رحلة صناعة Bohemian Rhapsody لا تقل درامية عن حياة شخصيته الرئيسية فريدي ميركوري. الفيلم واجه عدة عقبات وتحولات، تغير أبطاله أكثر من مرة، قبل أن يذهب الدور للموهوب رامي مالك.
مخرج الفيلم تغير أثناء التصوير، وحتى موقف النقاد الذين وضعوه على قائمة الأفلام المنتظرة في 2018 تبدل بعد عرضه.
يحقق الفيلم نجاحًا مدويًا في شباك التذاكر عالميًا، ويصل تقييمه جماهيريًا إلى 8.3 عبر موقع IMDB، لكن تقييمه النقدي لم يتجاوز 62% على موقع Rotten Tomatoes، تنخفض إلى 49% عبر MetaCritic.
التقييم ترك انطباعًا بأن النجاح التجاري لن يكفي لحصد الجوائز، لكن المفاجأة حدثت بترشيحه لعدة جوائز من نقابة المنتجين والممثلين والصوتيين والمصورين، والبافتا (المعادل البريطاني للأوسكار)، وبالطبع الفوز الكبير في الجولدن جلوب بجائزتي أفضل فيلم درامي وممثل دراما، في صدمة للوسط النقدي.
الطريف أن أغنية بوهيمبان رابسودي لاقت نفس الاستقبال السلبي من نقاد الموسيقى في السبعينيات، واختلف الأمر بفضل الزمن والجماهيرية، ليُنظر لها الآن كواحدة من أعظم أغنيات القرن العشرين.
قبل الإجابة عن مدى استحقاق الفيلم للنجاح والجوائز، يجب التوقف عند أسباب الهجوم، المعلنة والضمنية.
Bryan Singer is the film industry’s R Kelly. We’re going to look back and find a lot of young gay men we failed. Where’s @TIMESUPNOW on this predator??
— Audrey Wauchope Lieberstein (@audreyalison) January 7, 2019
https://twitter.com/genmema/status/1082130237335498752
الأسباب السابقة شوهت الفيلم إعلاميًا، وأخضعت المصوتين على الجوائز لابتزاز سياسي وأخلاقي، لكنها وبالتدقيق ليست حقيقية.
الفيلم اختار سياقه من البداية. يظهر ذلك حتى من عنوانه المستعار من أشهر أغنية ألفها المطرب. هو إذن فيلم موسيقي لا حقوقي.
من الأولى توجيه التحية لصناع الفيلم، فكل التعديلات التي أضافوها خدمت الدراما، ولم تمثل في معناها إلا قشورًا، لم تزيف جوهر الحقيقة.
نحن إذن أمام انتقادات غير مبنية – في معظمها – على حجج فنية.
رامي مالك يعزف منفردًا في BOHEMIAN RHAPSODY
BIRD BOX.. ظاهرة سينمائية أم مجرد فقاعة؟ | أمجد جمال | دقائق.نت
رغم الانقسام الظاهر، هناك إجماع على توهج رامي مالك، في انتصار على الشكوك التي أثيرت قبل عرض الفيلم؛ كونه ليس الأقرب شكلًا من ميركوري، لكنه عمل باجتهاد على الدور. قرأ وسمع الكثير عن فريدي، وجلس مع معظم من عاصروه. شاهد عشرات الساعات من حفلاته، وساعده الفريق التقني.
وبعيدًا عن الشكل والأداء، هناك شيء أعمق يربط ميركوري برامي، والأخير دائمًا ما يلمح بهذا الأمر في حواراته. كلاهمها ولد لأسرة ذات أصول شرقية فضلت الهجرة للغرب. الاثنان تعرضا لنوعين من الثقافة.
المثير للتفكير أن الأسرتين تنتميان لأقلية في بلديهما الأصليين؛ عائلة رامي المسيحية الأرثوذكسية، وعائة ميركوري الزرادشتية الهندية وسط أغلبية مسلمة في زنجبار، والأخيرة اضطرت للهروب بعد قيام ثورة تنكّل بفئة الهنود والعرب في “زنزبار”.
لهذا الأمر علاقة بعبارة Bismalah “بسم الله” في أغنية Bohemian Rhapsody، المتبوعة بجملة “we’ll never let you go” أو لن ندعك تمر، كُتب عنها مئات التفسيرات، واحد منها متعلق بنشأة ميركوري وتجربة الهجرة.
لا نعرف الكثير عن أسباب هجرة عائلة رامي من مصر، لكنه دائمًا يصرح بفخره بأصوله المصرية. في المرة الوحيدة التي تحدث رامي عن السياسة في حوار أجراه عام 2015، أبدى إعجابه بالرئيس السيسي؛ لأنه يتعامل مع الشعب تحت مظلة الوطن لا الدين. واضح أن هذا أكثر ما يشغل عائلة رامي وهي تتابع أخبار مصر عبر الفضائيات.
أثناء كتابة هذه السطور، تستعد فوكس لإعادة إطلاق مئات النسخ من الفيلم في الصالات الأمريكية بخاصية التفاعل بالغناء (Sing Along)، وهي عروض تمكن المتفرج من الغناء الجماعي مع فرقة Queen خلال الفيلم، مع توفير كلمات الأغاني lyrics على الشاشة مصاحبة للأحداث.
هذه الفكرة لم تأت من فراغ، بل واقع فرض نفسه. الغناء التفاعلي مع الفيلم داخل القاعات حدث بالفعل مع العروض السابقة للفيلم، دون الحاجة لنسخ مُعدلة؛ نقطة تحسب لمخرج الفيلم ولفرقة Queen نفسها، لن تستطيع منع نفسك من الغناء مع الفيلم.
الفيلم كله حالة من النوستالجيا الموسيقية، الوقائع لم تكن بأهمية استحضار روح العصر الذي عاشت به فرقة Queen، ومصادر الإلهام التي صنعوا بها أغانيهم، بطريقة حولت صالات السينما إلى مسارح غناء صغيرة، في فيلم كهذا الجمهور مشارك في التجربة، الجميع أبطال.
في العادة لا تُصنع أفلام السير الذاتية إلا بغرض التحية، والفيلم ناجح تمامًا في هذا الإطار، بجعله شخصية إشكالية مثل فريدي ميركوري محبوبة بعيدًا عن موسيقاها، وربما كان هذا الوقت المناسب لتقديم التحية.
والأهم أنه ضاعف شعبية ميركوري عند جيل الألفية الذي لم يعاصره، أغاني الفرقة حطمت الأرقام القياسية في نسب الاستماع والبحث.
Thank YOU for making #BohemianRhapsody the top trending song of 2018@Google #yearinsearch pic.twitter.com/1bsVPaOYYq
— Queen (@QueenWillRock) December 12, 2018
Queen’s “Bohemian Rhapsody” is now the most-streamed song of the 20th century, racking up more than 1.6 billion streams of the song and music video, according to Universal Music Group. https://t.co/uvF3L2y1vH
— NBC News (@NBCNews) December 12, 2018
تغريدة كتبتها نجمة البوب إلي جولدينج بكلمة “Mama” يمكنها شرح التأثير الثقافي الذي أحدثه الفيلم. ربما لم تقصد بها شيئَا، فإذ بمتابعيها يعلقون تلقائيَا ببقية كلمات أغنيةBohemian Rhapsody. الملاحظ أن معظمهم ينتمي لجيل الألفية.
السؤال: لو كتبت نفس التغريدة منذ عام من الآن هل كانت تتكرر ردود الفعل؟ لا نتحدث عن فيلم إذن، بل عن ظاهرة.
https://twitter.com/EllieG_Spain/status/1082009296131497984
المعروف أن جمهور السينما الرئيسي هم المراهقون والشباب، لكنك إذا قصدت سينما تعرض الفيلم ستفاجأ بتركيبة عمرية مختلفة ومتنوعة للحاضرين. بكلمات أوضح ستجد الفئة العمرية التي عاصرت ميركوري.
الإحصائيات تخبرنا بشيء فريد حول هذا الفيلم، فهو ثامن الإيرادات العالمية في عام 2018 بـ 743 مليون دولار، وهو رقم شديد الضخامة بالنسبة لفيلم درامي، وأعلى إيراد في تاريخ أفلام السيرة الذاتية الموسيقية، والفيلم الوحيد في قائمة العشرة الأوائل غير المنتمي لنوعيات الأبطال الخارقين والسلاسل والأكشن، التي نفهم أسباب تصدرها للإيرادات في كل عام.
وفق إحصائيات موقع Forbes، فالفيلم بات أنجح فيلم من فئة الدراما في التاريخ.
الإيرادات ليست معيارًا، نعم، لكن الفيلم يكسر القاعدة كونه ليس من النوعية التي تحقق تلك النسب من الإيرادات. للمرة الأولى فيلم للكبار يناطح أفلام المراهقين.
البعض يفضلونها نسوية في THE FAVOURITE | حاتم منصور | دقائق.نت
ROMA.. ذكريات “كوارون” المشوشة تضع نتفليكس في مشهد الجوائز
أحد أعظم أهداف الفن السينمائي أن ينقل المتفرج من واقعه وعالمه إلى عوالم أخرى. ربما يتحقق ذلك على مدار أحداث الفيلم، لكن ليس بقدر العشر دقائق الأخيرة، وتحديدًا حفل Live Aid.
لم يتفوق أي تتابع سينمائي في أي فيلم شاهدته في 2018 على هذا التتابع. هنا تعلن السينما عن سحرها الحقيقي، عن طبيعتها كعمل جماعي، المستوى التقني والإنتاجي والتمثيلي والصوتي.
أعادت فوكس بناء موقع يشبه استاد “ويمبلي”، ودعت مجاميعَا من محبي Queen للمشاركة، بجانب المؤثرات البصرية التي خلقت نوعًا جديدًا من الإبهار.
https://www.youtube.com/watch?v=-XqPBEODZ4s
هو إبهار استنساخ الماضي، ومنحنا الفرصة لنعيش واحدة من اللحظات التاريخية في عقد الثمانينيات، بزوايا فريدة عمن واقعوا الحدث على شاشات التلفزيون وقتها، زوايا بصرية، وموضوعية.
رأينا الأحداث بعين أخرى، عين أسرة فريدي، وحبيبته، وأصدقائه. كنا للمرة الأخيرة أبطالًا في هذه القصة.
الصلف النقدي في تناول هذا الفيلم ارتكب خطيئتين؛ الأولى فرض أجندة سياسية وإلزام مبدعين بما لم يلزموا أنفسهم به. والثانية، تجاهل أن السينما، لا تُصنع لغرض واحد، بل لمئات الأغراض التي قد يكون جميعها فنيًا ونبيلًا وجماليًا.