مريض لندن يسجل ثاني حالة في التاريخ تشهد اختفاءً تامًا ومستمرًا لفيروس إتش آي في “HIV” المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” من جسد المريض بعد توقفه عن العلاج.
من ناحية، هذا شفاء بالصدفة، حيث وجد الفريق الطبي ومنه رافيندرا جوبتا أستاذ وعالم الأحياء المتخصص في الفيروس أنه ” “لا يوجد فيروس يمكننا قياسه. لا يمكننا رصد أي شيء”.
ومن ناحية أخرى، يؤكد الأطباء أن حالة مريض لندن إثبات لفكرة أن العلماء سيتمكنون يومًا ما من وضع حد لمرض الإيدز، لكنها لا تعني التوصل إلى علاج للفيروس.
هنا نقدم لك الحقائق الأساسية عن الموضوع من خلال س/ج في دقائق.
طلب المريض المتعافي طلب من فريقه الطبي عدم كشف أية تفاصيل عن هويته، فمنحه الأطباء وصف مريض لندن.
التوصيف يعود لتماثل حالة مريض لندن مع الأمريكي تيموثي براون، وهو الحالة الأولى المعروفة للشفاء وظيفيًا من الإيدز عندما خضع لعلاج مماثل في ألمانيا 2007 وشفي أيضًا من الفيروس، ولُقب بـ “مريض برلين”.
ويؤكد خبراء أن براون لا يزال معافى من الإيدز منذ ذلك الحين.
أصيب مريض لندن بفيروس إتش آي في المسبب لمرض الإيدز في 2003، وخضع للعلاج تحت إشراف جوبتا.
في 2012، تأكد الأطباء من إصابة المريض بأحد أنواع سرطان الدم، قبل أن تتردى حالته بشدة بسبب السرطان بعد 4 سنوات، ليقرر الفريق المعالج البحث عن متبرع متوافق بخلايا جذعية.
“كانت فرصته الأخيرة للبقاء على قيد الحياة”، يقول جوبتا.
عثر الأطباء على متبرع، وخضع مريض لندن لعملية نقل الخلايا الجذعية المستخرجة من نخاع عظم المتبرع، ليكتشفوا بالصدفة أن المتبرع يمتلك حصانة فطرية ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة.
وساعدت عملية زراعة الخلايا الجذعية المكونة للدم من المتبرع للمريض، على تغيير جهاز المناعة لدى الأخير وطورت مقاومته للمرض.
وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من زراعة الخلايا الجذعية، لم تظهر الاختبارات شديدة الحساسية أي أعراض لإصابة مريض لندن بمرض الإيدز بعد 18 شهرًا من سحب العقاقير المضادة للفيروسات من برنامج العلاج.
مع ذلك، يتردد الباحثون في وصف حالة مريض لندن بـ “الشفاء” حتى الآن؛ كون الـ 18 شهرا ربما لا تكون كافية للتأكد.
ولا تزال الأسباب وراء الشفاء أو معرفة كيفية القضاء على الفيروس مجهولة. لكن هذا لا يعني أن الحالة بلا أهمية من الناحية الطبية.
تتمثل أهمية حالة مريض لندن في نجاح الأطباء في تكرار النتائج الذي توصلوا إليها في هذا المجال بعد مريض برلين.
وحتى الآن، كان الباحثون يعتبرون على نطاق واسع شفاء مريض برلين حالة شاذة؛ كونها المرة الوحيدة الموثقة للتعافي من الفيروس المسبب لمرض الأيدز.
وفي الحالتين، كانت الحالة مريضًا مصابًا بفيروس نقص المناعة المكتسبة، يعالج بزراعة الخلايا الجذعية لاستهداف السرطان بالأساس، وليس الإيدز.
مع ذلك، فإن عمليات زرع الخلايا الجذعية في كلتا الحالتين جاءت من متبرعين لديهما طفرة بروتينية تعرف باسم CCR5.
ويلتصق فيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” ببروتين من الخلايا المناعية لاختراق نواتها، لكنه فشل في ذلك مع النسخة المتحورة.
