كما لو كان ملكًا يتوج، بالغ رئيس حكومة إثيوبيًا آبي أحمد في تنظيم حفل إعادة تنصيبه لولاية جديدة في 4 أكتوبر 2021. كما لو كان يحاول تثبيت شرعيته في مواجهة تمدد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على الطريق نحو أديس أبابا.
في خطاب التنصيب، قال آبي أحمد إن بلاده “وصلت حقبة جديدة تنبع فيها القوة من صوت الشعب الحقيقي”.
لكن الوضع الحقيقي في إثيوبيا مخالف للخطاب:
آبي أحمد وصل للولاية الجديدة بعد انتخابات قاطعتها المعارضة، واقتراع استثنى 20% من الدوائر بسبب أعمال العنف.
المفاجأة هنا أننا نتحدث عن نفس الشخص الذي وصل إلى السلطة على ظهر احتجاجات 2018 التي أجبرت سلفه على الاستقالة.
المفاجأة الثانية أن الشخص الذي يدير بلدًا ضربته الاضطرابات العرقية، والتباطؤ الاقتصادي، والحرب الأهلية المدمرة في تيجراي هو نفسه الذي خصص شهوره الأولى في السلطة لإصلاح العلاقات مع المعارضة.
الإيكونوميست | إثيوبيا في مرحلة خطرة .. جيش تيجراي في الطريق إلى أديس أبابا | ترجمة في دقائق
آبي أحمد هو نفس الشخص الذي وقع اتفاق سلام مع إريتريا، ففاز بجائزة نوبل في 2019.
بعدها، ركز على كسب الأصدقاء وضمان النفوذ الدولي، فشارك بقوات حفظ سلام أممية أكثر من أي دولة أخرى تقريبًا، أقام علاقات وثيقة مع الصين وكذلك مع أمريكا، وأصبح حليفها القوي في “الحرب على الإرهاب”.
نوبل لم تكن المكسب الوحيد حينها. المكاسب شملت غض الطرف عن الحملة الوحشية ضد الانفصاليين في الصومال.
بعد كل ذلك، يقول آبي أحمد إن إثيوبيا لن تحضع للضغوط الأجنبية. ولا يمر أسبوع دون مسيرة في إثيوبيا ضد “التدخل الأجنبي المزعوم”، أو تصريح رسمي رفيع يدين “الأعداء في الخارج”.
وسائل الإعلام الحكومية تغذي نظريات المؤامرة، وتقول إن أمريكا تزود مقاتلي جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي بالبسكويت المغطى بالمخدرات، أو أن وكالات الأمم المتحدة تهرب إليهم الأسلحة.
الولايات المتحدة أعلنت عقوبات على المسؤولين المتورطين في حرب تيجراي. وقالت إن القادم أسوأ إذا لم تبدأ الأطراف- التي تشمل أيضًا القوات الإريترية – محادثات وتسمح بوصول المساعدات الغذائية إلى المحاصرين في تيجراي.
حتى إقليميًا، وتر علاقاته مع السودان فاندلعت اشتباكات حدودية، واختار التقارب مع ديكتاتور إريتريا أسياس أفورقي فتباعدت عنه المنظمات الدولية المعنية بالتنمية.
وفي أغسطس، أوقفت الحكومة عمل منظمة أطباء بلا حدود والمجلس النرويجي للاجئين.
وعندما حذر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث من أن مئات الآلاف قد يموتون جوعًا، رد آبي أحمد بطرد سبعة من كبار ممثلي الأمم المتحدة بتهمة التدخل في شؤون إثيوبيا.
تسادكان جبريتنساي | دمر نصف جيش إثيوبيا في تيجراي.. هل يغزو العاصمة ثانية؟ | بروفايل في دقائق
4 عوامل تساهم في عزلة إثيوبيا المتزايدة في ظل آبي أحمد:
يفضل آبي أحمد العلاقات الشخصية على التعامل مع المؤسسات.
بهذا الإطار، همش وزارة الخارجية، وأغلق أو قلص حجم العشرات من السفارات، ونفر القادة الأجانب بسلسلة من الوعود التي لم يوف بها، وأثار غضب أمريكا بشراء درونز من إيران، وتجاهل المبعوثين الأمريكيين.
صحيح أن الإدارة الأمريكية تحت حكم دونالد ترامب انحازت إلى مصر والسودان في نزاعهما مع إثيوبيا حول سد النهضة. لكن آبي أحمد لم يسأل نفسه لماذا؟
نسي أن أمريكا غضت الطرف عن الانتهاكات الروتينية لحقوق الإنسان عندما كانت جبهة تحرير تيجراي تحكم أديس أبابا، ولم تعلق على الحملة الوحشية عندما كانت أديس أبابا تحارب الجهاديين في الصومال. لماذا؟ لأن إثيوبيا كانت دولة حليفة.
لا يفكر آبي أحمد في كل ذلك. بل يبدو مقتنعًا بنظرية المؤامرة.
حتى بعد وصول جو بايدن، يشير دبلوماسي أمريكي إلى أن آبي أحمد يعتقد أن الولايات المتحدة تحاول الإطاحة به.
يقول دبلوماسي أوروبي إن مطالب الغرب بسيطة للغاية: “أوقف الحرب وسنحسن العلاقات”.
لكن آبي راهن بدلًا من ذلك على أن روسيا والصين ستسدان أي ثغرات مالية ناجمة عن تخفيض المساعدات الغربية.
المفاجأة أن الدولتين أبديتا تحفظًا على حرب تيجراي، ولم تقدما أي دعم عملي.
ألمح أبي سرًا إلى أنه قد يكون منفتحًا على المفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. اختار من لمهمة الوساطة؟ المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو.
مشكلته الوحيدة هنا أن الجبهة لا تعتبر الاتحاد الأفريقي وسيطًا نزيهًا، ولا تقبل وساطته!
في خطاب الولاية الجديدة، لم يحاول آبي أحمد التلميح إلى انفتاح محتمل على التفاوض. هذا يظهره مصممًا على استمرار الحرب، وهذا يجبر الولايات المتحدة بالتبعية على مضاعفة العقوبات، وبالتالي سوء العلاقات بين إثيوبيا وحلفاء الماضي أكثر وأكثر.
إرث آبي أحمد | حان الوقت لكي تستعد أمريكا لنهاية إثيوبيا ككيان موحد| ترجمة في دقائق