زواج المسلمة من غير المسلم | لماذا أباحه اﻹخوان في أوروبا؟ | هاني عمارة

زواج المسلمة من غير المسلم | لماذا أباحه اﻹخوان في أوروبا؟ | هاني عمارة

22 Nov 2020
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في مطلع سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن، وردت آية “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” بما تعنيه من تمام الرسالة وشرائعها. ثم بدأ بعدها تفصيل بعض المباحات والمحرمات.

النص الذي نحن بصدده يأتي بعدها بآيتين، متضمنًا نسخًا تشريعيًا وحكمًا جديدًا، يحكمان العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب فيما يخص الطعام والزواج.

نسخ التحريم

نسخ الأطعمة حملته آية: “اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم” بما تعنيه من استعادة الود مع أهل الكتاب بعد حسم المعركة مع قريش، واستقرار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، وانتهاء فترة الحروب والاتهامات المتبادلة التي وصم بها أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين بخيانة المسلمين وموالاة المشركين ضدهم.

وأول قرار في استعادة الود كان إباحة الطعام، أو الذبائح على قول أكثر المفسرين. والإباحة هنا تبادلية، بمعنى جواز أن يأكل المسلم من ذبائح أهل الكتاب، وجواز أن يعطيهم من ذبائحه سواء بالهدية أو الصدقة.

أما النسخ الثاني فكان في الزواج، في آية “والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب”.

وبعكس  اﻷطعمة، رأى جمهور المفسرين والفقهاء أن الإباحة هنا ليست تبادلية، لكنها في اتجاه واحد؛ أي إباحة زواج  المسلم من الكتابية دون إباحة زواج المسلمة من كتابي، باعتبار أن “المحصنات المؤمنات” أتت معطوفة على “وطعام الذين أوتوا الكتاب”، لتكون “وطعامكم حل لهم” جملة اعتراضية.

إشكال وجيه

هذا التفسير يعترضه إشكال وجيه تنبه له بعض القرآنيين المعاصرين. وهو: ما فائدة النص على إباحة زواج المسلم من المسلمة وهو أمر بديهي لا يضيف حكمًا جديدًا للاية؟

فلو نحينا التفسير  التقليدي جانبًا، وأعدنا قراءة اﻵية وفق سياق التبادلية تكون كالآتي:

طعام الذين أوتوا الكتاب حلال لنا  – نساء أهل الكتاب حلال لنا

طعامنا حل لأهل الكتاب – نسائنا حلال لأهل الكتاب

وعليه يكون تفسير الآية كالآتي:

اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، “وكذلك” المحصنات المؤمنات “حل لهم” و “أما” المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم “فهم حل لكم بشرط: إذا آتيتموهن أجورهن بالمعروف محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان”.

حيث تكون المحصنات المؤمنات معطوفة على “وطعامكم” ويكون الشرط اﻹضافي المتعلق بعدم السفاح والخدن خاص بالكتابيات لكونهن من مجتمع مختلف عادة تحوم حوله الشكوك في سلوكه وأخلاقه، فتكون الثقة بنسائهم أقل حتى ولو كانت هذه الصورة غير صحيحة.

هذا التفسير ينسجم مع جو التسامح والعفو بعد انتصار المسلمين وسيطرتهم على مركز القيادة الدينية، مما يعيد العلاقات وتطبيعها مع أهل الكتاب. ومن مظاهر هذا التطبيع تبادل الطعام والزواج؛ باعتبار أن التحريم السابق بمنع التزاوج بدأ مع هجرة المسلمين وفترة تكوين الدولة واشتداد العداء، وهو ما اقتضى تشريعًا يحرم العلاقات والزواج، كما يتضمن حماية النساء الراغبات في الهجرة وعدم إرجاعهن لأزواجهن، كما في آية سورة الممتحنة؛ أي أنه تحريم سياسي حربي هدفه الحفاظ على الدولة الوليدة؛ باعتبار أن التزاوج مع الطرف اﻵخر قد يفتح مجالًا للتأثير والجاسوسية والاختراق من الخصوم.

