تقارير ظهرت على نطاق واسع خلال الفترة الماضية، كشفت اتجاه كوكاكولا، عملاق المياه الغازية، لتطوير مشروبات جديدة يدخل في إنتاجها بعض مكونات الحشيش.
فما الذي وضع اقتصاد الحشيش في دائرة الضوء؟
ومن يسيطر على السوق حاليًا؟
وكيف تتشكل خريطة المستقبل؟
لم تكن “كوكاكولا” أولى الشركات العالمية انتباهًا لجدوى الدخول مبكرًا إلى سوق الحشيش، الذي بات مسموحًا بتداوله في عدد متزايد من دول العالم، لكنها وضعت السوق الناشئة تحت المجهر، بعد كشف خططها للتعاون مع أورورا كانابيس إنكوربوريشن، المصرح لها من وزارة الصحة الكندية بزراعة القنب الهندي لأغراض طبية، كونها أولى الشركات الكبرى غير المتخصصة في المشروبات الكحولية، التي تدخل هذا السوق.
وارتفع سهم أورورا بأكثر من 15% في التعاملات المبكرة فور نشر التقرير، لتؤكد الشركة عزمها الدخول بالحشيش إلى قطاع المشروبات الغازية، دون تأكيد مفاوضاتها مع كوكاكولا بهذا الصدد.
تؤكد “الإيكونومست” أن شركات أصغر سبقت كوكاكولا في إضافة مواد مستخلصة من الحشيش إلى منتجاتها من المياه الغازية والمياه المعبأة، بخلاف الاهتمام الواسع من شركات إنتاج المشروبات الكحولية.
كونستيليشن براندز، مصنع مشروبات بيرة كورونا الأمريكية، ضخت نحو 4 مليارات دولار كاستثمارات في شركة كانوبي جروث الكندية المتخصصة في تصنيع الحشيش، بخلاف شائعات عن استكشاف العملاق البريطاني “دياجيو” للفرص الاستثمارية في القطاع نفسه.
تشكل كندا لاعبًا صاعدًا ومهما في اقتصاد الحشيش الوليد، بعد اتخاذها قرارا رسميا بتقنين زراعة وبيع الحشيش، بالدرجة التي أقلقت الصين، التي تبدو بعيدة تمامًا عن خطوات التقنين، رغم مشاركة المزارع الصينية بنحو 50% من حركة اقتصاد الحشيش العالمي.
بتلك المعطيات، ونظرًا لطبيعة السوق وسياسات التصدير، يقود المنتجون الكنديون اقتصاد الحشيش المقنن حاليًا، من خلال عمليات اندماج واستحواذ مركزة لتوسيع حضورهم الجغرافي.
وتسيطر على سوق الحشيش شركات بينها كانوبي جروث، وأفاريا، وأورورا كانابيس، وماريكان جروب، وتيلراي، وكرونوس جروب، وأورجانيجرام هولدنجس.
وقُدر حجم سوق الماريوانا القانوني العالمي بنحو 9.3 مليار دولار في 2016.
وشكلت أمريكا الشمالية أكبر حصة في السوق العالمية، وبلغت قيمتها 7.2 مليار دولار أمريكي في عام 2016، بينها 7.06 مليار دولار في الولايات المتحدة.
ويُقدر أن القطاع الطبي يهيمن حاليًا على السوق العالمية، ومثل نحو 80.3% من الإيرادات القانونية عام 2016.
تتوقع جراند فيو للأبحاث أن يصل حجم السوق القانوني العالمي إلى 146.4 مليار دولار بنهاية 2025، بنسبة نمو سنوي مركب تتجاوز 34.6%، ليس فقط بالتزامن مع الاتجاه العالمي للتقنين، بل الأهم مع الاستثمارات المرتفعة التي تمول حاليًا أبحاث تطوير أشكال أكثر أمانًا لتناول الماريوانا بأعراض جانبية أقل.
ويتوقع أن تصل حصة القطاع الطبي إلى 100.03 مليار دولار بحلول 2025.
تشير التقارير لتوسع كندا في سوق الحشيش بمعدل سنوي مركب نسبته 66.8% حتى 2025.
تقرير صادر عن هيئة الإحصاء الكندية قدر أن 4.9 مليون كندي تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا أنفقوا 5.7 مليار دولار على الحشيش العام الماضي.
وبين عامي 1961 و2017، زاد إنفاق الأسر على الماريوانا بنسبة 6% سنويًا، وتقول الوكالة إن متوسط استهلاك القنب يبلغ نحو 100 دولار شهريًا.
وبالنظر إلى التركيبة السكانية في كندا، يشير التقرير إلى أن حصة الاستهلاك بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عامًا في ازدياد. في عام 1975، شكل الأفراد في هذه الفئة العمرية 4% من إجمالي الإنفاق الأسري، وفي عام 2017 زادت هذه النسبة إلى 23%.
