تواترت أنباء عن تجميد أرصدة عائلة كبيرة في لبنان، تعمل في نشاطات إجرامية. وقبلها أنباء القبض على أفراد على صلة بحزب الله يديرون شبكات اتجار بالمخدرات في أمريكا اللاتينية. والظاهر هنا أن لبنان في طريقه لكي يقترن اسمه بالإجرام المنظم العابر للحدود، كما اقترن الاسم سابقًا بصقلية، حيث المافيا الإيطالية.
حين يتحدث الناس عن المافيا يتبادر إلى ذهنهم الإجرام. ربما ينسون أن الموضوع بدأ في إطار سعي عائلات إلى الدفاع عن مصالحها في زمن تطورت فيه الأنشطة الاقتصادية إلى أنشطة جديدة، لم تكن تملك مهاراتها. فتحولت إلى الجريمة المنظمة.
وحين يتحدث الناس عن الفرق الإجرامية في أمريكا اللاتينية، مثل “فارك“، يتناسون أنها بدأت كجماعات يسارية ترفع شعارات أيديولوجية، وتقدم نفسها نصيرًا للمهمشين، ثم صارت عصابات إجرامية صرف، تختطف وتتاجر في المخدرات.
تنشأ الحركة تحت شعار يضم إليها أتباعًا، وعصبية تحميها، ومجتمع يتغاضى عنها، ثم تتحول إلى وحش يلتهم كل ما حوله ويأكله ويشربه، وإلا مات.
لم نسمع عن وحش استيقظ ضميره وهو يواجه سؤال الموت والحياة، فقال سأضحي بنفسي من أجل الآخرين. فما بالك والآخرون، المقربون منه، هم أنفسهم مستفيدون مما يحصل عليه الوحش، وهو يوزع عليهم من خيراته، ويفيض عليهم من حمايته. فتحميه تلك العصبية الانتهازية، أو العائلية، أو الأيديولوجية.
وحزب الله جمع كل هذا. هكذا تفعل الطائفة. فهي عائلة، وهي أيديولوجية. وهي في حالة حزب الله أكثر أنواع الأيديولوجيات قوة، الدين. ليس هذا فحسب، بل الدين القائم على المظلومية وعلى حكايات الاضطهاد والتخويف بالابتلاع. الدين الطائفي الأقلوي.
كما أن المصالح المرتبطة به لا تقتصر على الأفراد المستفيدين منه، بل تصل إلى أعلى المقامات في ثلاث دول على الأقل، منهم دولته نفسها. ناهيك عن ميليشيات في دول أخرى. بهذا المعنى لا تقتصر المصالح على “أكل العيش”، بل تصل إلى النفوذ السياسي في أعلى صوره.
يتمتع حزب الله إذًا بما لم تحلم به مافيا صقلية، ولا العصابات اليسارية في أمريكا اللاتينية. يتمتع بالتأييد السياسي العلني والسري، والتأييد الاجتماعي المتغطرس بالقوة المعجب بها، والمتنعم بالمزايا والشعور بالسؤدد، والذي تجلى في أوضح صوره حين كان خصوم الحزب يتساقطون بقولة “كن”، ومن حول الحزب من جمهور ومن مستفيدين يؤيدون ذلك ويوزعون الحلوى ابتهاجًا، بينما الحزب يتحدث عن المؤامرات و”المظلومية”. هذا خليط عجيب.
حزب الله يشد لبنان كله إلى هاوية. حذر منها أكثر من كاتب لبناني عبر عقود.
الحزب الذي بدأ الإعلان عن نفسه بالآية القرآنية: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا” يوشك أن يحقق النبوءة. وإن بتعديل طفيف يبدو فيه أمر التدمير وقد صدر لمؤمنيها، زاهديها، وليس مترفيها. لقد كان لبنان أفضل كثيرًا في كنف هؤلاء المترفين.
الحزب الذي ينسب نفسه إلى الله، لا تعدو قيمه أن تكون قيم الإله القديم “بعل”، الذكر، السيد، المتغلب، القاهر لمن حوله، المستفرد. لم تكن صدفة أن ينشأ الحزب في الأرض التي لا تزال تحمل اسم ذلك الإله، بعلبك. وليس عجيبا أن بعل الذي اندثر واندثرت عبادته لم ينجح في مهمته. فحتى الإله الواحد لا يؤمن به أكثر من في الأرض. أي أرض.