عندما استولى الرومان على الإسكندرية المصرية في سنة 30 قبل الميلاد، صدموا من حجم الكنوز في مصر القديمة. أغسطس أعلن نفسه "ملك مصر" أي أنه نصب نفسه ملكًا شرعيًا للبلاد، دون أن يهتم بكون الرومان - الجمهورية - يحملون عداء صريحا للقب "ملك".
لتأكيد سلطته الجديدة، أمر أغسطس بنقل رموز السلطة المصرية عبر البحر إلى روما، وأولها مسلتان من هليوبوليس في 10 ق.م،
مجهود جبار بمقاييس ذلك الوقت.
المسلة الأولى نصبت في Solarium Augusti "مزولة أغسطس" لتكون مزولة عملاقة مع تركيب علامات الأبراج الفلكية على قاعدة ضخمة بشكل يبرز عيد ميلاد أغسطس قيصر نفسه. والهدف كان واضحًا: "أغسطس نقل مركز القوة من حضارة عظيمة لأخرى".
هناك رسالة أخرى من استخدام المسلة كمزولة، ففي ذلك العصر كان من يملك تحديد الوقت والزمن ويتحكم في التقويم هو من يملك السلطة حقًا.
المسلة الأخرى نصبت في سيرك ماكسيموس في روما "الآن تستقر في بيازا ديل بوبولو".
سبب وضع المسلة في سيرك ماكسيموس هو أن هذا السيرك كان مركز الحياة العامة في روما عندما تتجمع كل طبقات الشعب الروماني لمشاهدة سباقات عربات الخيول.
لم تتوقف عمليات نقل المسلات المصرية بعدها: 6 مسلات أخرى نقلت إلى روما في عصور أباطرة أخرين منها 5 مسلات نصبت هناك.
وحاليًا، هناك 13 مسلة في إيطاليا الأمر الذي يجعلها تملك أكبر عدد من المسلات في العالم بينما في مصر حوالي 5 فقط.
مع انتشار المسيحية وتولي قسطنطين الأول الحكم كأول إمبراطور مسيحي، أصبحت عملية نقل المسلات أكثر جرأة، فقنسطنطين تجرأ على ما لم يفعله أغسطس وهو نزع المسلة من قاعدتها الأصلية بمنتصف معبد إله الشمس ونقلها إلى الإسكندرية.
بالنسبة لقنسطنطين المسيحي، لا يجب احترام آلهة "وثنية"، والمسلات بالنسبة له كانت مجرد تحفة أو دليلًا على ثراء وفخر الإمبراطورية وليس مركز سلطة أو شرعية لحكم.
قبل وفاته، أراد نقل مسلتين خارج مصر، لكنه مات قبل نقلهما.. فأكمل ابنه كونستانتيوس الثاني مهمة أبيه الذي يشاركه احتقار "الوثنية"، فنقل المسلة الأولى من الإسكندرية إلى روما ونصبها في سيرك ماكسيموس؛ لتكون مسلته أطول من المسلة التي نصبها هناك أغسطس قيصر.
الرومان كانوا أول من نقل المسلات إلى خارج مصر. لكن الهوس انتقل للفرنسيين والبريطانيين بعد اكتشاف حجر رشيد عندما تسببت الحملة الفرنسية في تحويل الاهتمام إلى مصر وبنظرة جديدة.
في القرن التاسع عشر، حصلت فرنسا على هدية من محمد علي باشا، عبارة عن مسلتين كانتا منصوبتين أمام معبد الكرنك.
في ذلك الوقت كانت فرنسا القوة العظمى التي يريد محمد علي التقرب منها، وتكلفة عملية نقل المسلة 2.5 مليون دولار وفترة أكثر من عامين لنقل المسلة.
تأخر النقل سنة لأن المشرفين كانوا ينتظرون الفيضان لنقل المسلة بالمراكب إلى الإسكندرية ثم غادرت المسلة على البارجة الفرنسية Le Louqsor إلى تولون بجنوب فرنسا في 1832 ثم انتقلت عبر المحيط الأطلني إلي شمال فرنسا ثم رست في شيربور ليتم نقلها عبر نهر السين وتصل باريس في 1833 وفي استقبالها الملك لويس فيليب الثاني.
والآن تستقر المسلة في ميدان الكونكورد في نفس المكان الذي شهد إعدام ماري أنطوانيت.
وبسبب التكلفة المهولة في نقل المسلة الأولى، لم يحاول الفرنسيون نقل المسلة الثانية التي بقيت في معبد الكرنك.
في القرن التالي أرادت الحكومة المصرية استكمال سياسة هدايا المسلات التي دشنها محمد علي، عبر نقل مسلتين من الإسكندرية عرفتا باسم "إبرة كليوباترا" بشرط أن من يريد المسلتين عليه تحمل تكلفة نقلهما مثلما فعلت فرنسا.
الأولى ذهبت لبريطانيا، والثانية جذبت انتباه الملياردير الأمريكي وليام فاندربيلت الذي عرض التبرع بتكلفة نقل المسلة أيًا كانت التكلفة وكان تصرفه شبيها بالهوس الروماني القديم حيث قال "إذا كانت لندن وباريس لديهما مسلة، فنيويورك يلزمها واحدة أيضًا".
النظرة هنا أن اقتناء مسلة دليل على أنك دولة عظمى، وأمريكا تريد أن تكون دولة عظمى وليست أقل من القوى القديمة.
وفي يناير 1881 كانت إبرة كليوباترا أخر مسلة يتم نقلها خارج مصر لتنصب في سنترال بارك بنيويورك ، والآن تستقر خلف متحف متروبوليتان للفنون
لكنها ليست أشهر مسلة في أمريكا مع ذلك، لأنه وبعد الانبهار الذي حققته مسلة إبرة كليوباترا، قررت أمريكا بناء مسلة خاصة بها لتكريم جورج واشنطن في 1848 عرفت باسم نصب واشنطن.
رمز سلطة أو شرعية أو رمز على قوة إمبراطورية، كانت هذه نظرة قوى أجنبية للمسلات المصرية، لكن بالنسبة للمصريين القدامى أنفسهم لا توجد لدينا إجابة قاطعة.
المؤرخ الروماني بليني الأكبر يقول إن ملكًا مصريًا من أوائل حكام مصر يدعى مسفرس أمر ببناء أول المسلات لتكون تكريمًا لإله الشمس رمزيا بينما وظيفتها العملية هي تقسيم ساعات النهار بناء على حركة الظل.
بينما الملوك المصريين في العصور التالية كانوا يقومون ببناء المسلات كطموح شخصي وفي نفس الوقت كتكريم لإله الشمس.
الجانب الطموح هنا أو سبب تميز المسلة المصرية كان طريقة البناء لأنها مستخرجة من قطعة حجر واحدة يتم نحتها من محاجر قرب أسوان، حيث هناك بالفعل مسلة غير مكتملة.
الملكة حتشبسوت أمرت ببناء مسلتين كبيرتين خلال فترة حكمها. في عرض لقوتها، وعرضتهما على طول نهر النيل قبل تثبيتهما في الكرنك.
مسلات في المنفى: الهوس الروماني بالمسلات المصرية (The Collector)