دانييل كوريتزكيز، رئيس قسم الأمراض السارية في مستشفى بريجهام والنساء في بوسطن، والذي لم يشارك في الدراسة، يقول:
أعتقد أن هذا أمر مهم للغاية. إنه يظهر أن مرض برلين ليس مجرد لمرة واحدة، وهذا نهج عقلاني في ظروف محدودة. لم يشك أحد في صحة التقرير مع مريض برلين، لكنه كان مريضًا واحدًا، ولم يكن من الواضح أنه يمكن إعادة إنتاج التجربة
التوسع في استخدام زرع الخلايا الجذعية كمسار قابل للاعتماد عليه لمكافحة فيروس الإيدز يبدو غير عملي ومحفوف بالمخاطر إلى حد كبير، لكنه فتح الباب أمام بعض الباحثين لدراسة إمكانية الاعتماد على تقنيات العلاج الجيني للحث على طفرة CCR5 في الخلايا الجذعية المناعية أو السلفية.
الخيار الأخير يواجه مخاطر كبيرة أيضًا، كونه قد يؤدي لتغيير الجينات الأخرى بطرق ضارة.
ومع تلك المخاطر، لا يتوقع الباحثون امتداد التأثير المحتمل لطفرة CCR5 للعمل بنجاح ضد سلالات فيروس الإيدز التي تستخدم بروتينًا مختلفًا، والمعروف باسم CCR4، لاختراق الخلايا المناعية.
محرر العلوم في موقع أكسيوس أندرو فريدمان يقول إن من الصعب تقييم فعالية العلاج والمضاعفات المحتملة واحتمالات النجاح وغيرها من العوامل، لكن مريض لندن بعد مريض برلين أظهرا علامة استثنائية ومفيدة، زادت قليلًا من واقعية مفهوم العلاج، وإن كان بكثير من الحذر.
ويؤكد جوبتا أن فريقه يعتزم استخدام النتائج لاكتشاف إستراتيجيات جديدة ممكنة لعلاج فيروس إتش آي في.
نجح البحث العلمي في السنوات القليلة الماضية في تطوير توليفة من العقاقير التي تحاول الحد من تأثير الفيروس المسبب لمرض الإيدز عند معظم المرضى، لكنها تؤخذ مدى الحياة؛ كونها لا تقضي على مخزونات الفيروس القابعة في الخلايا المناعية.
في ديسمبر/ كانون الأول 2018، تمكن فريق من الباحثين في معهد باستير الفرنسي من اكتشاف خصائص الخلايا المناعية التي يستهدفها الفيروس، ما يمهد الطريق لطفرة طبية قد تقود لعلاج المرض.
باحثو المعهد، الذي نجح لأول مرة في عزل فيروس نقص المناعة المكتسبة المسبب لمرض الإيدز في 1983، حددوا خصائص خلايا تائية “سي دي 4” المناعية التي تمثل الهدف الرئيسي لفيروس الإيدز.
وبينت الدراسة أن الفيروس يصيب أولًا الخلايا التي لها نشاط أيضي كبير. ويلعب هذا النشاط، ولا سيما استهلاك الخلية للجلوكوز دورًا أساسيًا في الإصابة؛ فالفيروس يختلس الطاقة وما تفرزه الخلية ليتكاثر. وتشكل حاجة الفيروس هذه نقطة ضعف يمكن استغلالها لمهاجمة الخلايا المخزنة.
وتمكن باحثو المعهد من تعطيل الإصابة بفضل جزيئات تلجم النشاط الأيضي، وهي طريقة مستخدمة في مجال السرطان أيضًا.
ولفت سايز- سيرين إلى أن الفريق لاحظ وجود أوجه شبه بين هذه الخلايا والخلايا المصابة بالسرطان، ما يسمح باستخدام الوسائل نفسها. لكنه أوضح أنه ينبغي الانتظار على الأرجح سنوات عدة قبل البدء فعلًا بإجراء تجارب على هذه الطرق في تجربة سريرية فعلية من المرحلة الثالثة تظهر مدى فاعلية الاكتشاف.