وصل الريال الإيراني لمستويات انهيار قياسية، بينما الحكومة محصورة بين المظاهرات الشعبية الداخلية المتسعة رقعتها، والضغوط الخارجية المتصاعدة. مع بوادر انهيار كامل لاتفاق لوزان النووي الذي بشر البلاد بانتعاشة اقتصادية، بينما يستمر الاستنزاف العسكري وكلفته الباهظة، في سوريا واليمن. بعد لبنان والعراق.
بدأت الاحتجاجات في عشرات المناطق على مدار الأشهر الستة الماضية، عبر جولات متقطعة استمر بعضها عدة أيام.
وتحركت مظاهرات كبيرة في طهران وشيراز وأهواز ومشهد وأصفهان خلال الأسبوع الأخير وحده.
اندلعت بعض الاحتجاجات بشكل متقطع، بينما بدا بعضها منظمًا. ورغم نجاح الأمن الإيراني في عزل بعضها، انتشر البعض الآخر إلى عدة مدن في توقيت متزامن.
رسائل نتنياهو الإعلامية إلى الإيرانيين بعيون روبرت جرينووصلت الاحتجاجات المتزامنة إلى 80 مدينة خلال ديسمبر ويناير، قبل أن تبدأ المظاهرات ذروة أخرى في يونيو، حيث وصل المحتجون إلى بازار طهران الكبير، أحد النقاط المحورية لثورة 1979.
وتمتلك إيران واحدة من أصغر المجموعات السكانية عمرًا في العالم ، حيث نحو 60% من السكان تحت سن الثلاثين.
دخل المتظاهرون في صدامات عنيفة ومنتظمة مع أجهزة الأمن، مع محاولات لإحراق البنوك والسيطرة على مراكز الشرطة.
يقول تريتا بارسي، المؤسس والرئيس الفخري للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، إن المتظاهرين ينتمون لطبقات أوسع، وبينهم الشرائح الفقيرة، التي تمثل عادة قاعدة الدعم الشعبي للنظام، وهو ما يزيد قلق القيادة من الاحتجاجات.
التحليل يكتسب أهمية مضافة، كون المنظمة التي أسسها بارسي تمثل لوبي إيران في واشنطن، وتعمل بالأساس على تحسين الحوار بين البلدين، وضغطت بقوة لإنجاح الاتفاق النووي وحشد دعم الكونجرس له، كما عملت على التصدي لمحاولات تشديد العقوبات على طهران.
يعتقد بارسي أن المسارعة لوضع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في مقدمة الصورة، يؤكد أن النظام قرر رص الصفوف بدلًا من إظهار الذعر؛ كون سليماني يحظى باحترام عابر للانتماءات السياسية، مدللًا بتهديده لترامب بتكلفة فادحة لأي تحرك عسكري ضد إيران.
ويضيف بارسي أن أجهزة الأمن القوية تقف حائط صد، مشيرا إلى سقوط عشرات القتلى، ويرى أن الأرقام الحقيقية أعلى مما اعترفت به الحكومة، مبديًا خشيته من أوضاع أكثر كارثية حال قرر النظام قمع المظاهرات.
يتوقع بارسي استمرار المظاهرات لبعض الوقت؛ كون الأوضاع السيئة أصلًا ستزداد سوءًا مع تردي التوقعات الاقتصادية.
يضيف:
المحركات اللازمة لسيناريو ما قبل الثورة لم تظهر بعد، وتتطلب اتصالًا أفضل بين مختلف القطاعات المجتمعية والتنظيمات السياسية المعارضة، وأجندة موحدة ضد النظام، وهو ما يتطلب درجة من القيادة لم تخرج إلى النور مطلقًا.
إيلي جرانمايا، الخبيرة البارزة في برنامج سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ترى أن العقوبات النفطية المرتقبة في نوفمبر ستبتلع 40% من عائدات الدولة حال خرجت بقسوة مثيلتها في 2011، ما سيزيد تردي الأوضاع الاقتصادية، ويهدد باندفاع الاحتجاجات الشعبية في أرجاء البلاد.
وتضيف:
الورثة الأهم لقادة النظام يعيشون خارج إيران، ويتمتعون بدعم محدود في الداخل، ما يضع عراقيل أمام تحول الاحتجاجات إلى موجة تسونامي عنيفة لا تستطيع الحكومة إيقافها.
حتى الآن لا يبدو أن الرئيس ولا قوات الأمن راغبين في قمع المظاهرات. فالقاعدة الإصلاحية المساندة لروحاني لن تكون راضية حال استخدام العنف الممنهج. في حين أن الإحراج المستمر للرئيس شبه الليبرالي سيصب في كفة المؤسسة الأمنية المحافظة. الوضع سيستمر بنفس الوتيرة إلا إذا انطلقت حركة موحدة قادرة على اكتساب زخم شعبي مقلق للنظام، حينها لا أحد يشك في أن الأمن سيتدخل بلا هوادة.
تقول داليا داسا كاي، مديرة مركز السياسات العامة للشرق الأوسط، إن قرار اللجوء لإجراءات أكثر صرامة ضد إيران متخذ قبل الاحتجاجات بوقت طويل، لكنه سيتمتع بغطاء أكبر للتصعيد باتجاه عزل النظام، كون كبار مسؤولي البيت الأبيض يرون أن إيران باتت في خطر.
العقوبات ضد إيران من بعد ١٩٧٩ حتى الآن
تحذر كاي من مخاطر هذا الاتجاه؛ لأن شعور النظام بالعزلة الكاملة في غياب أية مسؤوليات نووية سيطرح سيناريوهات أكثر تعقيدًا، الأمر الذي تقول إن ترامب لا يعيره انتباهًا.
يعود بارسي ليؤكد أن إدارة ترامب قد تفكر في خيار تفكيك النظام دون إيجاد بديل، لخلق دائرة من الفوضى تخدم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أكثر من احتواء النظام أو تغييره.
الاتفاق النووي مع إيران .. لماذا يختلف موقف أوروبا عن أمريكا؟
جرانمايا تقول إن ورطة النظام لم تصل لدرجة الخطر الحقيقي، وترى أن إنقاذ إيران لما تبقى من الاتفاق النووي قد يكون كافيًا للوصول بأمان إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2020، حيث سيكون أحد خياري إزاحة ترامب أو تعزيز سطوته قد صار واضحا. لكنها ترى أن قادة الثورة الذين اجتازوا أربعة عقود من التحديات الصعبة لم يعودوا قادرين على التلويح بورقة تهديدات ترامب من أجل الإبقاء على وحدة الشعب.