هدنة التسعين يومًا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تمر بمرحلة محورية، عبر محادثات يجريها نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو خه في واشنطن، مع مسؤولين أمريكيين كبار، بينهم دونالد ترامب.
ليو خه عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس الجانب الصيني للحوار الاقتصادي الشامل مع الولايات المتحدة.
ويسعى الجانبان لحل خلافاتهما العميقة حول الممارسات التجارية غير العادلة، وانتهاكات الملكية الفكرية، والإعانات الصناعية، وآليات النفاذ إلى الأسواق؛ لتجنب زيادة التعريفات الأمريكية على السلع الصينية، المقررة في 2 مارس/ أذار المقبل.
وتتزامن الجولة مع إعلان الولايات المتحدة عن اتهامات جنائية لشركة هواوي الصينية.
كانت هناك حركة مهمة في المفاوضات، لكن قضايا معقدة للغاية لا تزال قائمة – وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين
بعد سنوات من الارتفاع المطرد في العجز التجاري الأمريكي لصالح الصين، وشكاوى متكررة في الولايات المتحدة من انتهاكات صينية ممنهجة لحقوق الملكية الفكرية والاستحواذ على أسرار التجارة بالإكراه أو السرقة الصريحة، طالبت إدارة ترامب العام الماضي بتغييرات جوهرية في النموذج الاقتصادي الصيني للسماح للشركات الأمريكية بالمنافسة بقواعد أكثر عدالة.
الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين في 2018 – المصدر: US Census Bureau
بيانات حركة الصادرات والواردات بين الولايات المتحدة والصين منذ 1985 وحتى الآن (هنا)
وشملت المطالب الأمريكية وضع حد لسياسات إجبار الشركات الأمريكية على نقل تكنولوجياتها إلى شركائهم الصينيين، والحماية الكاملة لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية.
الاختراقات الحاسوبية الصينية المستمرة لسجلات صيانة السفن الحربية الأمريكية وسجلات الموظفين بالبنتاجون وما شابه تمثل حربًا بوسيلة أخرى – فورين بوليسي
فرض ترامب تعريفات عقابية على بضائع مستوردة من الصين بقيمة 250 مليار دولار؛ تشمل رسومًا جمركية بنسبة 25% على منتجات ذات صلة بالتكنولوجيا قيمتها 50 مليار دولار، وبقيمة 10% على سلع أوسع بقيمة 200 مليار دولار، تشمل المواد الكيميائية، ومواد البناء، والأثاث، وبعض الإلكترونيات الاستهلاكية.
وحتى الآن، جنب ترامب مؤقتًا العديد من السلع الاستهلاكية، بينها الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والملابس والأحذية من الرسوم الجمركية.
لكن، إذا فشل الجانبان في الوصول إلى اتفاق بحلول 2 مارس/ أذار المقبل، يهدد ترامب بفرض تعريفات جديدة على سلع بقيمة 267 مليار دولار؛ أي ما تبقى من الواردات الصينية.
خسرنا الحرب منذ سنوات عديدة بسبب السفهاء الذين مثلوا الولايات المتحدة – دونالد ترامب
فرضت الصين رسومًا جمركية قدرها 25% على بضائع أمريكية قيمتها 50 مليار دولار، تشمل فول الصويا، ولحم البقر، ولحم الخنزير، والمأكولات البحرية، والويسكي، والإيثانول، والسيارات.
وأضافت بكين تعريفة تتراوح بين 5 و10% على سلع أخرى بقيمة 60 مليار دولار، بينها الغاز الطبيعي المسال، والمواد الكيميائية، والخضروات المجمدة، والمكونات الغذائية.
وجنبت الحكومة الصينية، حتى الآن، واردات الطائرات التجارية الأمريكية، وغالبيتها من طراز بيونج، من الرسوم الإضافية.
تريد الولايات المتحدة مركزًا مهيمنًا في صناعات التكنولوجيا المتقدمة في المستقبل، وفقًا لمكتب الممثل التجاري الأمريكي.
الصين، بالمقابل، تعمل على تحديث قاعدتها الصناعية في 10 قطاعات استراتيجية بحلول 2025، بما في ذلك الفضاء الجوي، والروبوتات، وأشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، ومركبات الطاقة الجديدة.
يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لا يرون مشكلة في خطط الصين، لكنهم يريدون ضمانات بعدم اعتماد ذلك على المعرفة الأمريكية المسروقة، أو التي تحصل عليها الصين بطريق غير عادلة.
