هل يغض الغربيون البصر؟

هل يغض الغربيون البصر؟

2 Sep 2018
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أول ما نلاحظه حين نسافر إلى الدول الأوروبية أن الغرباء لا “يمعنون النظر” فيك، لا يعطونك تلك النظرة المتفحصة. وأول ما يتبادر إلى أذهاننا أن الأوروبيين “يغضون البصر”.

ليس صحيحًا

هذا مجرد موقف شبيه بموقف من ذهبوا إلى أوروبا ثم عادوا ليقولوا “وجدنا إسلامًا بلا مسلمين”. غرضه إثبات أن المنظومة الأخلاقية في بلادنا هي الأفضل، نظريًا، لكن العيب – طبعًا – في التطبيق. وهي بصراحة محاولة للسطو على الأخلاق الحسنة التي تطورت إليها مجتمعات بشرية. الأخلاق الحسنة بمعنى أنها أنسب لطريقة حياتنا المعاصرة التي يتجاور فيها الغرباء بكثافة عالية، على عكس المجتمعات القديمة التي كان الأقرباء يسكنون نفس “الربع” أو النجع أو العزبة أو الضيعة.

غرضها أن نقول إن منظومتنا الأخلاقية القديمة مثل الفل الأبيض، لكننا ابتعدنا عنها. فهلم بنا نعود إليها. هلم هلم.

لكن، يا صديقتي وصديقي، أخلاقك هي بلادك. أخلاقك هي ما أنتج مجتمعك. فلا تبحث عن أخلاقك في مكان آخر.

اقرأ أيضًا: الوسطية الإخوانية .. ذئب ليلى

لنعد إلى غض البصر

ليس في أوروبا غض بصر. بالعكس، إن تحدثتِ مع أحد وجهًا لوجه سيوليكِ اهتمامه كاملًا. سينظر في عينيك، ومن العيب ألا يفعل، غالبًا بسبب خجل مذموم، أو انحراف بالنظر إلى جزء من جسمك لم ينبغ – علشان عيب – أن ينظر إليه، إنما الأغلبية الكاسحة ستفعل كما أشرت بداية، ستوليكِ الاهتمام وتنظر إليك.

لكن..

بينما أنتِ سائرة في الشارع، وتقابلين غرباء لا يعرفونك ولا تعرفينهم، لن ينظروا إليك. وبنفس الطريقة لن ينظروا إلى رجل. ذلك أن النظرة المتفحصة إشارة عدائية، تستخدم بشريًا في حالة الارتياب والبحث عن إشارات لتحديد نوايا الغريب. أو هي نظرة ترسل إلى المنظور إليه إحساسًا بأن فيه شيئًا يستدعي النظر.

في كل الأحوال، إشاحة العين عن الغريب احترام لمساحة الخصوصية، تجنب لقراءة النظرة، ارتياب، أو تقريع، أو اشتهاء. كل هذه التعبيرات الإنسانية تنتقل بالنظر قبل الكلام.

اقرأ أيضًا: مشكلتنا مع المقدس

لو تفكرتِ فيما قلت ستجدين أنه عكس ما يحدث عندنا تمامًا. لا يشبهه في أي شيء، لا في سنتيمتر ولا بوصة ولا شبر.

هو الصورة المقابلة تمامًا لما يحدث حين تتوجهين إلى أحدهم بالحديث فيشيح بنظره عنكِ، مرسلًا رسالة بأنك فتنة – والعياذ بالله – أو أنك جند من جنود إبليس ستغوينه وتتسللين إلى نفسه النقية وتبعثي فيها ما لا يحمد. باختصار، لأنكِ عورة، النظر إليها حرام.

هل هناك عدوانية أكثر من هذا!! هل هناك امتهان لإنسانة أو إنسان أكثر من إبلاغه هذه الرسالة كلما تواصل مع أحدهم بالكلام!

ثم حين تنهين حواركِ، وتستديرين منصرفة، هنا ينظر إليك (مع أستغفر الله في سره طبعًا، ذنب ربنا يسامحنا).

ما سبق يحدث مع المعارف. مع من يفترض وجود قدر من الثقة يسمح بالتواصل معهم. يا للأرض والسماء!

أما إن كان لا يعرفك. فأنت أدرى بما يحدث في الشارع. يتعامل معكِ وكأنك غنيمة أعداء من الأزمان القديمة. ينال ما استطاع إليه سبيلًا. ويستحله. نعم يستحله. بدليل أننا محتاجون إلى فتوى من مؤسسة دينية لكي تقول له إن هذا حرام. فتوى – سبحانه – يعارضها بتصرفاته وأقواله ومنشوراته وبوستاته قطاع أكبر من الشعب المتدين بطبعه. والمعارضة تتناسب طرديًا مع التدين والاعتقاد في وجوب المجتمع الإسلامي.

يا مثبت العقول!!

إننا بوضوح أمام منظومتين مختلفتين تمامًا؛ إحداهما منظومة منطلقة من التآلف المجتمعي واحترام الفرد، والأخرى منطلقة من وصم المرأة بأنها حاملة خطيئة يجب إشاحة النظر عنها حتى لا تفتن.

مرج هذين البحرين لا يلتقيان.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك