“قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها

“قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها

26 Jun 2018

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قلب أمه.. من السهل الادعاء بأن السينما المصرية هي سينما الكوميديا؛ فهي بمثابة الصنف المميز أو الـsignature، لو اعتبرنا أن لكل سينما في العالم الصنف الخاص بها.

ابنة البيئة واللغة

للكوميديا في السينما المصرية امتداد تاريخي منذ أفلام الأبيض والأسود، فالمصريون يدينون لـ “إيفيه” من فيلم لـ “فطين عبد الوهاب” أكثر بكثير من كامل تراث مخرجين من أصحاب الأعمال الجادة.

لهذا الميل نحو الكوميديا المصرية عدة تفسيرات:

  • أننا نتشارك المرجع الذي تأتي منه النكات، فالكوميديا ابنة البيئة واللغة.
  • غزارة الإنتاج الكوميدي.

القاعدة تقول إن نسبة الجيد من الإجمالي لا تزيد عن 20%، ما يعني أن الكوميديا يمكن أن تفرز عددًا كبيرًا من الأفلام الجيدة لو  عرفنا أنها تحتل 50% من إجمالي الإنتاج السينمائي المصري.

اقرأ أيضا: خمسون عاما على الفيلم الذي غير مصير السينما الأميركية.. THE GRADUATE

لكن هناك مشكلة، ففي العام 2017 أنتجت السينما المصرية ما يزيد عن 40 فيلمًا، 23 منها تنتمي للكوميديا، بما يزيد عن نصف إجمالي الإنتاج.

رغم ذلك، من الصعب تسمية خمسة أفلام كوميدية وصل مستواها لدرجة الجيد. نفس الأمر ينطبق على العام الأسبق، وربما على مدار هذا العقد.

“تلك الندرة في نسبة الأفلام الكوميدية الجيدة تجعلنا نبتهج حين نرى فيلمًا استطاع أن يكسر هذه الحالة، ويقدم مستوى يفوق الجيد، وهو ما فعله فيلم “قلب أمه“.

                                

عوامل تسببت في كبوة سينما الكوميديا مؤخرا:

– المؤلف في غياب الكاريزما

لم يعد هناك نجوم يتمتعون بالكاريزما الكوميدية التي كانت لدى نجوم الجيل السابق، فمعظمهم شباب صاعد، وموهوب، ومجتهد، أفرزته برامج التلفزيون الكوميدية مثل “مسرح مصر”. أو “SNL بالعربي” وغيرها.

هؤلاء الشباب يفتقدون الكاريزما التي تجعل من أحدهم بطلًا مطلقًا، ما أنتج ظاهرة البطولات الجماعية، ليقع العبء الأكبر على عاتق المؤلفين، وهي مهمة في غاية الصعوبة.

– الفئة المستهدفة

اختيار الفئة المستهدفة كان واحدا من التحديات الأولى لدى كُتاب الكوميديا في الغرب؛ فالانفتاح الثقافي قسم الناس لشرائح عدة، ما وضع المؤلف في مأزق: هل يخاطب بنكاته الليبراليين أم المحافظين؟ النساء أم الرجال؟ الشباب أم الكبار؟

أما لدينا فالوضع كان مختلفا، فقبل عصر “السوشيال ميديا” كان الجمهور متشابها، يقرأ نفس الجرائد ويشاهد نفس القنوات فيما تختفي الفروقات بينهم.

فالطامة الكبرى تأتي عبر “السوشيال ميديا”، التي عمقت مفهوم الجزر المنعزلة.

في الماضي كانت المعادلة “أنت ما تأكله”.. الآن باتت “أنت ما تتابعه على السوشيال ميديا”.

– ثقافة الميم والكوميكس

خلفت “السوشيال ميديا” عوائق جديدة عبر ثقافة الميم والكوميكس، التي جعلت الضحك متاحا وللجميع وبالجميع، وبكثافة وبطرق تزيد في براعتها يوميًا.

بهذه المستجدات، أصبح التحدي أمام صناع السينما الكوميدية يتمثل في إيجاد وسيلة لإضحاك شخص يصاب بتخمة من الضحك بمجرد التقليب في هاتفه.

المنافسة ليست عادلة على مستوى الكمّ، والكيف كذلك، فالكوميكس تتمتع بهامش حرية أعلى يتيح لها تناول كل الموضوعات وبلا رقابة.

