في 1965، توقع جوردون مور، أحد مؤسسي شركة إنتل، أن يتضاعف عدد الترانزستورات على الشريحة كل 18 شهرًا، مع الحفاظ على نفس التسعير.
هو ليس قانونًا رياضيًا، لكنه توقع اقتصادي منطقي من حيث طبيعة تطور هذا المجال تقنيًا، مع الأخذ في أن الاعتبار أنه “كلما جمعنا عددًا أكبر من الترانزستورات في مساحة أصغر، سنحصل على أداء أفضل واستهلاك أقل للطاقة”.
الترانزستورات الأصغر تكون أقرب إلي بعضها البعض. لذلك يستغرق الأمر وقتًا أقل لانتقال الإشارات الكهربائية من جزء إلى آخر في الرقاقة. تلك السرعة تعني توفير المزيد من الجهد، وأداءً أفضل، واستهلاكًا أقل للطاقة.
وكلما استطعنا تكديس عدد أكبر من الترانزيستورات في نفس المساحة، كلما زادت المهام التي تستطيع الرقاقة إنجازها.
منذ ذلك الحين، التزمت صناعة أشباه الموصلات بقانون مور. ولأكثر من 60 عامًا، تسابقت الشركات لمواكبته. إحداها كانت ASML.. شركة صغيرة في مدينة أيندهوفن الهادئة في هولندا، تطورت مع الزمن، لتصبح أكبر مورد في العالم لنظم وآلات الطباعة الضوئية لصناعة أشباه الموصلات؛ الآلات المسؤولة عن تصميم المعالجات الموجودة، بداية من الريموت كونترول، وحتى المعالجات والدارات الإلكترونية الموجودة في السيارات ذاتية القيادة،
كما أنها أهدت أبل مؤخرًا أسرع معالج موجود في هاتف محمول على الأطلاق A14..
لنبدأ الحكاية من حيث بدأت.
ألان تورنج.. عبقري الحرب العالمية الثانية المنسي والمثلي المنتحر
في 1984، انفصلت ASML عن شركة فيلبيس. حينها لم يكن بالإمكان وضع أكثر من 2,200 ترانزستور على ملليمتر مربع واحد من شريحة معالج الكمبيوتر.
حينها، لم يكن ينافس ASML في مجال صناعة أشباه الموصلات غير شركتين: نيكون، وكانون. سايرتهما في آلية عملهما لفترة ليست قصيرة. لكن 2012 حمل لحظة فارقة في تاريخ ASML.
في 2012، أطلقت ASML برنامجًا رسميًا للاستثمار المشترك للعملاء للمساعدة في تسريع تطوير تقنية جديدة تستخدم الأشعة فوق البنفسجية الشديدة للطباعة Extreme Ultraviolet (EUV).
وافقت Intel – TSMC – Samsung على المساهمة بمبلغ 1.4 مليار يورو لمساعدة الشركة في تطوير التقنية الجديدة.
وفي 2014، رفعت ASML إنفاقها على البحث والتطوير إلى 1.1 مليار يورو، أو 19% تقريبًا من مبيعاتها السنوية، وهو رقم ضخم، مقارنة بمتوسط 3% تنفقها شركات السيارات في عمليات البحث والتطوير.
استثمارات الشركة الكبيرة في تلك التقنية مكنتهم من إنتاج أول معالج يعمل بتقنية الماسحات الضوئية EUV أواخر 2018، والذي استخدمته سامسونج في هاتفها Galaxy Note10 and Galaxy Note10+.
دخان الماريوانا غطى على أغرب تصريحات لإيلون ماسك .. الحياة مجرد جهاز محاكاة | فادي داوود
التقنية تعتمد على استخدام الأشعة فوق البنفسجية الشديدة extreme ultraviolet light، (اختصار EUV)، لتصنيع الرقاقة.
EUV هو نوع من الضوء طوله الموجي قصير للغاية 13.5 نانو متر. يمكن العثور عليه في الفضاء، لكن لا يمكن أن يوجد بشكل طبيعي على الأرض، والسبب أنه هش للغاية، بحيث يمتصه الهواء فور تكوينه.
تعتمد التقنية على إنشاء الضوء في فراغ داخل الجهاز. يبدأ بإطلاق ضوء الليزر على قطرة من القصدير بطول موجي قصير للغاية يجعل القصدير يتبخر.
ينعكس الضوء عبر سلسلة من المرايا فائقة النحافة في الآلة. المرايا مصنوعة من طبقات من السيليكون والموليبدينوم، مطحونة بدقة بحيث إذا تم تغيير حجمها وتكبيرها إلى حجم يغطي مساحة دولة ألمانيا على سبيل المثال، فلن يكون لها نتوءات ملحوظة أكبر من ملليمتر.
ومع تغيير الطول الموجي الذي تعكسه تلك المرايا بتفاوت، يمكننا التحكم بأماكن طبع (حرق) الترانزيستور على الرقاقة.
عملية الحرق نفسها معقدة للغاية. الرقاقة مصنوعة من السيليكون. تقوم الآلة بتطبيق طبقة حساسة للضوء عليها.. ضوء EUV الذي يضيء على الطبقة من خلال شعاع الليزر الذى يحرق لاحقًا نمط الدوائر على الشريحة.
