اغتيال البطل | الاحتفاء اللائق بالسادات في 6 أكتوبر أهم مما نظن | خالد البري

اغتيال البطل | الاحتفاء اللائق بالسادات في 6 أكتوبر أهم مما نظن | خالد البري

7 Oct 2021
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مصر مصنع قصص غير محكية، لأسباب عدة:

أولها، الرغبة في السكوت عنها؛ لأننا نفضل صناعة عالم مريح نعيش فيه.

ولأننا مجتمع افتقد الإحساس بأهمية الفلسفة، وأهمية الرؤية، واستعاض عنها بالفذلكة والكلام الذي يبدو عميقًا لكنه لا يقود إلى شيء، ميراث لم يُصفَّ من علمي اللاهوت والكلام.

ثانيها، في مصر سلطة قوية على الحكي. يملك الجزء الأكبر منها السلطة الاجتماعية الدينية التي روضتنا على قبول روايتها وإلا .. ما بعد إلا عنيف، لا تهاون فيه. ومضر.

الجزء الأصغر من سلطة الحكي تملكه تنظيمات سياسية.

الجزءان الأكبر والأصغر، أي سلطة الحكي جمعاء، التقيا على دفن سيرة البطل، محمد أنور السادات.

إحداهما قتلته قتلًا مباشرًا، والأخرى مهدت لقتله وغطت عليه وقدمت له المبررات. فكيف لا يجتمعان على وأد سيرته!

السادات بشر..

هذه الجملة نقدمها لكي نتبعها بجملة تقر بالأخطاء. وهذه خدعة. تنتقص من عظمة هذا النوع من البشر الذي مثله السادات. الرجل الذي تولى بلدًا محتلًا ثلثه، منهارة بنيته التحتية، منكسة نفسيته، مهزومة معنوياته. وفوق هذا يعاني جيشه من جرح غائر. ويواجه قوة مدعومة عالميًا بإجماع لا نظير له في قضية أخرى. يرتكز النظام العالمي على وجودها وعلى دورها.

لكنه فعل ما فعل وهو بشر! وهذه هي المعجزة

بعد حوالي خمسين سنة من تلك الحرب لا تزال التفاصيل الدقيقة لرؤيته تبهرنا. والمقصد هنا تفاصيل الخطة التي حارب بها عسكريًا وسياسيًا ومخابراتيًا. أي منها لا تقل براعة عن الأخرى. وأي منها كانت كفيلة بإفشال المهمة المستحيلة لو لم يقدها عبقري. (راجع مقالات مينا منير عن نصر أكتوبر عبر الملف في آخر المقال).

لكننا – بعد خمسين سنة – لا نزال أيضًا نعطي آذاننا لدعاية من أناس رأوا المواجهة من منظور واحد. لا نزال نحتفي بهم أحيانًا أكثر من احتفائنا بالسادات. لا نزال نضع أسماءهم على الشوارع بدل أن نحاسبهم حسابًا تاريخيًا – وربما استحقوا الحساب الجنائي أيضًا – على مواقفهم وتصريحاتهم العلنية التي احتفوا فيها بقتل البطل، وادعوا فيها صلة بينهم وبين قاتليه.

إننا نتساءل، على أعلى المستويات، عن أسباب ما نطلق عليه “غياب الانتماء”؟

حسنًا. في اعتقادي أن أول أسبابه غياب التمييز بين من قدموا لهذا البلد منجزات عملية، يمكن قياسها، ومن لم يقدموا!

الشعارات هي الآلة التي يمكن بها فعل ذلك. هي الآلة التي يمكنها أن تحرف أعيننا عن المنجز العملي فلا نعود نراه. بل نغرق في منافسة أخرى في ميدان آخر، رخيصة شروطه، بمقدور أي شخص أن يدلي بدلوه فيه، وهذا ميدان الكلام.

يعيدنا هذا مرة أخرى إلى ما بدأنا به. سلطة الحكي ومن يتحكم فيها. وغياب القدرة على التقييم بالمنجز العملي، لصالح التهليل والتطبيل، والمراضاة واختلاق “رواية” موازية لا تغضب أحدًا. اللي بيحب السادات هيلاقي شارع باسمه. واللي بيحب قاتليه وأعوانهم هيلاقي شارع باسم واحد منهم.

أمثال السادات في أمم أخرى لا بد أن يقف أبناء الأمة دقيقة صمت في لحظة مقتله. هذه تعني أكثر كثيرًا من مجرد تكريم بسيط للسادات. بل تعني للأجيال القادمة أننا أمة تقدر أبطالها. أمة تدرك الفارق بين محرريها ومحتليها. اسم السادات يستحق أن يكون إلى جوار سقنن رع وكامس وأحمس.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك