باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
يوم عرفة من أهم المواسم الإسلامية؛ إذ يشهد أكبر اجتماع للمسلمين سنويًا في مكان واحد. الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم الذي يجمع الحجاج من شتى بقاع الأرض، وهو الركن الذي لا يصح الحج بدونه.
بالنسبة لغير الحجاج، فقد مضى العمل لدى المذاهب الإسلامية على سنية صيامه. الدليل الأساسي الذي يستند عليه صوم يوم عرفة هو حديث في صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي محمد قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
والحديث برغم وجوده في صحيح مسلم، إلا أن البخاري حكم بضعفه، في واحدة من مسائل الخلاف النادرة بين البخاري ومسلم.
تضعيف البخاري للحديث جاء في كتاب التاريخ الصغير، حيث قال إن عبد الله بن معبد، راوي الحديث عن الصحابي أبي قتادة لم يسمع منه، وجزم في تاريخه بعدم صحته لانقطاع السند بين عبد الله بن معبد وأبي قتادة.
ما يدعم قول البخاري هنا أنه لم يثبت عن الرسول صيام يوم عرفة. حيث روى البخاري نفسه في صحيحه عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: ما رأيت رسول الله صائماً في العشر قط. والعشر تشمل يوم عرفة. وهو ما يؤكد أن البخاري لم يكتف بإنكار صحة الحديث، بل كان يرى عدم جواز صيامه.
وراويا الحديث أبو قتادة وعبد الله بن معبد أنصاريان من الخزرج، مما يثير إشكالًا حول مدى تأثرهما بيهود يثرب في مسألة عرفة وتكفيره للذنوب السابقة واللاحقة، كما سنبين.
يوم كيبور هو عيد يهودي استغفر فيه بنو إسرائيل ربهم في البرية في صحراء سيناء عن خطيئة عبادة العجل، حين نزل موسى من جبل سيناء للمرة الثانية، ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن لأتباعه أن الرب غفر لهم خطيئتهم.
وفي الرواية الإسلامية، أنه اليوم الذي استغفر فيه آدم عن ذنبه في صحراء عرفات.
أما دينيًا، فيتشابه يوم عرفة مع يوم كيبور في خمسة أمور:
يوم الغفران هو أهم عيد عند اليهود، مرتبط عندهم بالبكاء والدعاء والاستغفار في مجموعات تتشابه مع مظهر الحجيج في يوم عرفة.
جرى عمل المسلمين على صيام يوم عرفة ووصل الفقهاء بصيامه إلى رتبة السنة المؤكدة. وصيام يوم كيبور عند اليهود فريضة. هو اليوم الوحيد الواجب صيامه عندهم.
يوم كيبور بحسب التقليد اليهودي هو يوم الحساب السنوي للأعمال السابقة، وتحديد مصير السنة اللاحقة. وعند المسلمين يوم عرفة ترفع فيه الأعمال، ويكفر ذنوب سنة سابقة وسنة لاحقة، كما في حديث مسلم.
يوم كيبور يأتي في ختام أيام التوبة العشرة عند اليهود، وهي تتشابه مع العشر الاوائل من ذي الحجة التي تنتهي بعيد الأضحي.
حيث يحرم على اليهود ارتداء الحذاء المصنوع من الجلد، والتطيب، والاغتسال والمعاشرة الجنسية، وإشعال النار. وعند المسلمين لا يستحب فيها التطيب وحلق الشعر والظفر.
بحسب الطقوس اليهودية، جرى العمل تاريخيًا عند اليهود على أن يقوم الكاهن الأعظم في يوم الغفران بذبح كبشين (قربانًا للإله نيابة عن كل جماعة يسرائيل) وهو يرتدي رداءً أبيض وهو ما يتشابه بشكل لافت مع ما ورد عن الرسول في الصحيحين أنه كان يوم العيد يضحي بكبشين أملحين أقرنين.
مظاهرات البراءة | بين الخميني والنبي محمد.. كيف تسللت السياسة إلى مواسم الحج ؟ | هاني عمارة
موضوعات متعلقة
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
نسخة للطباعة