في المجموع، يحتوي معالج آبل الجديد A14 – على سبيل المثال – على 11 مليار دائرة (ترانزستورات)، تخضع للتنشيط كهربائيًا لنقل ملايين الأصفار والآحاد.
نظرًا لأن الرقائق التى تنتجها آلية ASML NXE3400 متطورة للغاية، فإن كمية التيار التي تتدفق من خلالها والتي تنشطها، أقل بكثير من الشرائح المصنوعة باستخدام أنواع أخرى من ماكينات الرقائق.
تنفرد ASML بإنتاج هذا النوع من آلات طباعة الرقائق. تسيطر حاليًا على أكثر من 80% من الحصة السوقية في صناعة أشباه الموصلات، وتورد آلاتها لحوالي 70% من مصنعي المعالجات والدوائر المتكاملة عمومًا في العالم، وبينهم Intel – Apple – Samsung وغيرهم.
لكن آلتها الجديدة تكلف 123 مليون دولار للنسخة الواحدة، وهو مبلغ مرتفع، حتى مقارنة بأدوات صناعة أشباه الموصلات الأخرى. وإن كانت تستحق قيمتها بكل تأكيد.
ما مقدار الطاقة المطلوب ليطير البشر ببدلة طيران؟! الفيزياء تجيب
في هاتف آبل الجديد، يعمل المعالج الجديد A14، بتقنية 5 نانومتر.
الرقاقة الجديدة تحتوي على 11.8 مليار ترانزيستور قادر على إجراء 11 تريليون عملية كل ثانية.
الشريحة في iPhone 12 تتكون من مائة طبقة رفيعة للغاية ذات أنماط منفصلة (يتم حرقها كلها باستخدام EUV) لتشغيل عمليات وأوامر رقمية منفصلة.
تقول آبل إن معالجها الجديد A14 يتحدى إمكانيات أجهزة حاسب محمولة كثيرة. يحتوى على وحدة معالجة رسومات جرافيك رباعية النواة. مقارنة بمعالج الشركة السابق A13 هناك زيادة من حيث عدد الترانزستور على المعالج بمقدار 3 مليارات ترانزيستور.
تلك الزيادة ستسمح لآبل بتقديم تجربة مستخدم مختلفة عن السابق، بإجراء 11 تريليون عملية في الثانية. تضاعف هذا تقريبًا من 600 مليار في الثانية لمعالجها السابق A13.
تقول آبل أيضًا إن المعالج الجديد سيعمل 10 مرات أسرع من معالجها السابق، خصوصا في المهام المتعلقة بالذكاء الاصطناعي “تعلم الآلة”، كما سيوفر حوالى 40% من طاقة البطارية.
تلك الإمكانيات تعني أن بين يديك جهازا قادرا على التعديل على فيديو بجودة 4K ومعالجة أي عمليات معقدة بكل سهولة.
آبل.. من مرآب للسيارات وحافة الإفلاس إلى التريليون دولار
تورد الشركة آلتها الجديدة لشركة Taiwan Semiconductor Manufacturing Company (TSMC) – المورد الوحيد للمعالج A14 المتوافر في أجهزة آبل الجديدة، وأيضا تستخدم نفس الآلة سامسونج التى تصنع بها معالجًا جديدًا من المقرر أن يتم استخدامه في هاتفها التى ستعلن عنه الشهر القادم.
شركة intel، التي تمتلك حصة في ASML أعلنت كذلك أنها سوف تستخدم الآلة الجديدة مطلع العام المقبل.
مع تقدم الرقائق، يمكن إجراء المزيد من المهام التي كانت تُرسل إلى خوادم الكمبيوتر البعيدة للمعالجة على نفس الجهاز لحظيًا.
الهواتف الذكية الآن أصبحت قادرة على التعرف على الأشخاص داخل الصور دون الحاجة للإتصال الانترنت، سوف تنتقل تلك التقنية لتكون موجودة في الساعات الذكية، وستحدث ثورة لو نجحت في إطالة عمر البطارية. ومنها إلى أي جهاز تكنولوجي حولك، ووصولًا لمعالجات أكثر ذكاءً وسرعة داخل السيارات ذاتية القيادة.
ببساطة معالج بتلك المواصفات سوف يجعل الأجهزة تفكر وتنفذ العمليات وتتخذ القرارات بشكل أسرع.
بالحديث عن تكنولوجيا ثورية مثل تلك يمكنها أن تجعل بين يديك جهازًا بمعالج جبار قادر على أداء إمكانيات متطورة ومتقدمة، ستكون التقنية مطمعًا لمطوري الاسلحة والأجهزة الاستخباراتية عمومًا، وعلى الرغم أن الشركة أوروبية، لكن الحكومة الأمريكية تدخلت لإبطال صفقة من الشركة الصينية الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC) للحصول على تلك الآلة، تخوفًا من استخدام الصين لتلك التقنية في أسلحتها.
جدير بالذكر أن أحدث معالجات SMIC مصنوع بتقنية 14 نانومتر، وحصولها على تلك الآلة سيضاعف من إمكانيات الاجهزة التى يصنعها المتعاملون مع الشركة الصينية.
عقد من العلوم.. أهم ما قدمه العلم للبشرية في عشر سنوات | فادي داوود