غوستاف لوبون هو طبيب بالإضافة لكونه أحد مؤرخي فرنسا العظماء، تجول في أنحاء الكرة الأرضية تقريبًا فكان يعمل في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وله العديد من الكتب والمؤلفات في عدة علوم، مثل: الآثار والانثروبولوجيا.
كما كان له اهتمام واضح بكافة الحضارات الشرقية وكل ما يتعلق بها، ومن أكثر ما يميز غوستاف عن غيره من الفلاسفة والمؤرخين الغربيين هو إعجابه الشديد بالحضارات العربية والإسلامية واعترافه بفضلها الكبير على أوروبا والعالم الغربي.
كان غوستاف لوبون واحد من أهم الشخصيات في عصره، التي يجتمع عليها الجميع، فهو لم يكتف بكونه طبيبا فقط.
بل كان واحد من أهم الفلاسفة والكتاب والمؤرخين المتميزين بشكل كبير، وكان له جماهيرية كبيرة وشعبية واسعة من أرقي الشخصيات.
عندما يذكر اسم لوبون فقط؛ يمتلئ الصالون الثقافي الخاص به والذي يقيمه كل أسبوع بالكثير من الشخصيات الكبيرة والمرموقة في المجتمع آنذاك.
كانت جولاته في أورويا وآسيا وأفريقيا لها دور كبير ومؤثر في ثقافته وكتبه والعديد من مؤلفاته التي استقاها من حضارات هذه الشعوب المختلفة.
ولد غوستاف لوبون في إحدى مقاطعات دولة فرنسا وهي (نوجينت لو روترو)، وذلك في السابع من شهر مايو لعام 1841م.
ونشأ في هذه المدينة مع أبويه السيد جان ماري تشارلز لوبون، والسيدة أنيت جوزفين يوجينيك.
تلقى تعليمه في إحدى المدارس الابتدائية الموجودة في المدينة آنذاك وهي مدرسة (Lycee de tours).
وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق غوستاف بكلية الطب وجصل على شهادة الطب منها سنة 1866م، وبدأ في ممارسة مهنة الطب.
كان غوستاف لوبون شغوف بالعلم وحضارات الشعوب، وقرر في الفترة الواقعة بين عام 1870م إلى عام 1880م القيام بجولة في أفريقيا وأوروبا وآسيا، للتعرف على حياة هذه الشعوب وثقافتهم.
وفي خلال هذه الفترة كان غوستاف يكتب عن كل مكان يقوم بزيارته، وتم تجميعهم في مؤلف الأسفار بعنوان (الرحلات)، وكان يتحدث فيه عن شعوب هذه الأماكن والتجارب التي خاضها.
كما قام باختراع جهاز بسيط وهو جهاز علمي، حصل من خلاله على بعض الأموال خلال هذه الرحلة التي أمتدت إلي عشر سنوات.
وفي سنة 1884م تم تكليفه من قبل دولة فرنسا لكي يقوم بعمل دراسة شاملة عن الآثار البوذية، فقرر غوستاف الذهاب إلى الهند فور عودته مباشرة من معرض الانثروبولوجيا.
وقام بتأليف كتاب بعنوان (سيكولوجية الجماهير) الذي تم إصداره في سنة 1884م، وكان هذا الكتاب هو البداية التي جعلت غوستاف أحد مؤسسين (علم النفس الاجتماعي).
من المعروف للجميع خاصة فيما يتعلق بالفلاسفة والمؤرخين الغربيين، تطرفهم الشديد تجاه كل ما هو إسلامي، وعدم اعترافهم بالحضارة الإسلامية.
أما فيما يتعلق بغوستاف لوبون فقد كسر هذه القاعدة، فكان مشتهر في عصره بنصرته للحضارة الإسلامية والحضارة العربية.
فلم ينكر فضل الإسلام والمسلمين على أوروبا كما يفعل العديد من المؤرخين والفلاسفة.
والجدير بالذكر إنه لم يكتفي بالدفاع عن الإسلام فقط، بل كان يثبت فضله عليهم، وبذل في ذلك جهودا عظيمة.
فكان يذهب في جولات للعالم الإسلامي للتعرف على حضارتهم وثقافتهم عن قرب، لشدة إعجابه بها.
وكان دائما يقول إن المسلمين والإسلام هم السبب في التحضر والتمدن الذي تعيشه أوروبا في الوقت الحالي.
وقام بتأليف كتاب بعنوان (حضارة العرب) وذلك في عام 1884م، لكي يقوم بإظهار الحضارة الإسلامية عن قرب، وتعريف العالم جميعا بها.
قام غوستاف لوبون بكتابة أحد المصنفات الضخمة التي تحدث فيها عن اليهود باستفاضة، وقال رأيه فيهم بكل صراحة تحت عنوان (اليهود في تاريخ الحضارات الأولى).
وكان غوستاف يصف بإنهم أفاكين وبدويين، يسفكون الدماء، مندفعين ومتسرعين ومجرمين بوحشية شديدة في الخصام.
لديهم عيون تائهة، وخيال رخيص، مثلهم مثل الأنعام التي يركبونها في الكسل، وعدم العمل والجهد.
وتحدث عنهم حينما دخلوا إلى فلسطين الجريحة ليحتلوها، وهم قوم من البدو الغير منحضر.
وفجأة وجدوا أنفسهم وسط شعوب متحضرة ومتمدنة، فما كان منهم إلاأن يفعلوا مثل أصحابالأصول الدنبا.
فلم يأخذوا من هذه البلاد أي مظهر من مظاهر الحضارة والتمدن، بل أخذوا منهم فقط كل ما هو سئ، وعادات وخرافات ودعارة.
لم يكن غوستاف لوبون محبا للحضارة العربية والإسلامية كحضارة وحسب، بل تجلى إعجابه الشديد في الدين الإسلامي وما جاء به، في رأيه الصريح عن المرأة.
فهو يناصر الإسلام عن الديانات الأخرى في رأيه عن المرأة، فيقول غوستاف فيما يتعلق بالمرأة.
الأشخاص الشرقيون ينظرون إلي الذين يطالبون المرأة بالعمل خارج المنزل وهي مكرهة على ذلك، مثل شخص لديه حصان أصيل لا يعرف قيمته يجعله يعمل عمل حمار ويجر عربة.
فالمرأة عند الشرقيين والمسلمين خلقت لتكون معززة مكرمة ببيتها، لأطفالها وزوجها وعائلتها فقط.
ويري غوستاف إن هذا هو الصواب، ويقول إن الدين الإسلامي عمل على رفع مكانة المرأة.
من أشهر مؤلفات غوستاف ما يلي:
كان له كتاب عن (حضارة العرب) والذي نشر عام 1884م.
روح الجماعات.
كتاب روح الثورة الفرنسية وروح الثورات.
فلسفة التاريخ
حياة الحقائق.
حضارات الهند.
سيكولوجية الجماهير.
روح التربية
السنن النفسية المتعلقة بتطور الأمم.
روح السياسة.
روح الاشتراكية.
اليهود بالنسبة لتاريخ الحضارات.
تطور المواد.
ومن أشهر الأقوال الخاصة بوغستاف لوبون ما يلي:
العمل هو الدليل على أخلاق الإنسان وعقله.
لم يشهد التاريخ فاتح للدول أعظم وأرحم من العرب، فهم كانوا الأكثر تسامحا على مر العصور.
من يستطيع التأثير على خيال الجمهور يملك مفاتيح حكمهم.
أحدث الأشياء التي قامت الفلسفة بالتوصل إليها إلى الآن إن العقل غير قادر ولا يستطيع فهم ومعرفة كافة أسرار الكون.
إذا كانت مقولة إن أي شيء لا يستطيع العقل استيعابه أو إدراكه صحيحة، فكل إنسان في هذه البشرية في معجزة مستمرة بشكل يومي.
إذا اكتسب الإنسان المعرفة والعلم ولم يكن له قدرة على استخدامهم، فهو مشروع متمرد.
التشدد برأي معين يتفوق على التسامح في هذا الرأي، لأن التشدد دائما ما يكون نابع من منظور وحكم ديني أو عاطفة، وأما التسامح فهو ناتج من العقل.
السر في الدفاع عن المساواه باستماتة شديدة وضراوة، هو رغبته في مساواه من هو أعلى منه ومتفوق عليه.
لا يوجد أي شعب على وجه الأرض عاطل من الذوق الفني والإحساس سوي اليهود فقط.
بعد مشوار طويل مع العلم والتعلم، والحضارات الأوروبية والشرقية والإسلامية وغيرها، وبعد مجلدات كثيرة تبين عظمة الإسلام ودوره في الحضارة الأوروبية.
توفي المؤرخ الكبير والطبيب البارع غوستاف لوبون في الثالث عشر من شهر ديسمبر لسنة 1931م عن عمر يناهز تسعين عام.
وتوفي في فرنسا بمدينة مارنيه لاكوكيه، وتم دفنه في مقبرة (بير لاشيز).
حصل غوستاف لوبون في عام 1929م على وسام (جوقة الشرف) من خلال رتبة أكبر ضابط.
نسخة للطباعة