تمثل تجربة إنقاذ حيوان الخرتيت المهدد بالانقراض واحدة من التجارب المثيرة والكاشفة؛ فالدول التي لجأت لنظام الخصخصة في حماية الحياة البرية تمكنت من إنقاذ الخرتيت الأبيض، الذي بلغ تعداده في بدايات القرن العشرين قرابة الـ 100 حيوان، ليصل لأكثر من 21 ألف حيوان تعيش في جنوب أفريقيا، بينما تضاءلت فصيلة الخرتيت الأسود التي تعيش في دول أخرى فرضت بأنظمة حمائية، وتراجعت أعدادها من قرابة الـ 100 ألف في الستينيات من القرن العشرين لتصل لقرابة خمسة آلاف حاليًا.
سنة 1968، أصدر الفيلسوف وعالم البيئة الأمريكي جاريت هاردن مقاله عن “الاستهلاك الجائر للموارد المشتركة”، أو ما أطلق عليه مصطلح “مأساة المشاعات“، حيث يتم استنفاذ الموارد المشتركة بصورة كبيرة نتيجة الاستخدام الجائر، فكل مستهلك يسعى لتحقيق أقصى استفادة له، بغض النظر عن الحفاظ على المورد المشترك، نتيجة غياب حقوق الملكية.
الأمثلة على ذلك كثيرة، من الرعي أو الصيد الجائر، حيث يقوم الرعاة أو الصيادون باستنفاد مناطق الرعي أو الصيد بصورة كبيرة، نظرًا لأنها متروكة على المشاع للجميع، دون تحديد ملكية لها.
وللتغلب على تلك المشكلة، عادة ما يكون هناك اتجاهين: الأول هو وضع المورد المشترك تحت إدارة وملكية الدولة، واستخدام ما يلزم من السلطة للحفاظ عليه، والاتجاه الآخر هو خصخصة المورد.
كأحد حالات مأساة المشاعات، حدث انخفاض كبير في أعداد الحيوانات البرية في أفريقيا، وخاصة الأفيال والخراتيت، نتيجة الصيد والتوسع الزراعي في أراضي الغابات في سبعينيات القرن العشرين.
فبالنسبة للسكان الأصليين، تبقى الحيوانات البرية مصدر تهديد لحياتهم ولممتلكاتهم، كما أنها لاتعود عليهم بالنفع الكبير، إلا في حالة صيدها وبيع الجلود والعاج، أو استعمال أراضي الغابات للزراعة.
في نهاية السبعينيات، اتخذت الدول الأفريقية توجهين مختلفين: الأول متعلق بتجريم صيد الأفيال ومنع الإتجار فيها وفي العاج، ووضعها تحت حماية الحكومة، وهو ما قامت به كينيا.
خلق المنع ندرة في المعروض من الحيوانات وعاجها، مما ضاعف سعرها مرات عديدة، وخلق سوقًا سوداء مزدهرة، كانت من آثارها تشجيع الصيد غير القانوني، حيث فاقت الأرباح الناجمة عن النشاط غير القانوني مخاطر وعواقب مخالفة القانون، فكلما تشددت الدولة في المنع أو أحبطت عمليات تهريب، ازداد ربح باقي المهربين، ومكنهم من رشوة الموظفين المسؤولين عن حماية تلك الحيوانات.
بالإضافة إلى ذلك، كلما قل عدد الأفيال كلما قل تهديدها للمزارعين ومحاصيلهم، وخلق مساحات جديدة يستطيعون استزراعها. ومن ثم، فالمجتمعات المحلية لم تر أي فائدة من الحفاظ على الأفيال، بل العكس. والنتيجة أن عدد الأفيال الأفريقية في كينيا تضاءلت سنة 1994 إلى قرابة 25 ألف فيل بدلًا من 130 ألفًا سنة 1970.
وعلى النقيض، لجأت بتسوانا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا إلى “خصخصة” الأفيال، ومنحت حقوق ملكية الحيوانات البرية للمواطنين، مما خلق حافزًا للسكان المحليين للحفاظ على تلك الحيوانات وتنميتها لأغراض السياحة والصيد المقنن، وهو ما يحقق لهم أرباحًا أكبر من الزراعة. وتم القضاء على الصيد الجائر والسوق السوداء، واستبدالها بسوق شرعية، فتعدى عدد الأفيال في بتسوانا 80 الفًا سنة 1994، مقارنة بـ 20 ألفًا سنة 1981. وفي زيمبابوي، تعدى الرقم 81 ألفًا مقارنة بـ 30 ألفًا سنة 1978. وفي التسعينيات، بدأ اصحاب المزارع بالاشتراك سويًا في ضم أراضيهم، وتحويلها لمحميات خاصة للحياة البرية، وأصبح بعضها يبلغ 850 ألف فدان.
في ناميبيا، أصبح المصدر الرئيسي لتمويل الحفاظ على الحياة البرية هي عائدات سياحة الصيد. وفي 2013، بلغ عائدات الصيد المقنن في جنوب أفريقيا 73.5 مليون دولار.
اقرأ أيضًا: ساندي سبرينجز.. قصة مدينة خصخصت نفسها
ولتتضح الصورة أكثر حول تسبب السياسات الحمائية والمنع في ضرر بالغ على عكس ما تبدو عليه، فمع تجريم تجارة قرون الخرتيت، ارتفع سعر الكيلوجرام الواحد منه ليصل إلى 60 ألف دولار، أدى هذا إلى ازدياد الصيد الجائر للحيوان، فترتفع أعداد الحيوانات التي تم اصطيادها بصورة غير قانونية لتتجاوز الألف حيوان في 2017 من أصل 21 ألفًا هو إجمالي الحيوانات الباقية، بعد أن كانت 13 حالة فقط في 2007. وعلى إثر هذا، فقد تم الإعلان عن التراجع في قرار تجريم الاتجار في قرن الخرتيت.
هكذا إذًا نرى أن الخصخصة وحماية حقوق الملكية تستطيع إنقاذ الكوكب، والحفاظ على البيئة، على عكس السياسات الحمائية وسياسات المنع التي تؤدي في الواقع لتدمير البيئة، حتى وإن بدت غير ذلك.