* الآن نعرف فيروس كورونا.. تلك المعرفة التي فتحت طريق العلم لمكافحته.
* عكس الشائع، كورونا يقتل بسبب تنشيط جهاز المناعة لكي يفرز سوائل الالتهاب، وهي – في الأحوال العادية – عملية طبيعية تحدث في الجسم عند تعرضه للهجوم بميكروب.
* مئات التجارب بدأت حول العالم لوقف زحف الفيروس.. تراجعت في الصين وصعدت في بريطانيا.
* علاجات الملاريا والإيدز والسرطان، وحتى بعد أدوية الفيروسات أثبتت نجاحًا مبدئيًا في علاج كورونا.
جينومات فيروسات كورونا أكبر من مثيلاتها في أي فيروسات حمض نووي ريبي أخرى – أطول بثلاث مرات تقريبًا من فيروس نقص المناعة البشرية، ضعف طول فيروس الإنفلونزا، ونصف مرة أكبر من إيبولا. حجم جسيم فيروس كورونا الجديد حوالي 90 نانومترًا؛ أي نحو واحد في المليون من حجم الخلايا التي يصيبها في الرئة البشرية.
يحتوي على 4 بروتينات مختلفة وشريط من الحمض النووي الريبي (RNA – جزيء مثل الحمض النووي يمكنه تخزين المعلومات الجينية كتسلسل من الحروف الكيميائية تسمى النيوكليوتيدات). هذه المعلومات تتضمن طريقة صنع جميع البروتينات الأخرى التي يحتاجها فيروس كورونا لنسخ نفسه.
أكثر البروتينات المكونة لفيروس كورونا بروزًا هو “السنبلة” الذي يمنح الفيروسات مظهرها الشبيه بالتاج، بجانب بروتيني المغلف والغشاء، واللذان يوفران للفيروس السلامة الهيكلية وتماسك تكوينه. داخل الغشاء، يعمل بروتين رابع، نوكليوكابسيد، كسقالة تلتف حولها 29900 من النيوكليوتيدات التي تشكل جينوم الفيروس.
كيف يخترق كورونا الجسد؟
الخلايا الحية تخزن جيناتها في الحمض النووي، لكنها تستخدم الـ RNA كذلك لمجموعة من الأنشطة الأخرى، مثل نقل التعليمات المكتوبة في جينوم الخلية إلى الآلية التي تحولها إلى بروتينات. أنواع الفيروسات المختلفة تخزن جيناتها في الـ RNA بعد نسخ الحمض النووي من جينوم الحمض النووي الريبي في الخلية الحية بمجرد اختراقها، ما يسمح للفيروس بدخول النواة والبقاء حولها لسنوات. لكن نهج فيروسات كورونا أكثر بساطة.
تنسق فيروسات كورونا حمضها النووي الريبي ليبدو مثل الحمض النووي الرسول RNA messenger (وظيفة الحمض النووي الرسول نقل الأوامر للخلايا الحية عن البروتينات التي يجب أن تصنعها). وبمجرد دخول RNA فيروس كورونا إلى الخلية الحية، تبدأ آلية صنع البروتين المتدفق بقراءة الجينات الفيروسية وتصنيع البروتينات التي تصفها.
يبدأ الاتصال الأول بين الجسيم الفيروسي والخلية بواسطة بروتين السنبلية، والذي يملك منطقة معينة تناسب بروتين ace2، الموجود على سطح بعض الخلايا البشرية، خاصة تلك الموجودة في الجهاز التنفسي.
بروتين ace2 يلعب دورًا في التحكم في ضغط الدم. لهذا تشير البيانات الأولية من مستشفى ووهان إلى أن ارتفاع ضغط الدم يزيد من مخاطر وفاة المصابين بالمرض (وكذلك مرض السكري وأمراض القلب). ما إذا كان هذا له علاقة بحقيقة أن نقطة دخول الفيروس مرتبطة بتنظيم ضغط الدم لا يزال يحتاج لدراسات إضافية.
بمجرد التصاق الجسيم بجزيء ace2، فإنه يُخضع بروتين tmprss2 (البروتياز – مجموعة إنزيمات بروتينية تعمل على تحلل جزيئات البروتين الكبيرة وتجزئها إلى بروتينات قصيرة متساوية) لأوامره، ويسخره لفتح بروتين السنبلة، والكشف عن جدعة تسمى ببتيد الاندماج (سلسلة أحماض أمينية)، بما يسمح للجسيم بالدخول إلى الخلية وإطلاق حمضه النووي الريبي إليها.
كيف يتكاثر داخله بعد الاختراق؟ وكيف ينقل العدوى؟
بجانب جينات البروتينات الهيكلية الأربعة التي شرحناها، يشمل جينوم كورونا الجديد ثمانية جينات لبروتينات تابعة صغيرة يبدو أن مهمتها منع دفاعات المضيف (الشخص المصاب) من مقاومة الفيروس.
كل تلك البروتينات تمثل ثلث جينوم فيروس كورونا. الباقي جين معقد يسمى (بوليميراز الحمض النووي الريبي المعتمد على الحمض النووي الريبي) وهي إنزيمات تحفز نسخ الفيروس.
يخلق الجين المقلد اثنين من البروتينات الكبيرة التي تقسم نفسها إلى 15، أو ربما 16 بروتينات غير هيكلية قصيرة (nsps). وتشكل هذه الأجهزة لنسخ الجينوم وتصحيحه – على الرغم من أن بعضها قد يكون له أدوار أخرى أيضًا.
بمجرد أن تصنع الخلية كلًا من البروتينات الهيكلية والـ RNA، يحين الوقت لبدء إنتاج فيروسات جديدة داخل الجسد البشري. بعض جزيئات الـ RNA يجري تغليفها بنسخ من بروتينات النوكليوتيدات، ثم تزويدها بتقطعات غشائية غنية بالبروتينات الخارجية الثلاثة. تلعب بروتينات الغلاف والغشاء دورًا كبيرًا في عملية التجميع هذه، والتي تحدث في ورشة عمل خلوية تسمى جهاز غولجي. يمكن للخلية أن تصنع ما بين 100 و1000 فيروس بهذه الطريقة، وفقًا لستانلي بيرلمان من جامعة أيوا. معظمها قادر على السيطرة على خلية جديدة – إما في مكان قريب أو في جسم آخر – وتكرار العملية مجددًا.
أما كيفية انتقال العدوى، فليس كل الـ RNA الذي يخلقه فيروس كورونا داخل الجسد ينتهي به الأمر في الفيروسات الجديدة؛ البقايا تهرب إلى انتشار أوسع. اختبارات كورونا الحالية كشفت تسلسل الـ RNA الخاص بالفيروس في بصاق المصابين.
عكس الشائع تمامًا.. كيف يقتل كورونا ضحاياه؟
أجزاء الجهاز المناعي تكون نشطة للغاية في حالة كوفيد 19. كورونا هذه المرة لا يقتل بتدمير الخلايا حتى لا يترك أي منها سليمة، بل عن طريق تحفيز الاستجابة الالتهابية للجهاز المناعي، في ما يشبه، في جانب منه، أمراض المناعة الذاتية.
أكتيمرا Actemra جسم مضاد يستخدمه الأطباء في علاج أمراض المناعة الذاتية، حيث يغطي مستقبلات الخلايا التي تستجيب عادة لجزيء يفرزه الجسم حال تعرضه لجسم غريب. وبالتالي يبدأ الجسم في مقاومته وينتج عن هذا الصراع سوائل التهابية. أكتيمرا يستخدم عادة في حالات الروماتويد. الصين سمحت باستخدامه في حالات كوفيد-١٩، وهناك “حكايات” شفهية عن تحقيقه تحسنا لحالات في إيطاليا.
لماذا يُنصح باستخدام الصابون في وقف زحف كورونا الجديد؟
تُحاط البروتينات الخارجية للفيروس بغشاء دهني lipids يحفظ هيكل الفيروس متماسكا. ينفصل هذا الغشاء عندما يتعرض للصابون وينفصم تماسكه ويزيح الماء مكوناته التي لم تعد نشطة. هذا هو السبب في أن غسل اليدين يمنع العدوى. تفاصيل أكثر في هذا البوست.
لماذا الصابون التقليدي أكثر فاعلية من المعقمات في مكافحة فيروس كورونا؟الفيروسات قادرة على البقاء نشطة خارج جسم…
لماذا يعتبر فهم كل تلك التفاصيل المعقدة طريقنا للنجاة منه؟
كل ما سبق وفر للعلماء آليات جديدة للتعامل مع مرض كوفيد-19 الناتج عن فيروس كورونا الجديد؛ الجينوم الفيروسي لا يحوي جزءًا بلا أهمية، ما يعني أن جميع البروتينات التي يصنعها الفيروس عند دخوله إلى الخلية لها أهمية حيوية لبقائه أو انتشاره. هذا يجعل كل واحد منهم هدفًا محتملاً لمصممي الأدوية.
بعض العلاجات الواعدة لكورونا الحالي هي جزيئات تُعرف باسم “نظائر النوكليوتيدات”. تقوم على إدخال ما يشبه الحروف التي تتكون منها تسلسلات rna أو dna إلى الجسم. يتعرف عليها الفيروس ويحاول تطويعها لمصلحته فتفسد آلية عمله.
هذا ينطبق على عقار ريمسيفير الذي طورته شركة جلعاد ساينسس الأمريكية للتكنولوجيا الحيوية بالأساس للاستخدام ضد إيبولا.
وصل في الاختبارات إلى قدر يثبت أمانه للاستخدام البشري، لكن علاج إيبولا بالأجسام المضادة أثبتت أفضلية، لتنحي الشركة عقار ريمسيفير.
ريمسيفير عاد للضوء مع فيروس كورونا الجديد لأن الاختبارات المعملية أثبتت فعاليته ضد مجموعة من الفيروسات الأخرى المستندة على rna، بما في ذلك السارس، والآن تثبت الاختبارات نفسها إمكانية تكرار التجربة وتظهر الاختبارات نفسها الآن أنه يمكن التجربة مع كورونا الجديد.
التجارب بدأت، وقد تظهر النتائج في منتصف أو أواخر أبريل.
يبحث العلماء أيضًا في نظائر نوكليوتيدات أخرى. يركزون على سبعة أدوية وافقت عليها الجهات المعنية لعلاج أمراض أخرى في محاولة لوقف زحف كورونا الجديد.
مجموعة من الباحثين في مختبر الدولة الرئيسي للفيروسات في ووهان وجدوا بعض الإمكانات في الريبافيرين، وهو دواء مضاد للفيروسات يستخدم في علاج التهاب الكبد ج من بين أمراض أخرى.
مثبطات البروتياز
نظائر النوكليوتيدات ليست الأدوية المضادة للفيروسات الوحيدة التي يختبرها العلم. الجيل الثاني من الأدوية المضادة للفيروسات كانت “مثبطات البروتياز” التي أحدثت مع نظائر النوكليوتيدات الأصلية ثورة في علاج الأمراض.
الفارق بين كورونا الجديد وفيروس العوز المناعي البشري HIV ليس ضخمًا. تشابهاتهما متعددة تشبه القواسم المشتركة بين الإنسان وغيره من الثدييات.
بناء على ذلك، اختبر الباحثون عقار كاليترا، وهو مزيج من اثنين من مثبطات البروتياز، ريتونافير ولوبينافير، على مرضى سارس في 2003، وبدا أنه يقدم بعض الفائدة.
دواء آخر طوره الباحثون للتعامل مع الفيروسات الأخرى المستندة إلى rna – الأنفلونزا على وجه الخصوص، هو الفافييرافير الذي يبدو أنه يتداخل مع واحدة من البروتينات الفيروسية الللابنيوية المشاركة في صنع rna جديد.
علاجات الملاريا والسرطان
الأدوية الموجودة فعلًا التي قد يكون لها تأثير على كورونا الجديد لا تقتصر على تلك المصممة أصلًا كمضادات للفيروسات. أظهر الكلوروكين، وهو دواء يستخدم في الغالب ضد الملاريا، في 2000 تأثيرًا على سارس؛ في دراسات زراعة الخلايا، يقلل كلاهما من قدرة الفيروس على اختراق الخلايا والتكاثر مرة واحدة داخلها، ربما عن طريق تغيير حموضة جهاز جولجي.
Camostat mesylate الذي يستخدم في علاج السرطان، قد يفيد في منع عمل البروتياز المشابه لـ tmprss2.
علاجات المناعة
لا تحتاج جميع الأدوية إلى استهداف الفيروس. يمكن للبعض أن يعمل عن طريق مساعدة جهاز المناعة. يشجع الإنترفيرون على رد فعل مضاد للفيروسات واسع الانتشار في الخلايا المصابة والذي يتضمن إيقاف إنتاج البروتين وتحويل الإنزيمات المدمرة للـ rna، وكلاهما يوقف التكاثر الفيروسي. اقترحت الدراسات التي أجريت على فيروس سارس الأصلي أن الإنترفيرون قد يكون أداة مفيدة لوقف تقدمه، وربما يكون من الأفضل استخدامه مع أدوية أخرى.
قلنا إن كورونا يقتل بتحفيز الاستجابة الالتهابية للجهاز المناعي.
يتم التوسط في جزء من هذه الاستجابة بواسطة جزيء يسمى إنترلوكين 6، وهو واحد من عدد من مُعدِّلات الجهاز المناعي التي استهدفتها التكنولوجيا الحيوية بسبب أدوارها في أمراض المناعة الذاتية.
أكتيمرا (توسيليزوماب) هو جسم مضاد يستهدف مستقبلات الإنترلوكين -6 على أسطح الخلايا، مما يؤدي إلى تشويشها بحيث لا يستطيع الإنترلوكين -6 الوصول إليها.
العقار طُور بالأساس للاستخدام في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي، لكن الصين وافقت للتو على استخدامه ضد كوفيد 19، وتقول تقارير إنه مرتبط بتحسن بعض الحالات في إيطاليا.
إلى أين وصلت كل تلك التجارب؟
الترابط بين العالم الحديث ساعد كورونا على الانتشار بهذه السرعة. قبل بضعة أشهر فقط، اتخذ كورونا خطواته الأولى نحو مضيف بشري في مكان ما في ووهان أو حولها في مقاطعة هوبي الصينية. الآن، تجاوز عدد المصابين خانة عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف حول العالم، مع استمرار معظم الإصابات دون تشخيص.
لكن، قد يكون الترابط هو سبب سقوطه أيضًا. يركز العلماء في جميع أنحاء العالم اهتمامهم على جينوم فيروس كورونا والبروتينات الـ 27 التي يُعرف عنه إنتاجها، ويسعون إلى تعميق فهمهم وإيجاد طرق لإيقافه في مساراته.
نتج عن نشاط الباحثين نشر أكثر من 300 ورقة بحثية على Medrxiv، وهو مستودع لأعمال البحث الطبي التي لم تخضع لمراجعة الأقران، بينما تحوي قواعد البيانات العامة المئات من تسلسلات الجينوم.
البحث عن لقاح للوقاية من كورونا لا يقتصر على المعامل. حتى 28 فبراير، سجلت الصين 105 مشروعات لإجراء التجارب السريرية على 105 أدوية واللقاحات التي تهدف إلى مكافحة كورونا. بينما سجلت الولايات المتحدة 84 مشروعًا حتى 11 مارس.
وبينما تجري العديد من التجارب في الصين، فإن الانخفاض في معدل الإصابات هناك يعني أن إجراء تجارب جديدة أصبح الآن صعبًا.
في إيطاليا، حيث يتفشى الوباء، يعد تنظيم التجارب رفاهية لا يستطيع النظام الصحي تحملها. لذا فإن العلماء يندفعون لإعداد بروتوكولات لمزيد من التجارب السريرية في البلدان التي يتوقعون فيها تزايد الحالات الجديدة. في بريطانيا مثلًا، يفترض أن برنامج التجارب قد بدأ للفعل.
قد يبدو الحكم سابق لأوانه، مع الأخذ في الاعتبار أن فيروس كورونا الجديد لم يكن معروفًا للعلماء قبل انتشاره الحالي، وقد يبدو تطوير العقاقير المضادة بطيئًا، لكن الفهم المعقول لعلم الأحياء لطبيعة الفيروس يجعل من الممكن تحديد الأدوية المختبرة التي تملك بعض فرص النجاح، ما يمنح بعض الأمل.