في أوائل القرن التاسع عشر، قاد عالم الآثار البريطاني ويليام ماثيو فليندرز بيتري عددًا من الحفريات المهمة في جميع أنحاء مصر، حيث حفر ما يقرب من 3,000 مقبرة قديمة مليئة بالممتلكات الشخصية في رحلة المتوفى إلى العالم الآخر.
في إحدى المقابر، عثر بيتري على أحد أكثر اكتشافاته إثارة للدهشة: مجموعة من أدوات لعبة البولينج، تضم عددًا من الكرات وتسعة أحجار على شكل مزهريات.
في البداية، اعتبرها علماء الآثار زخارف، لكنهم سرعان ما أدركوا أنهم اكتشفوا أول دليل على لعبة البولينج، وهي واحدة من أكثر الاختراعات المصرية القديمة غير المتوقعة.
يُعتقد أن اللعبة القديمة كانت مختلفة نوعًا ما عن النسخة الحالية، فاللعبة المصرية تضمنت ببساطة دحرجة كرة على مجموعة من الأجسام الثابتة على مسافة معينة، وكانت الكرات مصنوعة من قشور الذرة، مغطاة بالجلد ومربوطة بخيط، ولكن يمكن أيضًا صنعها من الحجر أو حتى الخزف.
تم تبني الشكل البدائي للبولينج الذي كان يتمتع به المصريون لاحقًا من قبل الحضارات القديمة الأخرى، بما في ذلك الرومان، وتطورت في النهاية إلى اللعبة التي لا نزال نلعبها اليوم.
على الرغم من أن اختراع الكتابة قد سبق المصريين القدماء، إلا أن الورق والحبر، كانا اختراعات مصرية قديمة.
لم يكن الورق ورقًا كما نعرفه اليوم، بل كان سلفًا يسمى ورق البردي، سمي على اسم القصب العشبي الذي نبت على طول نهر النيل، والذي صنعت منه المادة. كلمة papers الإنجليزية مشتقة من الاسم الإنجليزي لنبات البردي papyrus
لسنوات عديدة، حاول المؤرخون تحديد الأساليب الدقيقة التي استخدمها المصريون لتحويل هذا النبات إلى سطح للكتابة، لكنهم لم يصلوا لشيء.
ومع ذلك، يُعتقد أن الخطوة الأولى تضمنت قطع الساق إلى شرائح، ثم نقعها لتوسيع الألياف، ووضعها في طبقات متداخلة. ثم ضغطها، إما بالطرق أو اللف، حتى تلتحم الطبقات لتشكل سطحًا مستويًا، على الرغم من أن ورق البردي القديم لم يكن قريبًا من نعومة الورق الحديث.
كان المناخ المصري الجاف يعني أن الوثائق المصنوعة من ورق البردي ستبقى محفوظة لوقت طويل.
وصنع المصريون القدماء الحبر عن طريق طحن عدد من الأصباغ والخامات المختلفة مع الماء لتكوين سائل سميك يمكن الكتابة به على ورق البردي بفرشاة أو قلم.
من خلال الجمع بين المواد الطبيعية المختلفة، مثل النحاس والحديد والكوارتز، تمكن المصريون من إنتاج الحبر بمجموعة متنوعة من الألوان، وكان الأسود والأحمر والأزرق هم الأكثر شيوعًا.
بالنسبة لغالبية تاريخ البشرية قبل الحضارة المصرية القديمة، كان الناس يقضون وقتهم في استهلاك ضروريات الحياة، والحصول على الطعام والمأوى للبقاء على قيد الحياة مع القليل من الوقت لأي شيء آخر.
لكن مع بدء التمدن، وتطوير أنظمة لتوفير ضروريات الحياة اليومية لسكانها، بدأت أفكار الترفيه والترويح عن النفس في الظهور. ومن هذا الوضع الجديد، فكر المصريون القدماء في مستحضرات وأنظمة التجميل.
ليس هناك شك في أن الظهور بمظهر جذاب للجنس الآخر كان دائمًا أولوية بشرية، سواء كانت بيولوجية أو لاشعورية أو متعمدة، لكن المصريين القدماء دفعوا هذه الخطوة إلى الأمام من خلال اختراع عدد من الطقوس والمنتجات المصممة للتأكيد على مظهر المرأة: من إزالة الشعر غير المرغوب فيه بمادة تشبه الشمع مصنوعة من السكر، إلى إبراز ملامح الوجه بالمكياج المصنوع من أصباغ طبيعية بما في ذلك الخنافس المسحوقة والرصاص السام.
كما انتشر الشعر المستعار لدى النساء المصريات. في حين أن الشعر المستعار الأرخص والأكثر سهولة كان مصنوعًا من ألياف نباتية، إلا أن شعر العائلة المالكة كانًا مصنوعًا حصريًا من شعر بشري، وكانت الملكة نفرتيتي ترتدي مثل هذه القطع تحت تاجها.
