يشكل سكان الشرق الأوسط، الذين يبلغ عددهم نحو 585 مليون نسمة، نحو 7.7% من سكان العالم. من المتوقع أن تزيد نسبتهم إلى 9% عام 2050. السِمة الرئيسية للمُجتمعات الشرق أوسطية أنهما مجتمعاتٌ شابة. 60% من سكانها تقل أعمارُهم عن 30 عاماً. أي أن نحو ثلثي السكان من الشباب، بل إن ثلث السكان تقع أعماره ما بين 15 و29 سنة. معنى ذلك أن لدى سكان الشرق الأوسط “نافذة ديموغرافية” لن تظل مفتوحة للأبد ويتعين اغتنامها اليوم، قبل أن تُغلق كما حدث وأُغلقت في مجتمعاتٍ كانت شابة ثم اتجهت إلى الشيخوخة، كما الحال مع الصين مثلاً التي وظفت فترة فتوة وشباب المجتمع في تحقيق النمو السريع.
مجتمعات الشيخوخة لديها مشكلاتها الضاغطة. هي مجتمعاتٌ تتزايد فيها معدلات الإعالة. تظهر هذه المشكلة بوضوح في الكثير من دول العالم المتقدم، خاصة في أوروبا واليابان، حيث يتجه الهرم السكاني إلى الشيخوخة. الشباب في هذه المجتمعات يجدون أنفسهم مضطرين لإعالة أعداد أكبر ممن هم خارج قوة العمل من المسنين. يخلق هذا الوضع حالة من التوتر الاجتماعي لا شك أنها ستفرض نفسها على الساحة السياسية بقوة إن لم تُسارع هذه المُجتمعات باجتراح الحلول التي تُخفف من وطأة الظاهرة.
اقرأ أيضا: أزمة تعليم بالعربية أم أزمة مصرية مع الهوية؟
في المجتمعات الشابة مُشكلاتٌ من نوعية أخرى. العدد الكبير من الشباب يُفرز حالة سياسية غير مستقرة. الشباب هو سن التحقق الذاتي والشعور بإمكانية تغيير المجتمع. هي الفترة التي يستطيع المرء أن يمنح فيها ذاته كُلياً لغاية سياسية أو مبدأ أيديولوجي أو مثل أعلى مُرتجى، في الدنيا أو الآخرة!..في غياب قنوات التعبير والتغيير السياسي تتفاقم الأزمة، خاصة إن صاحبها ارتفاع في معدلات البطالة وانخفاض في التشغيل. البطالة بين الشباب هي الأعلى في المنطقة العربية، خاصة في فئة الشباب المُتعلم بين 20 و29 سنة.
الشباب هو أيضاً المرحلة العمرية التي يكون فيها المرء أكثر ميلاً للعنف، وأشد قدرة على ممارسته. المجتمعات الشابة هي بطبيعتها أكثر عرضة للانزلاق إلى دوامة العنف المجتمعي. ليس صدفة أن أغلب النزاعات الدموية في عالم اليوم تدور رحاها في مجتمعات شابة، وبالتحديد في الشرق الأوسط وأفريقيا. في المنطقة العربية 100 مليون شاب بين 15 و29 سنة. هؤلاء هم وقود كل حركات العنف الديني والسياسي التي صبغت مستقبل المنطقة بلونٍ أحمر قانٍ.
والحال أن التحدي الديموغرافي هو أخطر ما يواجه الشرق الأوسط. بل إن انتفاضات وهبات الربيع العربي هي، في أحد تجلياتها على الأقل، محصلة لغضب شبابي عارم على أوضاع المجتمعات العربية، وعلى أوضاع الشباب بالتحديد داخل هذه المجتمعات. من اللافت أن أول المصطلحات التي تم اجتراحها لوصف انتفاضة 2011 في مصر كان “ثورة الشباب”، وهو التعبير الذي استخدمه مدير المخابرات المصرية “عمر سليمان” في وصف الهبة في أول أيامها، ويظل -في واقع الأمر- الأكثر تعبيراً عن طبيعة هذه الهبة وشخصيتها المميزة.
انتفاضات الربيع العربي تنوعت في أسبابها ومآلاتها، ولكن المشترك بينها كان هذا المكون الشبابي البارز. هي تنتمي، في أحد أوجهها، إلى عالم انتفاضات 1968 الشبابية (التي أحيا العالم ذكراها الخمسين في شهر مايو). هذه الأخيرة كانت إفرازاً لانفجار في المواليد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، صاحبه توسع في التعليم، خاصة الجامعي. عندما تتسع الهوة بين الأجيال، وتصل الأمور بينهم إلى حالة من الإلغاء المتبادل والرفض الكامل.. يصبح المسرح مهيئاً للانفجار.
الحرب بين الأجيال تظل الأخطر على الإطلاق من زاوية تأثيرها على الحركة الطبيعية للمجتمع. بل إن خطورتها ربما تفوق الانقسامات الاجتماعية الأخرى، على أسس طبقية أو عرقية أو دينية. ذلك أن حرب الأجيال تجعل المجتمع كله يعيش على صفيح ساخن، وعُرضة للانفجار أو العنف السياسي. وهي إلى ذلك تعوق حركته الطبيعية التي تحتاج إلى انتقال الخبرات من جانب، والتجديد والتطور من جانب آخر.
يحتاج الشباب في الشرق الأوسط إلى “عقد اجتماعي” جديد يمنحهم صوتاً مؤثراً في الاقتصاد والسياسة وحركة المجتمع. ربما كان ذلك هو الدرس الأهم من انتفاضات الربيع التي انقلبت آلاماً وحسرات.. يُكابدها الشباب قبل غيرهم!