عباقرة الفلسفة (1) | أنكسيمندريس | أبو العلوم المجهول صاحب نبوءة التطور الأولى | مصطفى ماهر

عباقرة الفلسفة (1) | أنكسيمندريس | أبو العلوم المجهول صاحب نبوءة التطور الأولى | مصطفى ماهر

9 Feb 2021
أناكسيماندر عباقرة الفلسفة علوم وطب فلسفة
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

هل فكرت يومًا في أكثر فكرة سابقة لعصرها في تاريخنا البشري؟ فيلسوف العلم الشهير في القرن العشرين كارل بوبر يجيب. اختار الفيلسوف اليوناني القديم أنكسيمندريس كصاحب أكثر فكرة ثورية في التاريخ.

فكرة أنكسيمندريس الثورية حينها قالت إن كوكب الأرض معلق في الفضاء ولا يستند على أي شيء.

ربما لا تبدو الفكرة بهذه الثورية التي صورها كارل بوبر اليوم. أغلب البشر حاليًا – حتى صغار السن – يدركون تلك الحقيقة. لكن قبل 2,600 عام كان من الصعب على كل المجتمعات البشرية أن تتخيل فكرة طيران الأرض بأكلمها في الفضاء. كانوا يعتقدون  أنها مرتكزة كباقي الأشياء من حولهم على جسم ما أكبر منها.

كارل بوبر - أحد أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين

كارل بوبر – أحد أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين

أنكسيمندريس.. من يكون؟

أنكسيمندريس هو تلميذ وخليفة مؤسس الفلسفة اليونانية طاليس الملطي. ولد حوالي 610 ق.م في مدينة ملطية اليونانية، المدينة التي عرفت في ذلك الوقت بالثراء والتجارة البحرية، ولم يصل لنا شيء مما كتبه، وأغلب معرفتنا عن فلسفته تعود لكتب الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو.

طاليس الملطي - مؤسس الفلسفة اليونانية

طاليس الملطي – مؤسس الفلسفة اليونانية

تأثر أنكسيمندريس بأستاذه طاليس في منهجه الجديد القائم على نبذ الخرافات الأسطورية، والتفكير في العالم اعتمادًا على العقل والبرهان. ومن خلالهما، نشأت الفلسفة كنشاط يحاول تفسير العالم وفهمه بطريقة عقلانية.

كان طاليس مشغولًا بسؤال أساسي: هل يمكن أن نصل لحقيقة العالم من خلال التأمل؟ وما هي المادة المصنوع منها كل الكائنات الحية والعالم ككل؟

شغل ذلك السؤال الفكر الفلسفي والعلمي منذ طاليس وحتى وقتنا الحاضر. طاليس وضع أول نظرية فلسفية تحاول تفسير الكون بعيدًا عن التفسير الأسطوري المسيطر على البشر وقتها.

فمن خلال تأمله في طبيعة حياة الكائنات التي تعيش في البر والبحر من حوله، وجد أن كل الأجسام تعتمد في وجودها على الماء. ليتوصل لنظريته الشهيرة “الماء أصل كل شيء”؛ فهو القوام الأساسي للكون الذي صدرت عنه كل الموجودات.

بالإضافة، افترض طاليس أن الأرض عبارة عن قرص يطفو فوق محيط مائي ضخم لا نهاية له.

خلاف غير التاريخ

لكن أنكسيمندريس لم يتفق مع نظرية أستاذه، في خلاف بات من إنجازات الفكر الفلسفي الجديد؛ لأنه حَفَز اللاحقين على تجاوز أخطاء القدماء في التفكير، فكانت النتيجة تطور المعرفة الانسانية في اتجاه الحقيقة أكثر من الحفاظ على تقاليد السلف، وهو ما كان سائدًا قبل ظهور الفلسفة.

أنكسيمندريس - 610 ق.م

أنكسيمندريس – 610 ق.م

رأى أنكسيمندريس أن الماء لا يصلح مادة أولى للكون؛ لأنه موجود من موجودات العالم، ولا يصح عقليًا أن يكون الماء أصل كل شيء. كيف يكون أصل الحجر مثلًا؟

وبناءًا على ذلك، استبدل الماء بمفهوم فلسفي جديد سماه “الأبيرون – Apeiron”. فالكون تولد من مادة بدائية بداخلها صفات كل الموجودات مختلطة معًا، وهي غير محدودة الحجم، ثم خرجت منها كل الموجودات نتيجة لحركة الأبيرون حول نفسه كالدوامة.

وعلى هذا الأساس الجديد، رفض أنكسيمندريس أيضًا قول طاليس بأن الأرض تطفو فوق محيط من الماء، وقال بدلًا من ذلك إنه لا يوجد شيء تحت الأرض ليدعمها، فهي معلقة في مكانها.

كان عوام اليونان يظنون حينها أن الأرض مثبتة على أكتاف العملاق أطلس. وأكثر الأفكار “فلسفة” أنها تطفو على محيط من الماء. لكن أنكسيمندريس فتح آفاقًا جديدة في الفكر الإنساني عندما تخلى عن ذلك، ودافع عن فرضية أن الأرض معلقة في الفضاء.

مؤرخو العلم يقولون إن فكرة أنكسيمندريس كانت حجر الأساس لنظريات علم الفلك فيما بعد؛ لأنها مهدت الطريق لأهم نظرية في دراسة الأجرام السماوية: نظرية الجاذبية، ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس في الفضاء.

أطلس - العملاق حامل الأرض في الأسطورة اليونانية

أطلس – العملاق حامل الأرض في الأسطورة اليونانية

خلاف غير التاريخ

امتد تفكير أنكسيمندريس العقلاني في مناطق أخرى، فنراه يفسر سبب وقوع العواصف الرعدية بأنها ناتجة عن اضطرابات في طبقات الهواء وتصادم السحب، وتلك الظواهر كانت تفسر دائمًا أنها نتيجة لغضب أو رضا الآلهة.

لم يكتف أنكسيمندريس بتأمل السماء، بل انشغل كثيرًا بنشأة الحياة على الأرض، فتوصل لاستنتاج أن الكائنات الحية على اختلافها، ومنها الإنسان، قد تطورت من بعضها البعض، وهي تعود جميعًا للمناطق الرطبة كالبحار والبرك المائية، ثم انتشرت رويدًا في المناطق الأكثر جفافًا.

ونظرية أنكسيمندريس عن نشأة الحياة هي أقدم صورة لنظرية التطور الشهيرة.

كانت بداية التفكير الفلسفي في الكون متواضعة جدًا ومليئة بالأخطاء إذا ما قارنتها بإنجازنا الحالي في فهم العالم. لكن رغم ذلك، فأغلب الانجازات العلمية والفلسفية الكبرى في العالم الحديث هي نتيجة لمنهج الفلاسفة القدامى، وتلك القفزة التي حققها أنكسيمندريس كانت واحدة من القفزات الثورية في طريقة فهمنا للعالم.


مراجع المقال:

1- يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية.

2- عبدالرحمن بدوي، ربيع الفكر اليوناني.

3- إميل برييه، تاريخ الفلسفة: الجزء الأول، ترجمة: جورج طرابيشي.

4- مشاهير العلماء – أنكسيمندريس.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك