مع زيادة الحديث عن إمكانية عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من منصبه، فإنه من المفيد أن نعرف كيفية إجراء تلك الخطوة في المنظومة السياسية الأمريكية.
بشكل عام، من الممكن عزل أي شخص يشغل وظيفة عامة في الولايات المتحدة، سواء على مستوى الولاية أو على المستوى الفيدرالي بسلسلة إجراءات معينة .
الدستور الأمريكي في المادة الثانية- المقطع الرابع، ينص على أن الرئيس ونائبه وأي موظف أمريكي على المستوى الفيدرالي يمكن عزله بتهم الخيانة، أو الرشوة، أو الجرائم الكبرى، وهو ما يعني أن التهم التي تتيح عزل موظف فيدرالي أو قاضٍ من منصبه يجب أن تكون من العيار الثقيل.
وتتم إجراءات العزل على مرحلتين: الأولى في الغرفة الأدنى من الكونجرس (مجلس النواب على المستوى الفيدرالي)، وفي هذه المرحلة يجري توجيه الاتهامات، ثم التصويت على اتهام الموظف بها. ويحتاج تمرير الاتهام لأغلبية بسيطة؛ أي نصف أعضاء مجلس النواب زائد واحد. المرحلة الثانية تجري في الغرفة الأعلى للبرلمان (مجلس الشيوخ علي المستوي الفيدرالي)، وفي هذه المرحلة تتم محاكمة الموظف العام أمام مجلس الشيوخ، وينتهي الأمر بالتصويت علي إدانته. الإدانة هذه المرة تحتاج إلى أغلبية الثلثين لتمريرها (67 من أصل مائة عضو في مجلس الشيوخ)، فإذا صوت المجلس بالإدانة بأغلبية الثلثين، يُعزل الموظف من منصبه.
هذه الإجراءات تعود إلى المادة الأولي – المقطع الثاني – فقرة 5 من الدستور الأمريكي، التي نصت على منح سلطة توجيه الاتهامات للموظف العام والتصويت على توجيهها له لمجلس النواب حصرًا، ليصبح مناظرًا لسلطة الادعاء العام وهيئة المحلفين في المحاكمات العادية. في المقابل، فإن المادة الاولي من الدستور- المقطع الثالث – فقرة 6، نصت على منح سلطة محاكمة الموظف العام، والتصويت على إدانته من عدمها، وعزله في حالة الإدانة على خلفية الاتهامات التي وجهها له مجلس النواب، كسلطة حصرية لمجلس الشيوخ، بما يناظر سلطة القضاء في المحاكمات العادية.
وكما نرى، فإن هذه الإجراءات ليست سهلة؛ فالأمر يتطلب اتهامات جدية، وتوجيهها للموظف العام في مجلس النواب، ومناقشتها، ثم التصويت بموافقة أغلبية النصف زائد واحد، ثم محاكمة الموظف العام أمام مجلس الشيوخ، وتصويت ثلثي أعضائه على الإدانة لاتخاذ خطوة العزل.
وبالطبع، فإن هذه التعقيدات الدستورية تستهدف تقييد وصول الموظف العام أو عزله من منصبه بغير الطريق المعتاد؛ الانتخاب أو التعيين.
وتزداد صعوبة الأمر بالطبع في مثل هذا النوع من المحاكمة إذا كان المستهدف عزله موظفًا تنفيذيًا رفيع المستوى كالرئيس، وليست محاكمة لقاضٍ أو موظف في السلطة القضائية؛ إذ ان المحاكمة في هذه الحالة سياسية، يحاكم فيها سياسيون سياسيًا مثلهم، وبالتالي فإن قرارهم يتأثر بانحيازاتهم السياسية وبالرأي العام، مما يصعب إمكانية الحصول علي نسبة الثلثين، خصوصًا في دولة يتقاسم فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري السلطة في مجلس الشيوخ والنواب بفارق لا يصل أبدًا للثلثين إلى الثلث.
جدير بالذكر أنه يمكن بإجراءات مشابهة أمام مجلس نواب الولاية ومجلس شيوخها توجيه اتهامات بغرض العزل لحاكم الولاية أو أي موظف عام أو قاض فيها، وفقًا لما ينظمه قانون الولاية، وهو أمر حدث أكثر من ثلاثين مرة في ولايات مختلفة في المائتي عام الماضية .
أما على المستوى الفيدرالي، فمنذ تأسيس الولايات المتحدة، فإنه لم يتم إقرار توجيه الاتهام من مجلس النواب إلا تسعة عشر مرة فقط من قبل، حيث تم توجيه التهم لخمسة عشر قاضيًا، ووزير، وسيناتور، ورئيسين. ومن ضمن هذه الحالات التسعة عشر، انتهت ثماني حالات بالإدانة والعزل في مجلس الشيوخ، وثلاث بالاستقالة قبل تصويت المجلس الشيوخ، الذي برأ سبعة، بينهم الرئيسان، بعد توجيه الاتهام لهما في مجلس النواب.
هذان الرئيسان آندرو جونسون، الذي اتهم عام 1868 بخرق قانون يمنعه من إقالة وزير الحرب إلا بموافقة الكونجرس، لكن مجلس الشيوخ أدانه بأغلبية أقل من الثلثين بصوت واحد فقط، وبالتالي بقي في منصبه .
الثاني هو بيل كلينتون، الذي واجه تهمتي الحنث باليمين وإعاقة العدالة. وكان تصويت مجلس الشيوخ على التهمتين (55 مذنب و45 غير مذنب) في التهمة الأولى، و (50 مذنب، و50 غير مذنب) في الثانية، وبالتالي تمت تبرئته لعدم إدانته بأغلبية الثلثين.
بالتالي، لم يسبق عزل أي رئيس أمريكي من منصبه، رغم بدء الإجراءات بحق اثنين منهما.
أما الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، فقد استقال من منصبه في أغسطس 1974، قبل أن تبدأ إجراءات توجيه الاتهام له في مجلس النواب أساسًا، لهذا لم نُشر له هنا.
يمكنكم كذلك زيارة هذا الرابط للوصول إلى ملف كامل حول الأزمة التي يواجهها الرئيس الأمريكي.