مع اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، تعرض الشمال بقيادة أبراهام لينكولن لهزائم أشارت بوضوح إلى أن مسار الحرب يتجه إلى تفكك أمريكا فعلًا.
الشمال حينها كان يملك اقتصادًا صناعيًا أقوى، وسلاحًا أكثر تطورًا، لكنه كان يفتقد القادة العسكريين، بعدما فشل في بداية الحرب في اجتذاب الجنرال الكاريزماتي روبرت إي لي لقيادة جيش الاتحاد، بعدما فضل الانحياز للولاية فوق الدولة وقرر قيادة جيش الجنوب.
عانى جيش الشمال من العمل تحت قيادة جنرالات كبار السن أو تنقصهم الكفاءة، وكانت السياسة العامة لديهم يغلب عليها الحذر.
وسط خسائر جيش الشمال المتتالية، كان جنرال وحيد يحرز تقدمًا على الأرض.. يوليسيس جرانت.
محبو تاريخ الحرب الأهلية الأمريكية عادة ما يذكرون المنافسة بين روبرت إي لي ويوليسيس جرانت كأهم حلقات الحرب.. شخصيتان غاية في الاختلاف..
جرانت استراتيجي التفكير، انطوائي، ولا يملك طموحًا شخصيًا بقدر رغبته في إتمام المهمات الموكلة له دون مساومات، حتى أصبح يلقب بـ Unconditional Surrender، لكنه يتميز أيضًا بثبات انفعالي تحت الضعوط، ويبتكر حلولًا غير تقليدية لحل أية مشكلة.
ومن القصص الشهيرة عنه وعن طريقة تفكيره أنه عندما تلقى أوراق القبول في الكلية الحربية باسم خاطئ قرر تغيير اسمه بدلًا من الانتظار لشهور لتقديم أوراق جديدة.
بينما روبرت إي لي، القائد الذي يتمتع بالكاريزما، المحبوب حتى بين الجنود الشماليين، يقود المعارك بنفسه، متدين، يرى أن الحرب الأهلية إرادة الله، وأن الله في صف الجنوب، وبذلك كان لي يرى أنه لا يمكنه حتى الإطاحة بجنرال جنوبي فاشل؛ لأن الله هو الذي اختار لكل شخص موقعه في المعركة.
اختلاف الشخصية هذا كان السبب في تغيير دفة المعركة، عندما قرر لينكولن منح جرانت قيادة الجيش، وإنهاء العبودية قانونًا، وبذلك أصبح لدى الجيش قيادة جديدة مع قوات جديدة إضافية من الأمريكيين الأفارقة الذين أصبح لهم الحق في التجنيد، وتمكن جرانت فعلًا من تحقيق النصر على لي الذي استسلم رسميًا له وجهًا لوجه.
أكبر الانتقادات التي وجهت إلى جرانت خلال الحرب أنه يلقي بالجنود في المعركة دون الاهتمام بالخسائر في الأرواح سواء لجنوده أو جنود العدو .. كذلك أساليبه في تدمير المزارع لاستنزاف اقتصاد الجنوب المنهك كوسيلة لإنهاء الحرب بسرعة جعلته يكتسب لقب الجزار.
كل هذا لم يجعله محبوبًا جدًا في الجنوب عندما تولى الرئاسة في 1869، والأكثر من هذا أنه كان الرئيس الذي عمل على منح الأفارقة والعبيد المحررين حق التصويت، وعمل أيضًا على مواجهة جماعات الكوكلوكس كلان في الولايات الجنوبية، التي كانت تعمل على استهداف السود وقتلهم كنوع من الانتقام.
وسط المظاهرات المشتعلة في أمريكا في أعقاب مقتل جورج فلويد، أُسقط تمثال جرانت في سان فرانسيسكو وسط هتافات نشطاء اليسار المتطرف.
هنا اشتعل الجدل حول السبب.. وكانت التبريرات أن جرانت كان يمتلك عبدًا قبل الحرب الأهلية، وتزوج من عائلة من مالكي العبيد..
هذا بالطبع دون الالتفات إلى أن جرانت كان يكره العبودية، أما العبد الذي كان يمتلكه فهو وليام جونز، الذي ورثه عن والد زوجته، وقام بتحريره رغم أنه كان يعاني أزمة مالية في ذلك الوقت.
حتى التغطية الإعلامية للخبر سارت بنفس الاتجاه، بينما هاجمت فوكس نيوز والمواقع المحافظة إسقاط تمثال بطل الحرب الأهلية، اختارت صحف يسارية مثل الجارديان عناوين مثل "إسقاط تمثال جرانت وعدد من ملاك العبيد الأخرين" لتضعه في نفس صف العدو الذي حاربه هو.
على السوشيال ميديا انتشرت رسائل أخرى من مؤيدي جرانت تقول إن ما حدث للتمثال كان الشئ الذي حلم به مؤيدي العنصرية في الجنوب ولم يتمكنوا من تحقيقه، وقال آخرون إن عملية تحطيم التماثيل تستهدف جرانت لأنه كان من الجمهوريين وحسب بغض النظر عن مواقفه. (الحزب الجمهوري هو حزب إبراهام لنكولن الذي كان يناصر تحرير العبيد، بينما كان حزب الديمقراط يدافع عن استمرار العبودية)