عودة التحريم

إذا كان اﻷمر كذلك، وانتهت الخصومات والصراعات في حجة الوادع، فماذا استدعى عودة التحريم؟

الذي حدث كان استئناف الجهاد والتوسع في عهد الخلفاء الراشدين (عمر بن الخطاب تحديًدا) واقتضى صدامًا حتميًا مع المسيحيين للمرة الأولى، ربما لم يحدث حتى في زمن الرسول الذي كانت علاقته جيدة بالمسيحيين منذ زمن النجاشي، حيث كان الصدام الأساسي مع المشركين واليهود، بينما كان المسيحيون الأقرب بوقائع السيرة ونص القرآن.

الصدام كان ﻻزمًا بعد رغبة عمر بن الخطاب في غزو معاقل المسيحية في العراق والشام، فقرب اليهود إليه “مثل كعب الأحبار وعبد الله بن سلام” بعد إقصائهم في زمن النبي، في حين تعامل بشدة مع المسيحيين، ويتجلى هذا في إذلاله الملك الغساني المسيحي جبلة بن الأيهم، ونهاية مملكة الغساسنة، وصدامه مع قبائل تغلب المسيحية ومضاعفته الجزية عليهم، وتهجيره لمسيحي نجران، ثم فرض شروط مذلة على مسيحيي القدس نظير البقاء في المدينة، وهي المعروفة بالعهدة العمرية، مع تمكين اليهود من الهجرة والإقامة في القدس.

في ظل امتداد الصراع هذا، كان من المنطقي استعادة الأحكام المتشددة في التزاوج مع المخالفين دينيًا، حيث الممالك دينية والحروب دينية.

لماذا ليس العكس؟

قد يعترض معترض على هذا التعليل؛ باعتبار أن الفقه اﻹسلامي استقر في نفس الفترة على إباحة زواج المسلم من المسيحية.

والجواب من وجهين:

اﻷول: أنه ليس هناك إجماع على إباحة زواج المسلم من الكتابية، وإن كان مذهب الجمهور، حيث يحرمه عبد الله بن عمر من الصحابة، وبعض التابعين، كما ينسب ذلك للإمام الشافعي، وإن كان معتمد مذهبه خلافه، كما أن مذهب الشيعة كذلك يحرم زواج المسلم من الكتابية.

الثاني: أن المرأة بنظر العقل الإسلامي المبكر تابعة وليست متبوعة، كما أنها لا تصنف محاربة إلا إذا رفعت السلاح. وفي هذا السياق يفهم لماذا استثنى بعض الفقهاء المرأة من حكم المرتد.

كما أن تحريم التزواج امتد كذلك بين فرق المسلمين بعضها البعض، فوجدنا من أئمة السنة من يحرم الزواج من الشيعة والعكس، وكذلك سائر الفرق اﻷخرى، بل وحتى بين المذاهب الفقهية السنية، مثل ما نسب ﻷحد فقهاء الأحناف منعه الزواج من الشافعية بسبب مسألة قول “أنا مؤمن إن شاء الله” وهو كذلك مفهوم في سياق الصراعات المذهبية المقترنة بتأسيس الدول والممالك.

وفي العصر الحديث، ومع ظهور جماعات الإسلام السياسي، ظهرت فتاوى تحريم الزواج من العالماني والماركسي، بل وحتى المؤيد للسلطة التي تناصب الاسلاميين العداء، وكلها دوافع ظاهرها ديني بخلفية سياسية.

لماذا ترفضه المؤسسات الرسمية؟

بناء على ما سبق، قد يكون تحريم زواج المسلمة من غير المسلم مفهومًا في سياقاته التاريخية أما غير المفهوم، فتمسك المؤسسة الدينية الرسمية بتعليلات غريبة غير أصولية لم يقل بها الأقدمون، وآخرها فتوى دار الإفتاء وكلام شيخ الأزهر.

