اللافت أن المرض لم ينشأ في إسبانيا، بل سُمي بهذا الاسم بسبب التغطية التي خصصتها وسائل الإعلام الإسبانية للوباء نتيجة لتحررها النسبي في ذلك الوقت مقارنةً ببقية دول أوروبا التي كانت منشغلة في المعارك.
إسبانيا لم تكن جزءًا من الحرب العالمية الأولى، وبالتالي لم تكن هناك رقابة صارمة على وسائل الإعلام.
الإسبان أنفسهم أطلقوا على الوباء اسم الإنفلونزا الفرنسية.
لا يعرف بالتحديد الموقع الجغرافي لظهور الوباء، فالمراجع التاريخية اختلفت في هذه النقطة وأوردت عدة احتمالات:
الاحتمالية الأولى: أن المرض تفشى بين الجنود الأمريكيين في معسكر فونستون في مقاطعة هاسكل بولاية كنساس في مارس 1918.
الاحتمالية الثانية: أن الوباء منبعه في الأصل الشرق الأقصى وبالتحديد الصين، وأن انتقاله إلى أوروبا جاء نتيجة لتوافد عشرات الآلاف من العمال الذين أرسلوا لمساعدة فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى.
الاحتمالية الثالثة: أن الوباء ظهر للمرة الأولى في أوروبا وبالتحديد في عام 1917، فبعض الدراسات قالت إنه ظهر في مستشفى فرنسية، ودراسات أخرى قالت إنه ظهر في مستشفى بالنمسا.
بغض النظر عن منشأ الفيروس، فإن أحد العوامل التي جعلت الإنفلونزا الإسبانية من أشد الفيروسات فتكًا، هو تمكنها من قلب الدفاعات الطبيعية للجسم ضده، حيث أطلقت تأثيرًا سُمي لاحقًا باسم "العاصفة الخلوية"، ففي الوقت الذي من المفترض أن تصبح فيه خلايا الدم البيضاء حاجزًا لحماية الجسم، حدث العكس.
الفيروس لم يكن قادرًا على التكاثر بسرعة فحسب، بل أيضًا كان يستحث الجسم على إبداء استجابة مناعية مفرطة، أُطلق عليها "متلازمة إفراز السيتوكين" أو "عاصفة السيتوكين"، و"السيتوكين" عبارة عن الخلايا المناعية والجزيئات التي تنظم الاستجابة المناعية للجسم، والتي من المفترض أن تساعدنا على مكافحة العدوى، لكن الإفراز المفرط لهذه الخلايا قد يؤدي إلى تأثير عكسي يتسبب في حدوث التهابات حادة وتجمع السوائل في الرئتين، مما يزيد احتمالات الإصابة بعدوى بكتيرية ثانوية، مثل الالتهاب الرئوي الثانوي.
وبالاستناد إلى هذا السبب، لم يكن مستغربًا أن أغلب ضحايا الإنفلونزا الإسبانية كانوا من الشباب الأصحاء الذين تراوحت أعمارهم ما بين 20 إلى 40 عامًا، وذلك بسبب أن أجهزتهم المناعية القوية، التي عادةً ما تساعدهم على التخلص من الأمراض، كانت سببًا في حدوث متلازمة إفراز السيتوكين.
في نهاية المطاف، يعتقد العلماء أن ظروف الحرب العالمية الأولى، ساعدت على انتشار الوباء سريعًا في شتى دول العالم، خاصة بعد عودة الملايين من الجنود المشاركين في الحرب إلى بلادهم، بالإضافة إلى العيش في ظروف غير صحية.
السلطات الطبية في ذلك الوقت أيضًا لم يكن لديها الكثير لتفعله، لأنه -وببساطة- لم تكن هناك لقاحات لمكافحة الفيروس، ولم يكن للبنسلين دور في السيطرة على الالتهابات البكتيرية الثانوية، كما أن إعطاء المريض الإسبرين كان يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان، لذا فكل ما كان بوسع السلطات فعله، هو تنفيذ تدابير لمنع انتقال العدوى، كعزل الأشخاص المصابين، وتقييد التجمعات العامة، وتشجيع المواطنين على الاهتمام بالنظافة.
كل هذه العوامل، بالإضافة إلى طرق الدفن غير الصحيحة، تسببت في انتشار المرض، وتحوله إلى وباء حصد أرواح الملايين، فعلى سبيل المثال؛ فقدت الهند ما يقارب 5% من سكانها أي ما يعادل 17 مليون شخص، كما انتقل الوباء إلى العديد من الجزر في المحيط الهادئ، تسبب في بعض الأحيان إلى نسب وفيات بلغت 20% من إجمالي سكان هذه الجزر.