تقليديًا، هدف الحلف العام هو حماية الحرية، التراث، والحضارة المشتركين لأعضائه بتعزيز “الاستقرار والرفاهية” في شمال الأطلسي، بجانب تعهد الأعضاء باعتبار أي اعتداء على أحدهم اعتداء على الجميع.
في 1955، أنشأ الاتحاد السوفيتي حلف وارسو كتحالف مضاد، قبل حله بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991.
لاحقًا، ضم الناتو تباعًا شركاء الاتحاد السوفيتي السابقين؛ أصبحت التشيك والمجر وبولندا أول دول حلف وارسو السابقة حصولًا على عضوية ناتو في 1999، قبل خطوة 2004 التاريخية بضم إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، إلى جانب سلوفينيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا؛ جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.
وأصبح الجبل الأسود أحدث المنضمين إلى الحلف في 2017.
بهذا التصور، نظم الحلف أول قوة متعددة الجنسيات على الإطلاق بموجب تفويض أممي لتنفيذ الشق العسكري من اتفاق السلام في البوسنة في نهاية 1995.
وفي 1999، شن حملته العسكرية الأكبر تاريخيًا لطرد القوات الصربية من كوسوفو، في المرة الأولى التي يستخدم فيها القوة ضد دولة ذات سيادة دون موافقة الأمم المتحدة. قوة الناتو ما زالت منتشرة في كوسوفو، بعد تخفيض قوامها من 16,000 إلى 6,000 في 2012.
رغم ما سبق، مثلت هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة لحظة محورية للحلف. أكد الأمين العام جورج روبرتسون فورًا أن الهجوم على عضو هجوم على الجميع، وفق المادة الخامسة من دستور الناتو، ومد الحلف عملياته إلى خارج أوروبا لأول مرة عندما تولى القيادة الاستراتيجية لقوة حفظ السلام التي فوضتها الأمم المتحدة في كابول. وأنشأ قوة رد فعل سريعة قوامها 9,000 مقاتل للنشر السريع في نقاط الاضطراب حول العالم. ومع ذلك، فإن إحجام العديد من حكومات حلف الناتو عن توفير التعزيزات للمهمة الأفغانية أثار تساؤلات حول قدرة التحالف على الحفاظ على مثل هذه العمليات واسعة النطاق.
لكن النزاعات بين ألمانيا وفرنسا من جهة والولايات المتحدة من الأخرى بشأن غزو العراق في نفس العام خلقت واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ الناتو، الذي لم يلعب أي دور في الغزو، رغم مشاركة غالبية أعضائه، ثم مشاركة الحلف لاحقًا في تدريب قوات الأمن العراقية بعد سقوط نظام صدم حسين.
ومثل فرض منطقة حظر طيران على ليبيا في مارس 2011 مشكلة صعبة للتحالف. فرغم حرص دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة على دور رئيسي للحلف في قيادة العملية، لم تكن عواصم عربية مرتاحة في البداية لهذا الاحتمال.
وبعد فترة من الخلاف والارتباك، وافق الناتو على تحمل مسؤولية منطقة حظر الطيران، والتي ثبت أنها حاسمة في هزيمة القوات الموالية للقذافي.
في 1994، عرض الناتو على أعضاء سابقين في حلف وارسو شراكات محدودة عبر برنامج الشراكة من أجل السلام، ما سمح لهم بالمشاركة في تبادل المعلومات والتدريبات المشتركة وعمليات حفظ السلام، ما اعتبرته روسيا تأكيدًا لمخاوفها من زحف الناتو المهدد لأمنها.
حاول الناتو احتواء المخاوف الروسية، فأسس المجلس المشترك الدائم بين الطرفين في مايو 1997، حيث منح روسيا دورًا استشاريًا في مناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك. لكن روسيا استشعرت صورية التحرك، وأن صوتها نادرًا ما وجد صدى في أروقة الناتو.
اشتدت مخاوف روسيا عندما أصبحت التشيك والمجر وبولندا في 1999 أول دول الكتلة السوفيتية السابقة انضمامًا إلى الحلف.. أي أنه بات على بعد 400 ميل من الحدود الروسية.
خارج السياق، أعطى رد فعل روسيا الداعم بعد هجمات 11 سبتمبر حافزًا لإذابة الجليد، فاتفق الطرفان على إنشاء مجلس الناتو – روسيا في مايو 2002، والذي يعطي موسكو دورًا مساويًا لعواصم الحلف في صنع القرار بشأن سياسة مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية الأخرى.
