف والكاتب، كان يعمل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة وذلك عام 1939.
وفي عام 1945 شغل منصب وزير المعارف، وهو والد المفكر والكاتب الكبير الدكتور جلال أمين.
ويمكن اعتبار أن الدكتور أحمد أمين أحد كتاب العصر الذهبي، فعندما تقرأ له أي شيء من كتاباته.
تشعر وكأنك تقرأ لكاتب من العصر الذهبي الذي لن يعود أمثال: طه حسين، والمازني، والعقاد، والرافعي وغيرهم الكثير.
وهذا الجيل نحن نفقتد مثله اليوم بشدة، فشتان بين هؤلاء العظماء وبين بعض السخف الذي ينشر اليوم.
ومن يسمون نفسهم كتاب ومفكرين وتصنع من أجلهم الأغلفة وهم لا يرقوا حتى لمقلدين.
الجدير بالذكر أن حياة الكاتب أحمد أمين كانت يغمرها الحزن، ولعل السبب في ذلك راجع إلى موت أخته.
فقد توفت قبل أن يولد، وهذا ما أثر فيه، فلابد أنه كان يريد أن تبقي ويراها على قيد الحياة، فأثرت في حياته فيما بعد.
أما عن الحياة العائلية التي كان يعيشها، كانت حياة عادية جداً كأغلب حياة المصريين، وحياتي وحياتكم جميعا.
كان والده يعمل مدرسا بالأزهر الشريف، ولعل هذا سبب من الأسباب التي أخرجت لنا كاتب عظيم من أمثال أحمد أمين.
نشأ في بيت ديني ملتزم ومتحفظ بعض الشيء كمعظم بيوت الأزهريين، كان والده كثير التحدث عن التكنولوجيا.
فهي كانت حديث الناس هذا الوقت، مني ستدخل الكهرباء، وأدوات التبريد والتسخين، وهل سيحدث أي تغيير بها.
كان يتسائل دائما، هل ستزيد سعادة الناس بقدوم هذه الأشياء، ولعل مقصده هنا أنه لا سعادة ولا رفاهية مع الظلم والاستبداد والاستعمار.
وكان أيضًا كثير التحدث على الغزو والاحتلال وما خلفه من دمار وخراب، وشعور بالظلم والجبروت.
لعل كل هذا أثر في حياة المؤلف بشكل كبير، فحديث والده عن الظلم والاستعمار، كان له أثر بالغ.
فتحدث عن ذلك في كتابه وقام بتأليف كتاب حياتي وهو سيرة ذاتية لوالده وعمه، وسوف نتعرف ماذا قال الكاتب في كتابه.
تعرض الكاتب في كتاب حياتي إلى التعليم وقام بعمل مقارنة بين التعليم في عصره والوقت الحالي.
ومن خلال الكتاب يتضح أن الكاتب عاش ظروف قاسية في التعليم الذي كان يتم عن طريق الكتاكيب المنتشرة في مصر حينذاك.
ومن أشهر مقولاته عن التعليم التي وردت في كتاب حياتي وصفه بأفضل أنواع التعليم بإنه: “وخير أنواع التعليم ما صور صنوف الحياة”.
وتتلمذ الكاتب أحمد أمين على يد كبار العلماء وهو الشيخ محمد عبده، وبعد ذلك عمل بطنطا.
التي لم يمكث بها حتى قدم استقالته، وسافر إلى الإسكندرية، وهذه بداية مشاهدته ورؤيته للاحتلال الإنجليزي في مصر.
والجدير بالذكر ان الكاتب لم يتحدث فقط عن الاحتلال من الجانب السياسي، أو عن السيرة الذاتية لحياته ووالده وعمه فقط.
وإنما تطرق لبعض الأمور الأخرى في الشارع المصري، وعقلية المصريين، وقام بنقض هذا التفكير.
بوصفه إنه تفكير خاطئ، حيث يقول الكاتب أن بعض المصريين يحملون فلسفة خاصة تجاه المستعمر والاحتلال الأجنبي.
أن الله سبحانه وتعالي سلط هؤلاء المجرمين على مصر لاحتلالها، وذلك بسبب ظلم الحكام المصريين للشعب.
فأراد الله أن ينتقم منه، بسبب ظلمهم، وانتشار المعاصي، وعدم الأمتثال لأوامر الله، واجتناب نواهيه.