وتعتبر واشنطن أن دعم الصين الهائل للشركات المملوكة للدولة يساعدها على زيادة الإنتاج، بما يعقد مهمة الشركات الأمريكية في التنافس بقواعد السوق.
ينظر المسؤولون الصينيون للإجراءات الأمريكية كمحاولة لإحباط صعود الصين الحتمي إلى مركز مهيمن في الاقتصاد العالمي.
وتنفي بكين إجبار الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا إلى الصين، وتقول إن مثل هذه الشروط تندرج تحت المعاملات التجارية بين الشركات في الدولتين.
في الوقت نفسه، تتطلع الصين لإبرام اتفاق مع ترامب يقضي بتخفيض التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع الصينية، والحد من اختلال الميزان التجاري عبر زيادة المشتريات من السلع الأمريكية، بما في ذلك فول الصويا والطاقة.
واتخذت بكين خطوات تساعد على استيراد المزيد من السلع الأجنبية، عبر تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات المستوردة، والسماح للشركات الأجنبية في بعض القطاعات بامتلاك غالبية عملياتها في الصين.
يبدي ترامب تفاؤلًا حول إمكانية التوصل لصفقة؛ اعتمادًا على أن بكين ستجد نفسها مضطرة للتفاوض تحت وطأة تراجع الاقتصاد الصيني.
مستشارو الرئيس يؤكدون أنه لن يخفض سقف مطالبه إلا بقبول الصين بإجراء إصلاحات هيكلية حول حقوق الملكية الفكرية والقضايا ذات الصلة.
ولا يعقد مسؤولو إدارة ترامب، وبينهم وزير التجارة ويلبر روس، آمالًا كبيرة على الجولة الحالية للتفاوض، قائلين إن البلدين “على بعد أميال وأميال” من حل خلافاتهما التجارية. أحد المطالب الرئيسية للولايات المتحدة يتمثل في إنشاء آلية لإجراء مراجعات منتظمة لتقدم الصين في متابعة أي تعهدات إصلاحية تقدمها، وهي خطة ترفضها بكين؛ كونها ستبقي سلطة واشنطن قائمة طوال الوقت في فرض رسوم جمركية على البضائع الصينية.
“من غير المحتمل أن توافق الصين على نظام مراجعة التنفيذ كما طلبت الولايات المتحدة. مفاوضات ليو ستكون أصعب مما كنا نتوقع” – شي ينهونج، مستشار للحكومة الصينية.
وتحذر رويترزمن أن الخلافات حول القضايا الهيكلية الأساسية لا تشير لإمكانية التوصل لصفقة بحلول مارس/ أذار.
من غير المحتمل التوصل إلى نتيجة نهائية قبل نهاية فبراير – رويترز
الوكالة تقول إن الطرفين ربما يمددان الهدنة التجارية للسماح بمواصلة التفاوض حال إحراز تقدم كافٍ في تلك المدة.
وازداد تعقيد الجولة الحالية بتوجيه وزارة العدل الأمريكية 13 اتهامًا جنائيًا ضد منغ وانزو، المديرة المالية لعملاق الاتصالات الصينية هواوي في قضيتين، على خلفية انتهاك العقوبات الدولية المفروضة على إيران، بخلاف توجيه 10 اتهامات فيدرالية ضد شركتين تابعتين لهواوي بسرقة تكنولوجيا مرتبطة بصناعة الروبوتات.
قبع الدولار قرب أدنى مستوى في أسبوعين، الثلاثاء، مع تنامي المخاوف بشأن استئناف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما عزز الإقبال على الين الياباني والفرنك السويسري؛ باعتبارهما من الملاذات الآمنة.
وبلغت أسعار الذهب أعلى مستوى في أكثر من سبعة أشهر، وسط عزوف المستثمرين عن الأصول العالية المخاطر.
ويخشى المستثمرون من أن تؤدي قضية هواوي لتعقيد جولة المحادثات الحالية.
صندوق النقد الدولي حذر في أكثر من مناسبة من أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تنذر بجعل العالم أكثر فقرًا وخطورة.
وإذا فشلت جهود الوصول لاتفاق بحلول 2 مارس/ أذار، ستتضاعف الرسوم الجمركية الأمريكية واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار من 10 إلى 25%، بما سيفاقم أزمة الأسواق المالية، ويزيد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.
عندما تتواجه أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، فإن ذلك يخلق وضعًا سيعاني فيه الجميع – موريس أوبسفيلد، المسؤول في صندوق النقد