س/ج في دقائق: القانون والطب والفقه في قتل أبٍ ابنَه

س/ج في دقائق: القانون والطب والفقه في قتل أبٍ ابنَه

22 Jul 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“أحد أولادك سرق 400 جنيه وسبيكة ذهبية”.. هكذا استقبلت الطبيبة “ع. ع”، 45 عامًا، زوجها “ج. ع”، المدرس بكلية طب الأزهر،  عند عودته إلى منزله في مدينة دمياط الجديدة، ليبدأ الأب وصلة استجواب عنيفة لأولاده الثلاثة محمد، 17 عامًا، وعبد الرحمن، 14 سنة، وعمر 13 سنة، انتهت بوفاة أوسطهم.

كيف وصلت الجريمة إلى الشرطة؟

تلقت الأجهزة الأمنية في محافظة دمياط المصرية، بلاغًا من الأب بالعثور على جثة نجله ملقاة على الطريق العام بعد ساعات من اختفائه، لتكشف التحقيقات عن آثار تعذيب على جسد الضحية.

تحريات أجهزة البحث الجنائي كذبت رواية الأب، حيث قال شاهد إنه رآه في مسرح الجريمة قبل الإبلاغ بالعثور على الجثة، فقرر فريق البحث معاينة شقة والد الطفل. وبدأت التفاصيل الحقيقية في الظهور.

عثر رجال البحث على علامات مشابهة على جسدي شقيقيه. الشقيقان أكدا انها ناجمة عن اعتداء والدهما.

الأب احتجز الأطفال الثلاثة في غرفة منفصلة، وبدأ الاستجواب، قبل أن يلجأ لاستخدام آداة الجريمة لإجبارهم على الاعتراف وإعادة المسروقات.

بحسب التحقيقات، استمر التعذيب لنحو 36 ساعة، سقط بعدها الضحية في حالة إعياء مساء الخميس الماضي، ليتركه الأب متوجهًا لصلاة العشاء، ثم يعود فيجده جثة هامدة، فيلقي به في مكان مهجور، ويبلغ الأجهزة الأمنية بقصة مختلقة.

ثم اعترف الأب بالاعتداء على أبنائه الثلاثة بسير موتور غسالة مثبت به مفك حديدي.

ما نص اعتراف الأب في التحقيقات؟

اعترف المتهم في التحقيقات، لاحقا، بقتل نجله، قائلًا: “أيوه أنا اللي قتلته. مكنش قصدي أقتله. كنت بأدبه بس. عرفت من أمه وأخواته الاثنين إن هو سرق 400 جنيه وجنيهات ذهب، فضلت اضرب فيه علشان يتأدب ويبطل يسرق تاني، وسبته تاني يوم ورحت أصلي العشاء، رجعت لقيته مات. فكرت في التخلص من الجثة، شلتها رمتها. بس هو ده كل اللي حصل”.
فقررت النيابة العامة حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات، تمهيدًا لإحالته إلى محكمة الجنايات.

لماذا يؤدي ضربٌ إلى الوفاة؟ 

هناك، حسب أطباء مختصين، عدة احتمالات تسبب وفاة الحالات المشابهة ، بينها الارتجاج في المخ حال تعرضه للضرب عليه، أو نزيف داخلي يؤدي إلى هبوط حاد في الدورة الدموية، أو إصابة في أحد الأعضاء الأساسية كالرئة نتيجة انكسار ضلع، دون استبعاد الصدمة العصبية التي قد تؤدي إلى انخفاض شديد في ضغط الدم، وتوقف عضلة القلب.

كيف تنظر مذاهب الفقه لتلك الجرائم؟

القانون المصري يعتمد جزئيا في أحكامه على التفسيرات الفقهية، حيث تنص المادة الثانية من الدستور المصري على كون الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع القانوني. الحجج القانونية المتبادلة بين الادعاء والدفاع تستخدم الفقه في إثبات قضيتها. من هنا نلخص لكم الآراء الفقهية المرتبطة بهذه الحالة.

