“سد النهضة قد لا يرى النور قريبًا”، تصريح أطلقه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في خطاب، السبت الماضي، لتبدأ التكهنات حول المشروع الذي أطلقته أديس أبابا على مجرى نهر النيل قرب الحدود الإثيوبية السودانية.
ما معنى التصريح؟ وهل حمله الإعلام أكثر من مغزاه؟
من هو آبي أحمد؟
وكيف تتعامل القاهرة مع التطورات الجديدة؟
سنحاول الإجابة على هذا الأسئلة وغيرها في السطور التالية.
رئيس الوزراء الإثيوبي، البالغ من العمر 42 عامًا، يعتبر أول مواطن من عرقية أورومو الأكبر في البلاد، ومن أصل مسلم، يصل إلى المنصب، ليصبح أصغر رؤساء حكومات أفريقيا.
شارك في صراع مسلح ضد نظام منجستو هيلا مريام، ثم التحق بالجيش بعد سقوطه، وانضم لوحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، ثم بدأ العمل السياسي منذ 2010 قياديًا في الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، وعضوًا بالبرلمان الإثيوبي.
عمل ضمن قوات حفظ السلام في رواندا، ثم ترأس وكالة الأمن الإلكتروني الإثيوبية، وتولي حقيبة العلوم والتكنولوجيا، قبل أن يغادر الحكومة المركزية، ليصبح نائب رئيس منطقة أوروميا المثيرة للجدل.
اختار ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية آبي أحمد رئيسًا بما جعله تلقائيًا رئيسًا للوزراء، خلفا لهايلي مريام ديسالين، الذي استقال على خلفية أعمال عنف واحتجاجات مناهضة للحكومة أدت إلى مقتل المئات واعتقال الآلاف.
بوصوله للمنصب، قاد إصلاحات ليبرالية، فأطلق سراح آلاف من السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة على الإعلام، وأنهى الحرب التي استمرت 20 عامًا مع إريتريا، ورفع حالة الطوارئ، وخطط لفتح قطاعات اقتصادية رئيسية أمام مستثمرين من القطاع الخاص، بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.
وفي يونيو الماضي، تعرض لمحاولة اغتيال بتفجير قنبلة في مسيرة شعبية، فيما اعتبره مراقبون محاولة مما سموه “الحرس القديم” للتصدي للرجل الذي تسبب بتعطيل هيمنتهم السياسية.
في يونيو الماضي، زار آبي أحمد القاهرة، واجتمع بالرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث ظهرا في مؤتمر صحفي مشترك، مع لقطة شهيرة غير مألوفة في الأعراف الدبلوماسية، حيث لقنه الرئيس المصري قسمًا ردده رئيس الوزراء الإثيوبي باللغة العربية، بألا يضر بمصالح مصر ولا حصتها من المياه.
https://www.youtube.com/watch?v=pQO20N9Bz5s
يقول آبي أحمد إنه رصد تأخرًا في تنفيذ القطاعات المعدنية الخاصة بالمكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية لسد النهضة، والذي تتولاه هيئة المعادن والهندسة “ميتيك”، التابعة لوزارة الدفاع الإثيوبية.
وبحسب أحمد، فإن معدلات العمل الذي تتولاه شركة ساليني إمبريجيلو الإيطالية، المقاول الرئيسي في المشروع، تجري وفق الجدول الزمني المحدد، مضيفًا أن الشركة تطالب بتعويضات مالية ضخمة بسبب تأخر المشروع.
رئيس الوزراء أشار أيضًا إلى مشكلات تتعلق بتصميم السد منعت تثبيت أي توربين حتى الآن، متهمًا “ميتيك” بالتدخل في المشروع، والتسبب في فشل إدارته، رغم عدم امتلاكها خبرة العمل في مشروعات ضخمة، ما أدى لتعطيل السد، الذي كان يفترض افتتاحه خلال خمس سنوات من تاريخ بدء العمل في 11 أبريل 2011.
وقال أحمد إنه أسس لجنة لمتابعة سير العمل في السد فور توليه منصبه، أشارت تقاريرها إلى أن “ميتيك” لم تنفذ الاتفاقية بالشكل المطلوب.
“سلمنا مشروعا مائيا معقدا إلى أناس (شركة المعادن والهندسة) لم يروا أي سد في حياتهم، وإذا واصلنا السير بهذا المعدل، فإن المشروع لن يرى النور”.
بعدها بساعات، ألغى آبي أحمد العقد الموقع مع الشركة، متعهدًا بإسناد الأعمال إلى مقاول آخر، على أمل الإسراع في التنفيذ.
اقرأ أيضًا: من حلايب إلى سد النهضة.. الغموض يهزم الوضوح في علاقة مصر والسودان
في مايو الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية إنجاز 66% من مراحل بناء السد، الذي كان يفترض افتتاحه في 2016.
وفي يوليو، لقي مدير مشروع سد النهضة، المهندس سيميجنيو بيكيلي، مصرعه في حادث اغتيال لم تتكشف ملابساته بعد. حينها، قال آبي أحمد إن رحيله لن يكون سببًا في توقف بناء السد.
وأضاف رئيس الوزراء: “من يتخيل أن بناء سد النهضة، سوف يتوقف بمقتل مدير المشروع لا يعرف الحقيقة”، مؤكدًا أن عملية بناء السد منطلقة بقوة حتى النهاية، وأن بلاده ستنتهي منه كما بدأت فيه.
وزير المياه والري الإثيوبي سلشي بيكيلي أشار حينها إلى حدوث تأخير في بعض العمليات الكهروميكانيكية، تتطلب مشاورات ثلاثية مع دولتي المصب مصر والسودان، لكنه أكد أن عملية بناء السد تجري على قدم وساق، متعهدًا بمواصلة تحقيق رؤى المهندس الراحل حتى الانتهاء منه، وعدم تأثر معدلات العمل بوفاته.
باتت القاهرة على ما يبدو مقتنعة بأن المشروع أمر واقع، وتحولت للعمل على تحسين الظروف، بضمان الاتفاق على قواعد توافقية لملء وتشغيل السد، لا تضر كثيرًا بحصتها من مياه النيل، ومع تعثر المفاوضات، تأمل مصر في أن يمنحها تأخير بناء السد زمنًا أطول للوصول إلى بنود تطمئن مخاوفها.
بعد ساعات من تصريحات آبي أحمد، أجرى وزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل زيارة إلى أديس أبابا، نقلا خلالها رسالة شفهية من السيسي إلى أحمد.
وصرح المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد أن الزيارة تهدف لمتابعة مسار العلاقات الثنائية وسبل دعمها، والتطورات الخاصة بمفاوضات سد النهضة، في إطار الجهود المبذولة لتنفيذ اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015، ومخرجات الاجتماع التساعي الأخير الذي عقد بأديس أبابا في مايو 2018.
أبو زيد رفض الربط بين الزيارة وتصريحات آبي أحمد الأخيرة، وقال في تصريحات متلفزة إن الزيارة كانت مقررة وفق مسار سياسي واتصالات دبلوماسية بين البلدين، وتسعى للتأكد من وجود دعم سياسي كامل للمسار التفاوضي بشأن السد.
المتحدث أبدى تفاؤلًا بسير المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان على الطريق الصحيح، لكنه في الوقت ذاته أشار لأهمية عامل الوقت، مشيرًا إلى أن المسار الرسمي الخاص بدراسات السد ما زال متعثرًا، وأن الخلافات مستمرة حول بعض النقاط الفنية، فيما يخص قواعد ملء السد وتشغيله.