لم تكن المرأة المصرية وحدها التي استفادت من طفرة الاهتمام بالجمال التي اندلعت مع توسع الحضارة، ولم تكن مستحضرات التجميل هي الاختراعات المصرية الوحيدة التي خرجت منها.
عثر الأثريون على أدلة أن ظهور الحلاقين الأوائل كان أيضًا في مصر القديمة، مع سجلات ترجع إلى 5,000 سنة قبل الميلاد تشير إلى تخصص رجال في مهنة قص الشعر واللحية باستخدام أحجار صوان وأدوات حادة كما هو الحال اليوم، وكانت الموضة عرضة للتغيير: في بعض الأحيان كان من المألوف أن تكون حلاقة تامة، بينما في أوقات أخرى كان الشعر الطويل واللحى هي الموضة.
أجريت بعض عمليات الحلاقة المبكرة بواسطة الكهنة أو الأطباء نظرًا لأنها كانت ذات غرض طقسي أو طبي، وحتى بعد أن أصبحت احترافية، كان الحلاقون محل احترام كرجال ماهرين.
غالبًا ما كان لدى النخبة المصرية حلاق خاص بها لتلبية احتياجات العناية بهم، مثل كبير الخدم، بينما بالنسبة للجماهير، كان الحصول على قصة شعر يعني زيارة أحد حلاقى شوارع المدينة، التقليد الذي يستمر في العديد من الثقافات حتى اليوم.
مهدت بلاد ما بين النهرين الطريق من خلال إنشاء النظام الستيني. مع ذلك، فإن التقويم المعروف اليوم وطرق ضبط الوقت كانت اختراعات مصرية.
بناءً على دورات الشمس والقمر، تم تقسيم التقويم المصري إلى اثني عشر شهرًا كل منها 30 يومًا، بالإضافة إلى خمسة أيام إضافية في نهاية العام ليصل المجموع إلى 365، ومع ذلك، على عكسنا، رصد المصريون ثلاثة مواسم فقط، ربطوها بزراعة وحصد المحاصيل.
لم يكن المصريون فقط أول من رسم الأيام والأشهر والسنوات التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم، ولكنهم كانوا أيضًا مسؤولين عن أول أجهزة ضبط الوقت.
تم اكتشاف أقدم ساعة شمسية معروفة في عام 2013 في وادي الملوك، ويعود تاريخها إلى حوالي 1500 قبل الميلاد. ومع ذلك، لم يكن هذا هو المثال الأول لجهاز ضبط الوقت. تم استخدام المسلات الضخمة، التي شُيدت لأول مرة قبل 2000 عام، لمعرفة الوقت من طريقة اتجاه الظل على نقوشها، وكذك صنع المصريون الساعة المائية.
لقد سهلت القدرة على معرفة الوقت قيام مجتمع أكثر تنظيمًا وفعالية، مما يعني أن اختراع هذه الأجهزة ربما يكون قد مكّن العديد من الابتكارات الأخرى التي صنعها المصريون القدماء.
قبل الاختراعات المصرية القديمة للطاولات والكراسي، كان الناس يجلسون ببساطة على الأرض أو المقاعد الصغيرة، لكن في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، حدثت ثورة في فن الأثاث، حيث بدأت القطع المنحوتة بشكل معقد في الظهور في مصر.
تتكون الطاولات المصرية بشكل أساسي من الخشب والمرمر، وتتكون من منصة ناعمة مرفوعة عن الأرض إما بقاعدة أو أرجل، وكان الغرض منها مشابهًا تمامًا للطاولات الحديثة، وقد استخدمت لتناول الطعام والكتابة ولعب ألعاب الطاولة.
لكن الكرسي المصري كان مختلفًا تمامًا. لم تكن قطعة أثاث منزلي موجودة في أي منزل أو مكان عام، بل كانت رمزًا للمكانة، رفاهية لا يتمتع بها إلا النخبة. في حين أن الفلاحين والمزارعين قد يجلسون على مقاعد، كان الأثرياء أو الملكيون المصريون لديهم كراس مناسبة لشكل ظهورهم ومساند للذراعين.
تم اكتشاف كراسي مصرية قديمة مصنوعة من مواد ثمينة، مثل العاج وخشب الأبنوس، ومزينة بالمعادن باهظة الثمن، ومزينة بدقة بأشكال منحوتة لحيوانات أو نباتات أو آلهة.
صنع المصريون القدماء معجون الأسنان عن طريق طحن وخلط أنواع مختلفة من الملح والزهور المجففة والفلفل والرماد وحتى قشر البيض، ثم فرك هذه العجينة الكاشطة باستخدام إما الإصبع أو باستخدام شكل بدائي من فرشاة الأسنان، مصنوع من الأغصان المهترئة.