فقام الله سبحانه وتعالى بتسليط الإنجليز على المصريين ليذوقوهم سوء العذاب والظلم.
ولا يمكن أن يزول هذا البلاء وينتهي هذا الاحتلال، إلا بالالتزام بدين الله واستقامة واعتدال المصريين.
ويعترض الكاتب عن هذا، لأنهم أرجعوا كل شيء إلى القضاء والقدر وذنب المصريين.
ولم يتحدثوا أبدا عن ظلم الاحتلال وظلم الحكام، أو ينتقد أحد منهم حكم الإنجليز الظالم عليه، بل اعتبروه عقاب مستحق.
تم السكوت عنه للأبد لتبني هذا النوع من الفلسفة، وهو جلد الذات وتحميل النفس ذنب الغير.
وتطرق الكاتب إلى عمل مقارنة بين فكرة الإصلاح والوطنية لدى كل من الشيخ محمد عبده، والزعيم مصطفي كامل.
فيصف الشيخ محمد عبده بإنه يحمل وطنية عقلية، أما الزعيم مصطفي كامل فوطنيته شعورية.
فيتبني الشيخ محمد عبده فلسفة الإصلاح من الداخل بشكل أولى، وذلك عن طريق ترقية الأخلاق لدي الشعب.
بالإضافة إلى نشر العلم الصالح، وبعد أن نتولي إصلاح العلم والأخلاق، سيأتي بعد ذلك الاستقلال تبعا.
أما فلسفة الزعيم مصطفى كامل، فهو يري أنه لا يوجد مكان ولا فرصة لفكرة الإصلاح الداخلي سواء في التعليم أو الأخلاق أوي شيء للشعب.
فهو يري جلاء الإنجليز والحصول على الاستقلال يجب أن ياتي قبل أي شيء آخر، فلن يحدث إصلاح مادام الاحتلال مستمر.
ولكن الكاتب أحمد امين كان يبني فلسفة ونظرية أستاذه الشيخ محمد عبده، ويري إنها هي الأصلح.
ويذكر الكاتب في كتابه حياتي أنه في عام 1910 ميلاديا، وهو تقريبا في السنة الثالثة من الدراسة.
قامت مدرسة القضاء بإحياء حفل بمناسبة رأس السنة الهجرية، وقامت اللجنة بإعطائه حرية اختيار موضوع ليناقشه في الحفل.
ومن المواضيع التي وقع اختيار المؤلف عليها ليناقشها ويتحدث عنها هو أسباب ضعف المسلمين.
ولعل هذا راجل إلى الحياة التي يعيشها الكاتب، وكلام والده، ومدي تأثره به، ليصنع له كتابا كاملا يسميه حياتي.
ويتحدث كذلك عن الضعف والوهن الذي أصاب المسلمين في ظل الاحتلال، فتربيته ونشاته لها دور كبير في بناء شخصيته.
وتحدث الكاتب عن أسباب الضعف الذي حل بالمسلمين، وأوردهم إلى قسمين أساسيين أعتبرهم أهم الأسباب.
الأول: ظلم الحكام المسلمين ونظام الحكم الفاسد، وتسخير الحكم والمناصب فقط لمصالحهم الشخصية، دون الاهتمام بالشعب ومصالح الأمة.
الثاني: رجال الدين والعلماء الذين أيدو الحكام في ظلمهم، وكانوا يوالوهم، ويتحدثون مع الشعب على القضاء والقدر.
ولا بد من الرضا بالقضاء والقدر، والصبر على تعب الدنيا للفوز بنعيم الجنة والآخرة.
فيري الكاتب إنه يجب أولا إصلاح كل من الحكومة ومعها رجال الدين.
تخرج أحمد أمين من مدرسة القضاء، ليتم تعيينه بعد ذلك معيدا بها، ثم سافر بعد ذلك للواحات لكي يعمل بها.
وعرف هناك المعني الخاص بكلمة واحة، وهي في الأصل تعني المومياء أو الكفن، وصارت تطلق بعد ذلك على المقر الخاص بأبرار الأموات.
وكان مما أثار تعجب ودهشة الكاتب وصول اللغة العربية الإسلام إلى الواحات، فهي لا يوجد بها غير المسلمين.
وبالنظرة السريعة لكتاب حياتي، نلاحظ تربية الكاتب السليمة والمحافظة، والمتأثرة بشدة بوالده.