منها مثلًا أن الأمر تعبدي لا اجتهاد فيه، والحقيقة أن كل اﻷمور تعبدية بالمفهوم الديني ولا يمنع الاجتهاد فيها.

ومنها التعليل العجيب الذي ذكرته دار الإفتاء في بيانها  بـ “اﻷمر اللاهوتي والسر المقدس” كتأويل للميثاق الغليظ في سورة النساء، بتأويل قريب لمفهوم الزواج  الكنسي، في حين لم يقل الأقدمون بذلك، وإنما فسروا الميثاق الغليظ  بالحقوق الزوجية المتعارف عليها.

نعم، أعرف أن  الاعتراض فعليًا نابع في الخوف على نسل المرأة المسلمة (وهو أحد أوجه الاعتراض الحقيقي التي لا يصرح بها غالبًا) ﻷن العادة جرت على أن يورث الدين من اﻷب، وهو ما يتعارض مع مؤسسة تدعي إيمانها بحرية العقيدة، حيث كان يمكنها أن تقرن إباحة هذا الزواج بحرية العقيدة للأبناء، وهو جوهر الزواج المدني في الغرب.

وقد شاهدنا في الجاليات الإسلامية في الغرب كيف تزول فجأة كل تلك الإشكاليات، وكيف تظهر تأويلات براجماتية عكسية لتمكين المرأة المسلمة حديثًا من البقاء مع زوجها غير المسلم والميراث من أهلها غير المسلمين بل أقرهم على ذلك شيوخ الإسلام السياسي كيوسف القرضاوي وحسن الترابي وغيرهما.

أجازوه في الغرب!

في منتصف التسعيينات، خرج القيادي اﻹسلامي في السودان حسن الترابي بفتوى صادمة بجواز بقاء المرأة التي أسلمت حديثًا مع زوجها غير المسلم. وعلل فتواه بأن ذلك قد يرغبه هو أيضًا في الإسلام. وقتها، رفض الإسلاميون هذه الفتوى، وتحفظ القرضاوي عليها.

في بداية الألفية، خرج القرضاوي بفتوى تسحب تحفظه السابق على فتوى الترابي، مستدلًا بتأويلات أصولية متعسفة، زاعمًا أن ابن القيم أفتى بذلك، وهو ما ثار عليه السلفيون مبينين تحريفه لكلام ابن القيم. تبعه في ذلك المجلس الإسلامي الأوروبي للإفتاء، وهو أكبر كيان إسلامي في أوروبا يسيطر عليه التنظيم الدولي للإخوان، رغم اعتراضه السابق على فتوى الترابي.

بعدها، أعلن الترابي فتوى أخرى تجيز زواج المسلمة من الكتابي في مؤتمر سياسي، كما نقلت عنه صحيفة الشرق اﻷوسط، وهو ما يرفضه الإسلاميون حتى تاريخه.

الدافع الحقيقي الذي ألجأ الإسلاميين لهذه الفتوى كان سبيين:

الأول: ترغيب النساء في اعتناق الإسلام؛ حيث لوحظ أن نسبة الدخول في الإسلام منتشرة أكثر بين النساء، وكانت المتزوجات تصدمن عندما يفتى لهن بوجوب الانفصال عن أزواجهن.

الثاني: تمكين المرأة الداخلة في الإسلام من دعوة أزواجهن وأهلهن للإسلام مع الحفاظ على حقوقهن في الميراث مدعومة بفتاوى أخرى مخالفة للفقه التقليدي بعدم ميراث المسلم من غير المسلم.

في حالة إلهان عمر وهيما عابدين، كان الزواج من غير المسلم تسهيلًا لتواجدهم داخل المؤسسة السياسية.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك