في أوائل التسعينيات من القرن الماضي خرجت روسيا من الحرب الباردة منهزمة: الاتحاد السوفيتي منهار والجمهوريات السوفيتية تنفصل وتتحالف مع الغرب والاقتصاد الروسي نفسه يعاني التضخم.
بوريس يلتسن رحبت به الدول الغربية كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ روسيا، لكن في الداخل كانت تزداد مشاعر الحنين للماضي السوفيتي عندما كانت البلاد القطب الثاني عالميا في مواجهة أمريكا.
على الطرف الأخر في بيلاروسيا كان لوكاشينكو عام 1994 في بداية حكمه ويتخذ سياسات تهدف للتقارب مع الغرب، أملا في الانضمام للمجتمع الأوروبي والذي سيصبح فيما بعد "الاتحاد الأوروبي".
لكن مثل روسيا واجهته توابع زلزال الانهيار السوفيتي بالانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة العملة وزيادة معدلات التضخم.
وتدريجيا بدأ لوكاشينكو الاعتماد على روسيا ماليا ودبلوماسيا.
سعيا لرفع شعبيته، أراد بوريس يلتسن أن يتم تذكره بأنه الرجل الذي جلب قطعة أرض جديدة لروسيا عبر ضم بيلاروسيا.
بحسب مجلة "فورين أفيرز" فإن بيلاروسيا لم تعارض التقارب مع روسيا بل كانت ومازالت تعتبره نوعا من ضمان الاستقرار لديها، وعندما دخل لوكاشينكو المفاوضات مع يلتسن كانت النية أن يتم تطوير اتفاقية التعاون التجاري والقانوني حتى تصل لمرحلة توحيد البلدين.
في 1999 وقع لوكاشينكو اتفاقية الاتحاد حتى يترشح هو لرئاسة روسيا بعد بوريس يلتسن.. كيف هذا؟
تنص الاتفاقية في البداية على أن لكل دولة الاحتفاظ بحدودها الأصلية مع تشجيع التعاون لتوحيد القوانين والضرائب، ثم يتم إنشاء برلمان موحد ودستور موحد، وعملة واحدة.
لكن نصوص الاتفاقية كانت ألا تسيطر دولة على أخرى في فرض القوانين وأن يتعامل الطرفان كشركاء متساوين.
في 1999 سافر لوكاشينكو إلى روسيا وأجرى لقاءات مع مسؤولين وكبار رجال الأعمال وحتى قادة جمهوريات صغيرة من جمهوريات روسيا الاتحادية، وانتشرت شائعات عن إجراء استفتاء لتوحيد البلدين.
لكن كل هذا انتهى عندما ظهر لاعب جديد على الساحة هو فلاديمير بوتين.
غير مشهور ولا يعرف عنه الكثير سوى أنه خدم في المخابرات قبل أن يعينه يلتسن نائبا لمنصب كبير موظفي الرئاسة
لكنه حظي بدعم بوريس يلتسن الذي استقال فجأة في 1 يناير 2000 وعين بوتين رئيسا مؤقتا للبلاد حتى الانتخابات التي جرت في مارس من نفس العام وهي الانتخابات التي فاز فيها بوتين.
بعد ذلك تغير الموقف وفي السنوات التي تلت رئاسة بوتين بدأ الرئيس الروسي الجديد يطالب بيلاروسيا برد الأموال التي حصلت عليها في عهد يلتسن، كذلك طلب من الحكومة الروسية العمل فورا على إلغاء منح الغاز لبيلاروسيا مقابل أسعار مخفضة.
وكأن هذا لا يكفي، فتح بوتين ملف التوحيد لكن هذه المرة تحت سلطة موسكو، بحسب "معهد روسيا الحديثة" سياسة بوتين أجبرت لوكاشينكو على إيقاف التقارب والاندماج بين البلدين، طبقا للاتفاقية، ما زال الطرفان متساويين لا يمكن لأحدهما فرض قرارات بدون موافقة الأخر.
لكن الوضع تغير مرة أخرى عندما بدأت المظاهرات في بيلاروسيا عام 2020
فبينما المظاهرات تشتغل ظهرت تقارير إعلامية روسية وفي رويترز أيضا عن لقاء بين بوتين ولوكاشينكو في منتصف سبتمبر وبعد الاجتماع بيوم واحد وافقت موسكو على قرض بقيمة 1.5 مليار$ لبيلاروسيا بينما لوكاشينكو يتحدث من جديد عن اتفاقية الاتحاد، وكيف أنه يريد مزيدا من التعاون مع موسكو
موقع the conversation يلخص الموقف بأن بوتين وضع لوكاشينكو حيث يريد: ضعيفا محاطا بالخصوم. بينما لوكاشينكو يعرف أن بوتين لن يعامله معاملة الند لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يعترض على أي مطلب روسي منه.
لمزيد عن العلاقات الروسية البيلاروسية