مع ذلك، ظلت العلاقة معقدة. لم تكن روسيا راضية عن توسع الحف في أوائل 2004 الذي جلب الحلف إلى حدودها بضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
ساءت العلاقات أكثر بعد الحرب الروسية الجورجية القصيرة في أغسطس 2008، عندما أعلن الحلف تعليق التعاون حتى تسحب موسكو جميع قواتها من جورجيا.
تحسنت العلاقات بتولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2009، ليعلن الحلف بعد شهرين استئناف الاتصالات رفيعة المستوى مع روسيا.
ومع ذلك، عادت العلاقات للانحدار في 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وواجهت اتهامات بدعم المتمردين الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
التطورات أعطت الحلف – الذي يصفه البعض ببقايا الحرب الباردة – أهمية جديدة.
الأمين العام ينس ستولتنبرغ قال إن الأزمة الأوكرانية “تذكرة بمدى أهمية الحلف. حيث أصبحت فكرة الدفاع الجماعي أكثر أهمية بالنظر إلى كيفية استخدام روسيا للقوة لتغيير الحدود في أوروبا”.
ترامب بدوره ينتقد الناتو منذ توليه منصبه. يشكو من تحمل بلاده معظم نفقات الحلف مع تراخي الأوروبيين.
للتغلب على شكاوى ترامب، سيرفع الناتو حصة أوروبا في توقعات الإنفاق الجديدة، لكن ماكرون يرى مشكلات الحلف أهم من الإنفاق، وبينها شعور الأوروبيين بأن ترامب لا يقاسمهم الإيمان بأن تماسك الحلف ينفع واشنطن بقدر ما يحقق مصلحة أوروبا.
الخلاف مفتوح حول انسحاب أمريكا من شمال شرق سوريا، ثم دخول تركيا هناك، في قرارين استراتيجيين اتخذتهما واشنطن وأنقرة دون استشارة الحلفاء. الخلاف على أشده بين باريس التي تعارض الغزو، وأنقرة تراها “ودودة” للغاية تجاه الأكراد، وتريد من الناتو ككل دعم موقفها في سوريا.
تبرز الحلقة مشكلة أساسية: تركيا تنحرف بعيدًا عن الناتو.. شعور عززه شراء منظومةS-400 الروسية. المشكلة أن حجم تركيا وموقعها الجغرافي يجعلها شريكًا مهمًا ومزعجًا بنفس الوقت.
محلل الدفاع البريطاني مايكل كلارك يقول إن قوة الناتو تراجعت لأقل من نصف ما كانت عليه عندما كان بنصف أعضائه الحاليين.
الأمين العام ينس ستولتنبرج يعتبر التوسع “نجاحًا تاريخيًا” ساعد في نشر الديمقراطية وسيادة القانون، لكنه بنظر كلارك فتح ساحة حرب باردة جديدة حين حدود الناتو 1000 ميل في اتجاه موسكو.
للتعامل مع الوضع، خلقت روسيا واقعًا موازيًا؛ عززت ترسانتها النووية، وسعت لتجديد نفوذها في الخارج، وبينها التدخل في سوريا.
ويرى محللون أن تطورات جديدة تتشكل تحت عنوان “الحرب الباردة الجديدة”؛ إذ تمدد روسيا نفوذها في “المنطقة الرمادية”، حيث يصعب اتهامها “ولومها بالتالي” على شن هجمات القرصنة الإلكترونية، أو الحروب المعلوماتية للتأثير على انتخابات دول الناتو.
يقول كلارك إن غياب التوافق السياسي في الغرب يسهل مهمة روسيا، متوقعًا أن تشكل إزعاجًا حقيقيَا للناتو خلال العقدين المقبلين.
S-400: “أسرار الناتو في يد روسيا”.. كيف يتعامل ترامب مع أردوغان؟ | س/ج في دقائق
جيش أوروبا المستقل .. أكبر من مجرد فكرة عسكرية .. فهل أوروبا جادة في تأسيسه؟| دقائق.نت
في السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا.. تأثيرات عالم ما بعد البريكزيت ستطال الجميع | مينا منير
ليبيا وأخواتها.. هل أظهرت عجز الاتحاد الأوروبي أم قوته؟ وهل يمكن التعويل عليه؟ | س/ج في دقائق