  • الحنفية والشافعية والحنابلة يقولون بعدم قتل الوالد إذا قتل ابنه، احتجاجًا بحديث منسوب للنبي محمد يقول فيه: “لا يقاد الوالد بولده“، ومستندين على قضاء عمر بن الخطاب بالدية في قاتل ابنه.
  • المالكية ذهبوا إلى نفس الرأي إلا في حالات العمد، فقالوا: “لا يقاد الأب بالابن إلا أن يضجعه ويذبحه، أو يحبسه حتى يموت، مما لا عذر له فيه ولا شبهة فإن حذفه بالسيف، أو بالعصا، أو بالحجر الكبير غير قاصد لقلته، فلا يقتل فيه”.
  • وحكم أهل العلم بالحديث بإعلال أحاديث “لا يقتل الوالد” أو “لا يقاد الوالد بولده”، وبأن طرقها منقطعة، لكن أصحاب المذاهب الفقهية ذهبوا للأخذ بما دلت عليه. يقول الشافعي: “حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد، وبذا أقول”.

أي المذاهب يطبق في مصر في هذه الحالة؟

يقول مفتي مصر الحالي شوقي علام، في حوار صحفي أجراه 2015: “من النادر أن يقتل الوالد ولده عمدًا، لكن قد يحدث القتل خطأ، وهنا لا يتلقى عقوبة الإعدام، لكن في بعض القضايا نستشف فى بعض التحقيقات والظروف المحيطة بالجريمة أن هذا الوالد ارتقى بالفعل وقفز فوق الحنان والشفقة إلى دائرة العمد والقصد الذى يريد به بالفعل أن يقتل ولده، وهذا مأخوذ من مذهب المالكية”.

ما العقوبة المنتظرة وفق القانون المصري؟

بحسب لائحة الاتهام التي وجهتها نيابة دمياط الجديدة الجزئية، يواجه الأب تهمة القتل العمد وليس ضرب أدى إلى الموت.
وبحسب قانون العقوبات المصري في مادتيه 230 و234، يعاقب من قتل نفسًا عمدًا مع سبق الإصرار أو بالإعدام، أما من ارتكب نفس الجريمة من غير سبق إصرار أو ترصد فيعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد.
ويفرق بين الجريمتين قصد ونية المتهم من الاعتداء، ويستدل عليها بالمظاهر الخارجية والظروف المحيطة بالدعوى. ويجب على المحكمة أن تثبت توافر هذه النية صراحة، وبينها استعمال آلة قاتلة، أو إصابة المجني عليه في موضع من جسمه يعد مقتلًا وغيرهما من المظاهر التي تدل دلالة يقينية في تقدير المحكمة علي توافر نية القتل. لكن ….

هل المحكمة ملزمة بتوصيف القتل العمد؟

ومع توصيف النيابة العامة للجريمة بـ “القتل العمد”، يرى محامون أن محكمة الجنايات قد تغير الوصف إلى “ضرب أدى إلى الموت”، حسبما يترائى لقاضي الموضوع من أوراق وأدلة القضية.

شعبان سعيد، المحامي بالنقض، قال إن عقوبة القتل تستلزم وجود قصد جنائي خاص، مثل قصد إزهاق الروح، وهو ما لم يكن متوافرًا لدى والد الطفل المقتول، موضحًا أن عقوبة الضرب الذي يفضي إلى الموت، هي وسط ما بين عقوبة الضرب وعقوبة القتل.

المحامي أشار إلى أن القاضي قد ينزل بالحكم درجة أو درجتين، إذا رأى أن ظروف المتهم تستدعي ذلك، ومن الممكن أن يوقف تنفيذ العقوبة، خشية أن يتحول المتهم إلى مجرم، أو إذا كان يعول أبناءً آخرين، خشية من تدمير حياتهم.

وأشار المحامي بالنقض، إلى أن المادة 236 من قانون العقوبات المصري، نصت على أن كل من جرح أو ضرب أحدًا عمدًا أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكنه أفضى إلى الموت، يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع. وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن.

هل حدثت جرائم مشابهة فى دول أخرى؟

نعم. وهذان مثالان.

في أغسطس 2017، قضت محكمة عليا في لوس أنجلوس الأمريكية بالسجن 25 عامًا على أب قتل طفله البالغ من العمر خمس سنوات، في جريمة صنفت كـ “قتل من الدرجة الأولى”، وهي إحدى الجرائم النادرة التي تصل عقوبتها إلى الإعدام في بعض الولايات الأمريكية.
وفي يونيو 2018، قضت محكمة استرالية بالسجن 41 عامًا على أب عذب ابنه لأسابيع حتى الموت في منزلهم بمدينة كانبرا، بعدما اتهمه بسرقة “المصاصات” الخاصة به، قبل أن يتركه فاقد الوعي لساعات دون استدعاء الإسعاف لإنقاذه.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك