باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
ثلاث شخصيات رئيسية تظهر في أحاديث علامات الساعة وأحداث آخر الزمان في المرويات الإسلامية: المهدي المنتظر – المسيح عيسى بن مريم – المسيح الدجال.
ملخص الأحداث أن المهدي المنتظر يظهر في آخر الزمان بعد فترة اضطرابات، فيملأ الأرض عدلًا، لكن المسيح الدجال يظهر من الشرق، فيأتي بالمعجزات. وحين يقترب من القدس ينزل المسيح عيسى بن مريم وينتصر جيش المهدي، ويقتل المسيخ الدجال فيعم السلام إلى ما قبل قيام الساعة.
غير أنه من يقف على غالب المرويات يجد تفاصيل متناقضة في بعض الأحداث.
هنا نحاول تحليل تطور تلك الشخصيات تبعًا لتطور الأحداث وما استدعته من نبوءات.
المسيح مصطلح يهودي يعني الممسوح بالزيت. وهو طقس يهودي في تنصيب الملوك في الهيكل.
وفي فترة ضعف اليهود وانهيار مملكتهم، ظهر بينهم معتقد الملك اليهودي المنتظر أو “الماشيح” الذي سيأتي لتخليصهم من العبودية في آخر الزمان، ويقيم مملكة داوود وفق النصوص الواردة في عدد من الأسفار والمدونات اليهودية.
استقرار هذا المعتقد دفع عديدين من اليهود لادعاء أنهم المسيح المنتظر على فترات متفرقة، لكن حكماء اليهود لم يسلموا لهم بذلك.
المسيح خارج الأناجيل: كيف تخيل الروائيون شخص يسوع الإنساني؟ | مارك أمجد
ثم كان الانشقاق الأكبر في زمن الرومان في القدس، حيث ظهر يهودي يدعى يسوع (سيعرف لاحقًا في الإسلام باسم عيسى) ليقول إنه المسيح المنتظر المبشر به.
نتج عن ذلك ولادة المسيحية من رحم اليهودية. ثم تأصل العداء بين المسيحيين واليهود بعد تبني الرومان للديانة المسيحية واضطهاد اليهود الذين اتجه معظمهم إلى الشرق في مملكة فارس والجنوب.
ونظرًا لاستمرار انتظار اليهود لمسيحهم مع تكرار ظهور المسحاء المدعين، ترسخ في العقيدة المسيحية نبوءة المسيح الكاذب في مقابل المسيح الصادق يسوع، الذي سيعود مرة في آخر الزمان كما في رؤيا يوحنا اللاهوتي.
الوجودية المسيحية بين بولس ونجيب محفوظ: قراءة في رواية “الطريق” | مينا منير
كانت ذروة النبوءات في الحرب العالمية بين الفرس والروم، والتي كانت في خلفيتها حرب نبوءات بين اليهود الذين كانوا ينتظرون مسيحهم، والمسيحيين الذين كان ينتظرون المجيء الثاني للمسيح.
ومع تصاعد الحرب في القرنين السادس والسابع وانتصار الفرس ودخول بيت المقدس في القرن السابع، كتبت النبوءات باعتبارها حرب آخر الزمان، واقتراب ظهور مسيح اليهود المخلص، ليظهر في مقابلها نبوءات لمسيحيين عن اقتراب عودة المسيح والتبشير بعودة القدس، وهو ما حدث بانتصار هرقل على ملك الفرس الدموي شهربراز.
بين ميدان رابعة وأورشليم.. المعركة الأخيرة وما بعدها | مينا منير
في ذروة تلك الأحداث، ظهر النبي محمد. وقد لوحظ أن كثيرا من المرويات الإسلامية بشأن المهدي المنتظر الذي يسبق نزول المسيح مأخوذة من سيرته من حيث قيامه في مكه ومحاولته دخول بيت المقدس من خلال غزوة مؤتة وتبوك، ومحاولة غزو الكعبة على يد ملك حبشي آخر الزمان.
واعتقد عدد من أصحابه أن ابن صياد اليهودي هو المسيح الدجال وقال أحدهم – وهو تميم الداري – إنه شاهد الدابة إحدى علامات الساعة المذكورة في القرآن.
ولما توفي النبي محمد رثاه حسان بن ثابت بأبيات واصفًا إياه بالمهدي:
ما بالُ عَيني لا تَنامُ كَأَنَّما كُحِلَت مَآقيها بِكُحلِ الأَرمَدِ
جَزَعاً عَلى المَهدِيِّ أَصبَحَ ثاوِيًا يا خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعُ
وانطباق الكثير من مرويات المهدي المنتظر اللاحقة على النبي محمد يدعم فرضية أن لها مصدرا مسيحيا سابقا لزمانه.
عاشوراء السني.. ولغز انتصار موسى على فرعون
وفي زمن عبد الله بن الزبير، تطورت المرويات، وانطبقت عليه الكثير من أحاديث المهدي المنتظر من ظهوره في مكة، وحكمه تسع سنين، وقتاله مع السفياني الذي أخواله من كلب، وهو الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمه من قبيلة كلب.
أما عدوه في المشرق، فكان المختار ابن أبي عبيد الثقفي الذي يوصف في النبوءات في الأحاديث السنية بأنه كذاب ودجال، ولعل أحاديث التبشير بعدم دخول المسيخ الدجال مكة كانت بشرى في زمن ابن الزبير بعدم انتصار المختار الدجال ودخوله مكة، حيث أن ابن الزبير انتصر عليه وقتله في العراق.
وفي الثورة العباسية ضد الأمويين، انتشرت وتطورت أحاديث المهدي المنتظر بين الفريقين العلوي والعباسي.
حيث كان شعار الثورة البيعة للرضا من آل محمد بدون تعيين، ثم انتصر العباسيون، بينما قاد العلويون الثورة من الحجاز بقيادة النفس الزكية الذي فصلت عليه الكثير من أحاديث المهدي المنتظر. ثم أعلن دولته بالحجاز، حيث كان يسيطر على المدينة ومكة، واسمه محمد بن عبد الله، ومن ولد فاطمة من نسل الحسن، ويقاتل جيش الرايات السود.
ألغاز تراثية (2): أثر الصراع العباسي العلوي في صياغة فقه المواريث
شيوع أحاديث المهدي المنتظر محمد بن عبد الله بين العوام وانتظارهم له دفعت أبا جعفر المنصور إلى أن يتسمى بعبد الله و يسمي ابنه محمد، ويعهد إليه بولاية العهد، ليكون محمد بن عبد الله المهدي، ثالث الخلفاء العباسيين، الذي ذاع بين العوام أنه المهدي المنتظر. وعملت دعايات السلطة العباسية وقتها على بث هذا الاعتقاد ودعمه بالمرويات وحربه الدينية المقدسة على الزنادقة.
وبعد أن تولى المهدي الحكم، قامت ثورة عظيمة في فارس وخرسان بقيادة شخص يدعى حكيم، ويلقب بالمقنع؛ لأنه كان يرتدى قناعًا ذهبيًا يداري قبحه لأنه أعور، وكان ساحرًا يأتي بالمعجزات.
وبحسب المؤرخين المسلمين، فإنه ادعى الألوهية، وفتن به خلق كثير وانضموا له، وأعلن الحرب على العباسيين. يبدو أن هذا كان منطلق المرويات الكثيرة في معجزات المسيح الدجال وكونه أعور العين دعاية عباسية مضادة، ثم انتصر عليه جيش المهدي وقتله.
وينطبق كذلك على الخليفة المهدي العديد من علامات المهدي المنتظر الذي يحكم في سن الثلاثين، ويعيش في الأرض أربعين سنة، وينتصر على المسيح الدجال الأعور القادم من الشرق، وبعد موته يقتتل ولداه، وهو ما حدث بين موسى الهادي وهارون الرشيد.
نصارى جزيرة العرب | هل تأثر النبي محمد بالمسيحية النسطورية؟ | حيدر راشد | دقائق.نت