ولادة نجمة A Star Is Born .. هوليوود تفتش في دفاتر عصرها الذهبي

ولادة نجمة A Star Is Born .. هوليوود تفتش في دفاتر عصرها الذهبي

14 Oct 2018

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في الوقت الذي نُعلق المشانق لأي مبدع مصري يُقْدم أو يُفكر في الاقتباس من كلاسيكيات هوليوود، أو تدور حوله شبهات تمصير أي من الروائع التي قدمتها هذه السينما العملاقة، مع قذفه بتهم فقر الإبداع والإفلاس والسرقة، تقوم هوليوود نفسها بهذه المهمة وبمُعدلات دورية، وكأنها تزف بيانًا بأن القصص جميعها قد قُدمت بالفعل. الحكايات كلها متشابهة، والعبرة أصبحت بالرؤى والتنويعات الجديدة.

نسخة رابعة.. وبنفس الاسم

بعد عروض أولى ناجحة في مهرجانات فينيسيا وتورنتو، يعرض الآن في السينمات المصرية والعربية فيلم “ولادة نجمة” A star Is Born وهو التجربة الإخراجية الأولى للنجم “برادلي كوبر”، والذي يلعب بطولته بمشاركة نجمة البوب “ليدي جاجا”، كما شارك كوبر في كتابة السيناريو مع “إيريك روث” و”ويل فيتيرز”، وهو السيناريو المبني على قصة سبق تقديمها في ثلاثة أفلام هوليوودية حملت نفس العنوان.

بدأت هذه السلسلة بالفيلم الذي أخرجه “وليام ويلمان” في عام 1937 من بطولة “جانيت جاينور” و”فريدريك مارش”، ثم فيلم “جورج كيوكور” عام 1954 وهو النسخة الأشهر، وقام ببطولته “جايمس ميسون” و”جودي جارلاند”، ثم الفيلم الذي أخرجه “فرانك بيرسون” عام 1976، ومن بطولة “كريس كريستوفرسون” و”باربرا سترايساند”.

اقرأ أيضًا: أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام

1932.. النسخة الأقدم

لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك اعتقاد جازم بأن القصة ترجع إلى ما قبل ذلك، وتحديدًا بفيلم ?What Price Hollywood الذي أنتجته شركة RKO عام 1932، وأخرجه “جورج كيوكور”. أي خمسة أعوام قبل نسخة ويلمان التي أنتجتها شركة Selznick Pictures، وقيل أن الأخيرة قد عُرضت في البداية على “جورج كيوكور” لكنه رفضها بحجة التشابه الكبير بينها وبين قصة الفيلم الذي سبق وقدمه في بداية الثلاثينيات.

في نفس الوقت كانت شركة RKO تنوي مقاضاة شركة Selznick بتهمة سرقة القصة، لكنها تراجعت عن الأمر في النهاية.

قصة الفيلم.. الأصل والنسخ

?What Price Hollywood فيلم مبني على قصة للروائية Adela Rogers، وقد استلهمتها من تجربة الممثلة الأمريكية “كوليين موور” وزوجها المنتج “جون مكورميك” مدمن الكحوليات، إضافة لحياة المخرج “توم فورمان” التي انتهت بانتحاره. فالفيلم يحكي قصة نادلة حلمها أن تصير نجمة سينمائية، يقع في طريقها مخرج شهير، يساعدها في الوصول للمجد، وتنشأ بينهما حالة رومانسية، لكن حياته المهنية والنفسية تأخذ منحى دراميا هابطا بسبب إدمانه للكحوليات، ويصبح مع الوقت عقبة ومصدر إحراج لها، حتى ينتهي الأمر بمأساة.

تتكرر العناصر الجوهرية في هذه القصة خلال الفيلم التالي A Star Is Born 1937 مع تغييرات طفيفة، أبرزها أن مهنة البطل تتحول من مخرج إلى ممثل شهير. وتتشابه التفاصيل في الفيلم اللاحق عام 1954 أكثر فأكثر، وفي النسخة السبعيناتية تتحول المهن من ممثل وممثلة إلى مطرب ومطربة، وتستمر على ذلك في نسخة هذا العام (2018).