بالنسبة لأولئك الذين استسلموا لمخاطر تسوس الأسنان، توصل المصريون إلى ابتكار آخر: النعناع؛ لإخفاء الرائحة النفاذة للأسنان المتعفنة، وكان قدماء المصريين يمتصون قطرات مصنوعة من العسل المسلوق والمنكهة بالأعشاب والتوابل العطرية، مثل القرفة أو المر أو اللبان. كما أضافوا النعناع إلى معجون أسنانهم لتحسين رائحة النفس، وهو ما يزال مستخدمًا حتى الآن في منتجات معجون الأسنان.
مع توسع الحياة الحضرية والسلطة المركزية، جاء ظهور تطبيق القانون المنظم، حيث تم تأسيس أول قوة شرطة على الإطلاق في مصر القديمة.
تم تكليفها حوالي 2500 قبل الميلاد لحراسة وتنظيم السفن والقوارب التي تسافر على نهر النيل، لحمايتها من اللصوص وضمان استمرار ازدهار التجارة والاقتصاد.
بحلول عام 1,500 قبل الميلاد تقريبًا، طور المصريون قوة شرطة شبه عسكرية تعرف باسم المدجاي، وتم استخدام مصطلح Medjay في الأصل للإشارة إلى البدو الرحل من النوبة، الذين تم توظيفهم كأول رجال شرطة، ولكن سرعان ما أصبح الاسم مرادفًا للقوة بشكل عام. تم تكليف المدجاي بحماية أغلى مناطق وممتلكات فرعون، بما في ذلك عاصمته، والأراضي الحدودية، والقصر.
على عكس القوة الحديثة، لم تكن الشرطة المصرية مسؤولة عن أي عمل تحقيقي، كانت مهمتهم فقط الحفاظ على نظام واستقرار النظام من خلال معاقبة الخارجين عن القانون والمتمردين، وقاموا بهذه المهمة بعدة طرق، بما في ذلك استخدام الحيوانات مثل الكلاب، وحتى القرود، للقبض على المجرمين.
كان هناك حل آخر لأولئك الذين لم يكن لديهم قوة شرطة خاصة لحراسة مساكنهم: في البداية، كانت المنازل والمباني محمية بمسامير بسيطة موضوعة عبر الباب، ولكن خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، مع اختراعات الأقفال المصرية أصبح المفتاح أنظمة الأمان الجديدة.
على الرغم من أنه بلا شك أقل تعقيدًا من المفاتيح الحديثة، فإن قفل البهلوان المصري القديم، الذي كان مصنوعًا من الخشب، مثل تحولًا مهمًا في تاريخ الهندسة، في الداخل، شكلت عدة دبابيس سلسلة من البراغي (الصواميل) الصغيرة، وعندما تم إدخال المفتاح المطابق، ترتفع شوكاته لأعلى للسماح بسحب الترباس للخلف وفتح الباب.
كما هو الحال مع الأثاث ومستحضرات التجميل التي تم اختراعها في العصر المصري، لم تكن الأقفال شائعة؛ كانت تستخدم في الغالب لحماية غرف وممتلكات الأثرياء، وقد تم العثور عليها داخل الأهرامات العظيمة التي كانت بمثابة مقابر حكام مصر.
اعتبرت الحضارات السابقة، مثل تلك التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين، إلى حد كبير الأمراض الجسدية والعقلية على أنها عمل الآلهة وحاولت معالجتها باستخدام العلاجات الدينية والسحرية التي يقوم بها الكهنة أو حتى طاردو الأرواح الشريرة.
لكن الطب كما نعرفه اليوم تطور في مصر القديمة، وكان المصريون يتبعون نهجًا أكثر علمية في علاج المرض، وخلق أدوية من الموارد الطبيعية، مثل المعادن والأعشاب والمنتجات الحيوانية، كما أجروا أشكالًا مبكرة من الجراحة.
في وقت مبكر من عام 2200 قبل الميلاد، كانت هناك مؤسسات تعرف باسم منازل الحياة، حيث يمارس الأطباء والكهنة الطب.
لم يقدم المصريون عددًا كبيرًا من المفاهيم الطبية الجديدة فحسب، بل كانوا أيضًا مسؤولين عن أول نظام صحي عام في العالم.
في حوالي 1500 قبل الميلاد، تم إنشاء قرية دير المدينة للحرفيين والعمال الذين يعملون في المقابر الملكية في وادي الملوك، بالإضافة إلى أجورهم الشهرية وإمداداتهم الغذائية وخدمهم، تم إعطاء هؤلاء العمال أيضًا طبيبًا مشتركًا لمعرفة مخاوفهم الصحية والمساعدة في علاج أي شكاوى.
حتى عندما كان العمال يمرضون ظلوا يتلقون رواتبهم، وهو أول دليل مسجل على الأجازة المرضية بأجر.
التقدم المحرز في النظافة والتشخيص والعلاج الذي وصل إلى الطب الحديث مدين للابتكارات والفهم الذي طوره المصريون القدماء.