قلب أمه.. فكرة “مهروسة”

في “قلب أمه”، يأتي تامر إبراهيم  بفكرة لا تبدو جديدة للوهلة الأولى.. تبديل أعضاء الجسم بين شخصيتين فكرة طالعناها عدة مرات بتنويعاتها في أفلام Shattered و Face Offو”اللي بالي بالك” و”جري الوحوش”، مع الفوارق.

هذه المرة، عملية جراحية طارئة يتم خلالها نقل قلب امرأة ستينياتية ماتت إكلينيكيًا إلى جسد رجل عصابات من المفترض أن يكون بلا قلب، فكيف سيتصرف هذا الوحش الآدمي عندما يرى الأمور بعاطفة أم حنونة؟!

القلب فسيولوجيًا مجرد مضخة للدماء لا علاقة له بالمشاعر، لكننا سنتغاضى عن المغالطة الفسيولوجية تلك، بالنظر لطبيعة الفيلم الكوميدية، ولقيامه أساسًا على المقولة الشعبية “قلب الأم”.

يقول جورج برنارد شاو .. “إذا كان الشيء مضحكا، فابحث في داخله عن حقيقة مخبأة”. وما جعل الضحك في هذا الفيلم ذا قيمة أن وراءه حقيقة في غاية العذوبة.

الحقيقة المخبأة.. الجوهر الحميمي

الفكرة نظريًا ليست شديدة الابتكار، لكن شيئًا أصيلًا يجبرنا على المتابعة.. التناول الأكثر ابتكارًا على الإطلاق لمفهوم الأمومة.

الفكرة رغم هزليتها الصارخة حملت في داخلها جوهرًا شديد الحميمية. ليس ذلك وحسب، بل وفازت بالتحدي أمام عائق الجمهور المستهدف والمرجع المشترك. هنا يمكن للمرجع أن يضم أكبر شريحة ممكنة؛ فـ “الأم” لا خلاف عليها.

شيكو.. كلاكيت ثالث مرة

لم تكن المرة الأولى التي يقدم فيها “شيكو” دور الرجل ذي الطبيعة النسائية. فعلها في فيلم “بنات العم” ومسلسل “خلصانة بشياكة”، وفي الثلاث مرات كان مقنعًا.

قد يستسهل البعض إطلاق الأحكام ليقول أنه يكرر نفسه، لكن الحقيقة أن مؤشر التعبير عن موهبته في صعود مستمر.

موهبة شيكو تفجّرت تمامًا مع هذا الفيلم؛ لدرجة تجعلنا نضعه جنبًا إلى جنب مع أساطير الكوميديا، الذين أجادوا في الأدوار النسائية مثل “عبد المنعم إبراهيم” و”سمير غانم” و”محمد هنيدي”.

يجب أن نضع في الاعتبار أن المهمة كانت دائمًا أصعب على شيكو، فهو يقنعنا بأنوثته رغم ظهوره بهيئة الرجل.

بجانب تلك التفصيلة، فقد قدم الرجل أداءً مذهلًا في هذا الفيلم، يجعله الفائز الأكبر من التجربة التي تمثل شهادة ميلاد فنية جديدة له.

ميم السوشيال ميديا إلى السينما

“قلب أمه” استوعب ظاهرة الميم جيدًا، ويمكن القول أن الفيلم ابن شرعي للسوشيال ميديا، لا ننسى أن كليشيهات الأمهات، وجمل مثل “خد الزبالة معاك” و”اعدل الشبشب”، وغيرها كانت “تريند” في منشورات الكوميكس.

الفيلم يستوعب كذلك الفارق بين الوسيطين، ويقدم “التريند” في بناء درامي مُحكم، بفضل المخرج عمرو صلاح، في أول تجربة إخراج سينمائي له بعد أن عمل مونتيرًا في أفلام متميزة أثقلته بالحسّ الإيقاعي.

لا ننسى في النهاية أنه فيلم موجه لجمهور مصري عربي، لذا فهو لا يخلو من كل سقطات الكوميديا عندنا، مثل الإضحاك عبر التلاعب بالألفاظ، أو استخدام النكات الذكورية والهوموفوبيك لدرجة أن البطل في أحد المشاهد يقول بما معناه أن المثليين هم من يسمعون فريق “مشروع ليلى“!

على الجانب الآخر، يقدم الفيلم ضمنيًا مفهوم الرومانسية بين رجلين -نعلم بالطبع أن أحدهما ليس رجلًا بالمعنى الكلّي- لكنهما لا يخجلان من تبادل مشاعر حميمية بريئة، وهو أمر شجاع يسقط العقد الذكورية التي بُني عليها الفيلم في بدايته وفي بعض نكاته.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك