المقاهي الإنجليزية ، جامعات بيني(هيستوريك يو كيه)
تاريخ القهوة وكيف غيرت عالمنا(نيويورك تايمز)
لفترة طويلة، عاشت إثيوبيا منعزلة على نفسها في أفريقيا بسبب تمسكها بالمسيحية الأرثوذكسية، في وقتٍ حافظ فيه جيرانها على دياناتهم القديمة.
وبوصف المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون، "أحاط الأعداء بالإثيوبيين من كافة الأنحاء، لذا نام الإثيوبيون قرابة الألف عام، ناسين العالم الذي نسيهم".
هذا أخّر كثيرًا تعرّف العالم على مشروبهم المفضل (القهوة)، ومن قُدرتنا على معرفة التوقيت المُحدَّد لاكتشاف القهوة، وبقيت قصة "كالدي" تتناقلها كتب التاريخ كالأساطير دون قُدرة على تأريخها بدقة.
تغيرتْ الظروف التي عاشها الإثيوبيون، وأصبحوا دولة قوية عُرفت بِاسم الدولة الأكسومية، تخلوا عن التقوقع داخل حدودهم وانتشروا خارجها.
وفي القرن السادس الميلادي غزا الإثيوبيون اليمن، واستقروا فيها لمدة زادت عن الخمسين عامًا.
طوال هذه الفترة، لم يستطيعوا التخلي عن مشروبهم المفضل، فأقاموا مزارع البن على ضفاف جبال اليمن، وهي المزارع التي استمرَّ وجودها حتى بعد رحيل الأحباش عن جزيرة العرب.
أحبَّ عرب اليمن "المشروب الإثيوبي"، وأطلقوا عليه اسم "القهوة" المشتقة من الفعل "قها"، والذي يعني عدم الجوع؛ بسبب قُدرة المشروب على سدِّ الشهية وقمع الشعور بالجوع.
وحتى الآن، لا يزال بعض الأطباء يعتبرون القهوة أحد وسائل التخسيس الفعّالة.
مع دخول الإسلام إلى اليمن، أقبل الصوفية على استخدام القهوة كمشروبٍ يُساعدهم على التركيز لفتراتٍ طويلة تعينهم على أداء الصلوات والسهر لتلاوة الأذكار.
وعبر موسم الحجاج، تبادل المسلمون من شتّى الأنحاء الحديث عن القهوة، ولم يكد ينقضي القرن الخامس عشر ميلاديًّا، حتى انتشرت المقاهي في عواصم المنطقة؛ عام 1530م ظهر أول مقهى قهوة بالعالم في مدينة دمشق، حمل اسم "قهوة خانة"، وبعدها عرفت القسطنطينية أول مقهى على يد رجلٍ دمشقي، وبعدها تتالَى ظهور المقاهي في جميع أنحاء العالم.
امتلكت القهوة تأثيرًا سحريًا على من يشربها، زادت من تركيزه ومنحته طاقة لعقد الصفقات وإلقاء الشعر.
الأهم من كل هذا، أن كل هذه المزايا دون أي آثار جانبية تُذكر.
بسرعة قياسية، نالت القهوة شعبية كبيرة، وأصبحت المشروب الرسمي للاجتماعات؛ نشّطت من طاقتهم وحفّزتهم على التفكير، فكثرت أحاديثهم وتبادلوا وجهات النظر بشأن تصرفات الحكام، وامتلكوا طاقة ذهنية كافية للتطرّق إلى الممارسات السياسية العُليا التي لا يرضون عنها، حتى أنها أصبحت "مشروب المعارضة الأول" في بلاد الحجاز ضد دولة المماليك، وفي شرق أوروبا ضد العثمانيين.
ولهاذ كثرت الفتاوى التي صدرت من رجال الدين المقرّبين من السُلطة لتحريم القهوة بدعوى أنها "مشروب مغيّر للعقل"، وشُنَّت حربٌ على المقاهي وأُغلقت بقوة القانون باعتبارها "بؤرا لنشوء الثورات".
من الدولة العثمانية التي كانت تُسيطر على أجزاءٍ شاسعة من أوروبا بالفعل، كان سهلاً أن يتسرّب مشروب القهوة إلى النصف المسيحي من أوروبا.
في البداية، استقبل الأوروبيون القهوة بجفوة لمجرد أنها أتتهم من الأتراك، أعدائهم التاريخيين. وصفها الرحالة البريطاني جورج سانديز بـ"السخام الأسود"، كما أطلق عليها المتدينون المسيحيون "شراب الشيطان".
وهكذا استمرت القهوة شرابًا محرّمًا بلا أمر تحريم، وإنما بفعل ارتياب العامة من كل ما هو تركي، وهو الوضع الذي تغيّر في عهد البابا كليمنت الثاني، الذي طلب منه كهنته إبداء رأيٍّ في ذلك "الشراب الإسلامي"، والمفاجأة أن البابا أعجب جدًا بالقهوة من أول رشفة، وقال لكهنته: "لماذا نمنعه؟، هذا الشراب لذيذ جدًا، سيكون من المؤسف أن نسمح للكفار باستخدامه حصريًا.
سنخدع الشيطان بتعميده ونجعله مشروبًا مسيحيًا حقًا". ووافق على استخدام القهوة شريطة أن ترش بالماء المقدس قبل استخدامها.
----
رغم ذلك، بقي القهوة مشروبًا غريبًا على العقلية الأوروية، وكان يُعدّ ُضمن المواد نادرة التداول مثله مثل السكر والكاكاو، وهو ما تغيّر في خمسينيات القرن السادس عشر، حين بدأ الباعة الجائلون يبيعون القهوة في الشوارع الإيطالية، وفي العام 1683م افتتح أول مقهى في البندقية، وسريعًا انتشرت المقاهي في أنحاء أوروبا بعدما اعتُبرت مرادفًا للرفقة المريحة والمحادثات الممتعة الرائقة.
يعتبر الكثيرون، أن القهوة ساهمت بشكلٍ كبير في إيقاظ أوروبا من حالة السُكر العامة التي كانت تعاني منها، فبسبب تلوث معظم مصادر المياه وتسببها في جلب الأمراض الخطرة لشاربيها كالكوليرا، لجأ الأوروبيون إلى الكحوليات بديلاً لها.
لكن استخدام الكحوليات تراجع فور انتشار القهوة، كبديلٍ آمن وصحي يوفّر الدفء ويساعد على التركيز دون آثار سلبية.
أثارت هذه الخطوة العديد من حكام أوروبا، منهم على سبيل المثال فريدريك العظيم ملك ألمانيا، الذي أصدر بيانًا يقول فيه: "من المثير للاشمئزاز ملاحظة الزيادة في كمية القهوة التي يستخدمها شعبي، وكمية مماثلة من الأموال التي تخرج من البلاد نتيجة لذلك. يجب أن يشرب شعبي الجعة. نشأ جلالة الملك على البيرة، وكذلك كان أسلافه".
أعقب هذا البيان، تحريم فريدريك لتحميص القهوة، فلجأ الناس إلى السوق السرّي، وبات تهريب حبوب القهوة وتحميصها، سرًّا، نشاطًا رائجًا في ألمانيا، وربما كان سبب هذا التحريم أن الملك الألماني شأنه شأن الحكام العرب في مصر وتركيا خافوا من التأثير الثوري للقهوة، وهو ما عبّر عنه ويليام أوكرز في كتابه "كل شيء عن القهوة All About Coffee": "أينما تم تقديم القهوة، أتت الثورة. لقد كان المشروب الأكثر تغييرًا في العالم لأنه جعل الناس يفكرون، وعندما بدأ الناس يفكرون، أصبحوا خطرين على الطغاة".
فيما وصف المؤرخ الفرنسي ميشليهMichelet ظهور القهوة بأنه "ثورة ميمونة في ذلك الوقت، إنه الحدث العظيم الذي خلق عادات جديدة، وجعل مزاج البشر أكثر اعتدالًا".
وهكذا بمرور الوقت حلّت المقاهي كبديل للبارات، ما قلل من معدلات استهلاك الكحول وسط المفكرين، ووفرت مكانًا للمحادثة الفعالة والإبداع الذهني. تجمع الناس حول مشروب يجعلهم يقظين أدى لنهضة فكرية غيرت وجه أوروبا بالكامل.
---
لم يكد عام 1700م ينقضي، إلا بعد امتلاك لندن ما يزيد عن ألفي مقهى.
اجتذبت المقاهي البريطانية الزبائن، ليست فقط بسبب روعة مشروباتها، ولكن للخدمات المعرفية التي تقدمها، فأصبح يُطلق عليها اسم جامعات البنسpenny university، لأنه مقابل سعر زهيد يمكن للمرء شراء فنجان من القهوة والجلوس لساعات للاستماع إلى محادثات المختصين في مجالات عدة، يمكن استشارة الأطباء ورجال الدين والأدباء، والتجار والسياسيين.
قدّمتْ المقاهي أول مكان للقاء تساوت فيه الطبقات في إنجلترا، وسمحت لكل شخص أن يتحدث مع زملائه في المائدة سواء كان يعرفهم أم لا.
------
ومع دخول أوروبا عصر الثورة الصناعية، زادت شعبية القهوة بين صفوف الناس، بعدما ظهر "نظام المصنع"، وبات على الناس تخصيص شطرٍ كبيرٍ من أوقاتهم للعمل، وهو ما اضطرهم للاعتماد أكثر على القهوة لسد الجوع بدلاً من الأطعمة التي لا يمتلكون وقتًا لإعداد وجباتها
كتب أحد المؤرخين: "يجلس العمال بلا انقطاع في أنوالهم، من أجل كسب البنسات القليلة اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، لم يكن لدى [العمال] وقت للإعداد المطول لوجبة منتصف النهار أو المساء. وشربوا القهوة كوجبة تهدأ من آلام الجوع لفترة وجيزة على الأقل." وأصبحت قهوة الصباح جزءًا أساسيًا من وجبة الإفطار للعامل اليومي، ولا تزال حتى اليوم.
أصل القهوة: كالدي والماعز الراقص (Coffee Crossroads)
هل الكافيين يساعد في إنقاص الوزن؟(مايو كلينك)
كانت القهوة “مشروب الشيطان” حتى جربها أحد الباباوات وغير التاريخ (history hustle)
لماذا جامعة بيني؟ (بيني يونيفرسيتي كافيه)
المقاهي الإنجليزية ، جامعات بيني(هيستوريك يو كيه)
أكسوم (موسوعة بريتانيكا)