تشير التوقعات إلى ظهور دول مثل كندا والولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا كأكبر أسواق اقتصاد الحشيش المقنن من حيث البيع والإيرادات.
التوقعات تظهر أوروبا كأكبر سوق للحشيش القانوني بنهاية 2025، مع حصة قد تصل حينها إلى 55.6%، لتظهر دول مثل ألمانيا وبولندا وإيطاليا باعتبارها أسواقًا قوية، بينما تظهر هولندا والتشيك كمصدرين كبار للحشيش؛ بسبب القوانين المتراخية مع زراعة النبتة.
وتعتزم بلدان أمريكا اللاتينية مثل أوروجواي وكولومبيا الاستفادة من مناخها وقوتها العاملة لحجز نصيب كبير بين مصدري الحشيش، بينما حجزت إسرائيل مكانًا كقوة رائدة في مجال أبحاث الحشيش والتطوير التكنولوجي ونقل المعرفة، وهو ما يمنحها نصيبًا مهمًا من الإيرادات.
أستراليا، التي قننت استخدام الحشيش لأسباب طبية في فبراير 2017، تخطط حاليًا لتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ومن المتوقع أن تتوسع بمعدل سنوي مركب نسبته 46.1% حتى 2025.
الصين أيضًا لها نصيب ضخم؛ فأكثر من نصف براءات الاختراع المتعلقة بأكثر من 600 نوع من الحشيش المسجلة لدى وكالة الملكية الفكرية العالمية التابعة للأمم المتحدة تعود إلى شركات صينية، بينها مثلًا مشروبات تساعد على استرخاء الأمعاء وعلاج الارتعاش والتعرق، لكن كندا بدأت تقطع خطواتها الأولى في هذا المجال.
يستفيد السوق من نقطة مهمة في هذا الصدد. في ديسمبر 2017، أوصت منظمة الصحة العالمية بعدم إدراج مادة الكانابيديول، وهي واحدة من نحو 200 مركب في نبات القنب، وتصل نسبتها في النبتة إلى 40%، في قائمة المواد الخاضعة للمراقبة دوليًا.
وانتهت لجة الخبراء المعنية بالاعتماد على الأدوية والتابعة للمنظمة في نوفمبر 2017، إلى أن الكانابيديول الخالص لا يمكن أن يكون مؤذيًا أو يسبب ضررًا.
ولم توص المنظمة باستعمال الكانابيديول طبيًا، إلا أن البيانات الأولية المستمدة من الدراسات أثبت أنه قد يكون لاستعمال الكانابيديول بعض الفوائد العلاجية في نوبات الصرع والحالات المرضية المتصلة بها.
المادة نفسها هي التي أعلنت شركة كوكاكولا مثلًا دراسة استخدامها في أصناف جديدة من المشروبات التي تنتجها.
وتتوقع تقارير نشرتها فوربس، نمو سوق الكانابيديول بنسبة 700% بحلول عام 2020.
اقرأ أيضًا: تقنين الحشيش في لبنان. اقتصاد أم سياسة؟
لم يعد الأمر يقتصر على المشروبات الكحولية. مؤخرًا، دخل الحشيش في إنتاج الحليب ومنتجات الألبان، من خلال تغذية الأبقار جزئيًا على الأقل بأعلاف من القنب، ممزوجة بالأعلاف العادية.
وتشمل المنتجات المعروضة حاليًا أصنافًا من السلالات والمستخلصات مثل الزيوت والصبغات والراتنجات والمواد الاستهلاكية التي تعتمد على تركيز القنب الهندي.
الأرقام الحالية والمتوقعة مستقبلًا جعلت سوق الحشيش وجهة مهمة للشركات، خصوصًا أن معظم اللاعبين الحاليين في السوق الرسمي ليسوا مؤهلين بما يكفي لتلبية الطلب، مع الحاجة لضخ استثمارات كبيرة لدعم تكاليف زيادة الإنتاج والعمليات المحسنة، دون التضحية بالأرباح والالتزام بالمعايير التنظيمية.
شجع هذا الشركات العاملة في القطاعات المجاورة، مثل التبغ، والمستحضرات الصيدلانية، والكحول، والمشروبات، بما تملكه من رؤس أموال قوية، وبنية تحتية ناضجة، وعلامات تجارية مهمة، على الدخول إلى السوق، بينما تتجه الشركات المتخصصة إلى آليات جديدة، وبينها البيع عبر متاجر الإنترنت، واللجوء لخدمات التوصيل، وحتى لتطوير سلالات جديدة من القنب عالي الجودة.