اقرأ أيضًا: سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

الفن لا يستحدث من عدم

يقول “ويل فيتيرز”، مؤلف الفيلم الأحدث، أنه استلهم الكثير أثناء الكتابة من قصة مطرب الروك الشهير “كيرت كوباين”، اللاعب الرئيسي لفرقة “نيرفانا”، والذي يُرجَح أنه مات منتحرًا عام 1994.

إذا، فكان لابد من استرجاع هذه الخيوط الطويلة من الإلهام وراء هذا الفيلم، وهي خير شاهد على حقيقة العملية الإبداعية، التي ليست سوى إعادة ربط لعدة عناصر محققة بالفعل، ولا يوجد ما هو أصيل بنسبة 100%، ذلك لا يعيب المبدع على أي حال، فالفن لا يُستحدث من عدم. والمحاسبة تتم على كيفية فعل هذا الربط، والخروج بتنويعات مثيرة لما تم تقديمه بالفعل.

موهبة كانت مدفونة

يحق لنا القول أن “برادلي كوبر”، نجح بامتياز في مهمته، وأزال التراب عن موهبة إخراجية مدفونة، سيكون لها شأن كبير في السنوات القادمة، إذا استمر على هذا الوله تجاه القصص التي يقدمها، وتمسك بنفس الحساسية في التعاطى مع شخصيات أفلامه، الحساسية التي تحيلهم بكل سلاسة إلى بشر حقيقيين، وتصنع حالة فائقة المصداقية حتى وإن بدا إطارها العام غارقا في الميلودراما، فالتفاصيل تظهر دائمًا لتعيد التوازن، وتجعل كل مشهد ينبض بالحميمية والصدق.

ولن نبالغ إذا قلنا إن كوبر في أول أعماله كمخرج، يصنع فيلما أسلوبيًا من الدرجة الأولى، فيلمًا يدرك القلوب والأرواح بالصورة والتمثيل والموسيقى والمونتاج، بعيدًا عن قصته التي قد تكون معروفة لمن شاهد النسخ القديمة.

نحن أمام فيلم استخدم مخرجه أدوات السينما ليطبع في وجدان المتفرج إحساسًا مجردًا ومهيبًا وعصيًا على التعريف، وهو يعي ذلك، فيقول في أحد تصريحاته إنه يقدم الترجمة السينمائية لذلك الإحساس الذي خرج به من إحدى حفلات فريق “ميتاليكا”.

النسخة الأكثر تفوقًا

“ولادة نجمة” في نسخته الأحدث، تفوق على كل النسخ القديمة من القصة. نستطيع لمس هذا التفوق في المشاهد المفصلية المتكررة في كل نسخة، وعلى رأسها مشهد استلام جائزة الجرامي/الأوسكار، الذي كان يهدف لإثارة شعور غير مريح للمتفرج. يفعلها هذه المرة بتنفيذ رائع، ولا يكتفي بشعور عدم الراحة، بل يقدم شعورًا قد يصل ببعض المتفرجين للبكاء.

الفيلم يتشابه مع كل الأفلام الموسيقية العظيمة في كونه يقدم أغنيات عظيمة ستبقى طويلًا في ذاكرة الأذن، وقصة عن الحب والتضحية كانت بحاجة للعودة إلى قاعات السينما هذه الأيام، مدعومة بكيان إنتاجي عملاق مثل شركة “وارنر برازرز”، التي أقلعت منذ زمن عن إنتاج هذه النوعية من الأفلام متوسطة التكلفة، وركزت أغلب جهودها في إنتاج أفلام الرعب والسلاسل والأكشن والأبطال الخارقين. وهذا عكس ما كانت تفعله الشركة تمامًا في عصر هوليوود الذهبي، حيث كان معظم إنتاجها من الأفلام الرومانسية والكوميدية والويسترن والجريمة، وهي أفلام متوسطة التكلفة.

لنأمل أن يكون النجاح العالمي الكبير الذي يحققه “ولادة نجمة”، وقت كتابة هذه السطور، دافعًا للشركة في تغيير استراتيجيتها الإنتاجية.


مرشح لـ 8 جوائز أوسكار 2019 (فيلم – ممثل/ برادلي كوبر – ممثلة/ ليدي جاجا – ممثل مساعد/ سام إليوت – مزج صوتي – سيناريو مقتبس – تصوير – أغنية).


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (3)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك