إذا سألت نفسك أي خط دفاع أول احتمت به الأطقم الطبية وكذلك المواطنون حين داهمنا فيروس كورونا الجديد.. ستكون الاجابة فورًا: كمامة الوجه N95.

تلك الكمامة ابتكرتها وأنتجتها و شركة 3M، لا مكتب تخطيط الاحتياجات الطبية بوزارة التخطيط في أية دولة اشتراكية. 

انظر أيضًا كيف استطاع العالم النجاة حتى الآن. ستجد أن التكنولوجيا الطبية في غالبيتها العظمى إن لم يكن كلها تعود لشركات خاصة.

ثم انظر كيف استطاع العالم خلال أسابيع تطوير كواشف سريعة للفيروس.. كلها من إنتاج شركات خاصة تستهدف الربح. 

كذلك الحال بالنسبة للسباق المحموم للوصول إلى علاج ولقاح للفيروس، معظمه بين شركات ومعامل خاصة في دول رأسمالية. 

انظر حولك أيضًا: كيف أن التواصل بيننا لا يزال ممكنًا.. بمقدورنا أداء الأعمال، وأسواق المال لا تزال تعمل، والتجارة الالكترونية تزدهر، ومعها قطاعات عديدة، رغم عنف الجائحة و الإغلاق الكبير للأعمال.

ما سبق كله نتيجة الشبكة المذهلة شديدة التعقيد من العرض والطلب، ومنظومة السعر التي تخلق التعاون الطوعي.. أو باختصار: “الرأسمالية”.  

وفي النهاية، أصيب العالم بجائحة كورونا بالأساس نتيجة التعتيم والتضليل، وهو الممارسة المعيارية للانظمة الاشتراكية، أما من ينقذه الآن الآن، فهو التنافسية والمبادرة الفردية، والسعي لتحقيق الربح، أو منظومة القيم الرأسمالية.

هل نجحت الرأسمالية في محاربة كورونا؟
سؤال مركب، يحتاج للكثير من التفكير، ليس لصعوبته، لكن لأنه سؤال كبير يحتاج أن نجيب على عدد من الأسئلة قبل أن نطرحه.

يمكن أن نفكر في السؤال على مستوى الدول، وعندها يمكن أن نجيب إجابات أقل عمومية.

في رأيي أن الرأسمالية فشلت بالطبع في محاربة كورونا. وأوجه فشلها كالتالي:

* فشل النظم الصحية في الاستجابة للحدث الطارئ، حتي في الدول المتقدمة، والتي يزيد فيها الانفاق علي الصحة كنسبة من الناتج المحلي. يعني ذلك أنه على الرغم من الاحتمالية الكبيرة لحدوث الأوبئة في عالم اليوم، إلا أن الانفاق على المكافحة المبكرة والاحتواء المبكر للوباء ضعيف.

* نشأة الوباء نفسه والأوبئة السابقة كانت جزءًا من هيكل الإنتاج الرأسمالي الحالي، المدمر للبيئة، سواء الذي استغل الحيوانات البرية في الصين وجمعها في أسواق، أو الذي جاء بفيروسات مثل أنفلونزا الخنازير والطيور بفعل طرق الإنتاج الصناعي المكثف للغذاء، وتوفير البيئة الحاضنة للفيروسات لتنتشر وتتحور بشكل متسارع بفعل اكتظاظ الأعداد.

* جزء أخر من الفشل هو الفشل المركب في إنتاج لقاحات لفيروسات سابقة من نفس العائلة الفيروسية مثل ميرس. تبدو تلك المشكلة مركبة لحد كبير؛ فشركات الإنتاج الدوائي تفضل في أحيان كثيرة العمل علي إنتاج الأدوية التجارية التي تمثل النسبة الأكبر من مبيعات تلك الشركات (المسكنات – أدوية الأمراض غير السارية). بالتالي تعوض تلك الشركات إنفاقها على البحث والتطوير من خلال مبيعات تلك الأدوية، لكن في حالة اللقاحات والأمصال التي تستخدم لمرة واحدة، فثمة غياب لحافز الربح، بالتالي غياب للاستثمار الازم في تطوير مثل تلك اللقاحات، ما جعل اللحظة الحالية، والتي تتسابق فيها الشركات على إنتاج اللقاح، غير ممكنة إلا بوجود الدعم الحكومي.

سؤال هل فشلت الرأسمالية في مواجهة أزمة كورونا يفترض بين ما يفترض أن أنظمة اقتصادية أخرى نجحت في التصدي للأزمة. وهي مقولة غير صحيحة لسببين: 

أولًا: لأن الأزمة ما زالت قائمة بشكل عالمي، و كل ما قيل عن نجاح الصين في إنهائها لم يتأكد، وهو أقرب للبروباجاندا منه للحقائق الدامغة. 

ثانيًا: لا نستطيع أن تقول بثقة أنه يوجد نظام اقتصادي واجتماعي قائم في العالم حاليًا غير النظام الرأسمالي. حتى الصين التي تدعي أنها شيوعية، هي دولة تطبق نموذجًا مشوهًا ومقيدًا من الرأسمالية، ولا تطبق الأيدلوجيا التي تدعي أنها قامت على أساسها.

من ناحية أخرى، نجد أن محاولة إيجاد دواء أو لقاح مضاد لفيروس كورونا هو مجهود تقوم به شركات الأدوية العملاقة بشكل أساسي، وليست الحكومات مثلًا، وتشترك فيه معاهد الأبحاث التي تمول بشكل أساسي من الشركات أيضًا.

الاقتصاد الرأسمالي هو من يقف في خط المواجهة الأول حاليًا.

وبالنسبة لعدم قدرة النظام الصحي على الصمود أمام موجات العدوى الأولى، وعدم كفاية أسرة الرعاية المركزة وأسرة المستشفيات بشكل عام، فسبب ذلك أن عدد الاسرة وجميع أرقام الرعاية الصحية تم حسابها اكتواريًا على حسب عدد الحالات المرضية التي تحتاجها المجتمعات سنويًا. وكان ذلك ناجحًا للغاية لعشرات السنين، أما وقد ظهر هذا الفيروس الجديد، فقد تغيرت المعادلات مما جعل كل الدول تغير معادلاتها الاكتوارية بناءًا على ذلك، المسألة حسابية لا أكثر ولا أقل، ولا تحتمل أدلچتها بهذا الشكل. 

الميزة في النظام الرأسمالي تتمثل في كونه نظامًا مرنًا وليس أيدلوچيًا دوجمائيًا. و مرونته هذه تترجم إلى تطور مستمر وتعديل للمسارات حسب ما يستجد من مشكلات و عقبات. وهذا ما سيحدث في رأيي.

لا يمكن الحكم بفشل الرأسمالية بشكل كامل في التعامل مع كورونا. لكن انتشار الوباء راجع إلى النمط الرأسمالي بشكل رئيسي.

على سبيل المثال، أنماط الزراعة الراسمالية في الصين، والقائمة على المزارع الكبيرة المغلقة، والتي تجمع الحيوانات البرية مع الطيور في وجود البشر، ساهمت في خلق بيئة خصبة لظهور الفيروسات وانتشارها. فلولا حرية التجارة وحرية التنقل لما كان انتشر الفيروس.

إضافة إلى ذلك، فالنمط النيوليبرالي المتصاعد في السنوات الأخيرة كان يرفض تمويل مراكز الأبحاث لتطوير قدراتها على البحث والتنبؤ بالفيروسات والأوبئة، وهو ما حدث مع نهاية موجات سارس والإيبولا، في منطق أناني بدائي تساهم الرأسمالية في زيادته.

الرأسمالية لم تنجح كلية أو تفشل كلية في التعامل مع أزمة كورونا. الدول الغنية استطاعت التعامل مع الأزمة بسبب مواردها التي استطاعت المواجهة بها، وبسبب أنظمة الرعاية الصحية المتماسكة. على سبيل المثال، كان لديها خطط وأموال كافية لتحفيز الاقتصاد.

الولايات المتحدة مثلًا ضخت 2.5 تريليون دولار، وألمانيا ضخت 800 مليار دولار، وكندا 760 مليار دولار. ولديهم خطط وتصورات للتعامل في مرحلة مع بعد الأزمة.

المشكلة تظهر في الدول الفقيرة، التي لا تمتلك خططًا لتحفيز الاقتصاد أو أموالًا للإنفاق عليها، لكنها ما زالت تجتهد.

المسألة في مواجهة كورونا هنا تتعلق بالأموال والخطط للتعامل مع الأزمة، وقد تكون تلك السلبية الوحيدة في تعامل الرأسمالية مع الأزمة، لكنها للدول الفقيرة فقط.