في 1967، رصد الأطباء إحدى أغرب حالات الموت. فتاة في الـ 22، دخلت مستشفى بالتيمور الأمريكية، تشكو ضيق التنفس وآلام الصدر والغثيان والدوخة. لكنها طلبت من طبيبها ألا يبذل مجهودًا كبيرًا لأنها ستموت لا محالة.
نفس الفتاة كانت في أفضل صحة قبل أيام فقط.. مشكلتها الوحيدة أنها كانت تقترب من عيد ميلادها الثالث والعشرين! بحلول هذا العام، كانت بانتظار تحقق نبؤة قابلة ساعدت والدتها على ولادتها، مع سيدتين أخريين في نفس اليوم.
تبنأت القابلة أن الفتيات الثلاث تعرضن لتأثير سحر، وأن واحدة من المولودات في هذا اليوم ستموت قبل السادسة عشر، والثانية قبل أن تكمل 21 عامًا، والثالثة قبل سن الـ 23.
ماتت الطفلة الأولى في العمر المحدد، والثانية كذلك، فشعرت الثالثة أنها ستموت. بالتالي تدهورت حالتها الصحية ودخلت المستشفى، وماتت بالفعل قبل عيد ميلادها الثالث والعشرين.
المفاجأة أن حالة الفتاة لم تكن الأولى من نوعها ولا الأخيرة.
أول من حاول تفسير ظاهرة الموت المفاجئ بتلك التفاصيل كان والتر كانون في عام 1942، حيث أجرى بحثًا بعنوان "موت الفودو"، وأطلق على هذه الحوادث متلازمة "القتال أو الهروب".
في بحثه، قدم كانون أمثلة من جميع أنحاء العالم لأشخاص يموتون بسبب التنمر أو القهر، وعارض في بحثه معاصريه الذين كانوا يرون أن هذه الظاهرة بسبب فرط النشاط العقلي، حيث كان مقتنعًا بوجود جانب بيولوجي لها.
ووصل إلى فكرة ملخصها أنها عندما يواجه البشر تهديدًا، فإنهم يتعاملون معه عقليا بإحدى طريقتين، إما المواجهة وجهًا لوجه لهزيمته، أو محاولة الهروب منه، وهو ما يُعرف باسم "التأقلم النشط"،
لم تؤخذ أفكار كانون على محمل الجد، حتى أعاد عالم النفس البريطاني جون ليتش، البحث في الظاهرة: هل يسبب اليأس الموت؟
في 2016، ركز على العلاقة بين قشرة الفص الجبهي للمخ والعقد القاعدية، والطريقة التي ينتج بها الدوبامين.
وأضاف إلى خياري كانون خيارًا ثالثًا: "التجميد" أو "المواجهة السلبية"، والذي يحدث عندما يُنظر إلى التهديد على أنه لا مفر منه، فيحاول الكائن الحي الحفاظ على الطاقة حتى يمر التهديد.
في بعض الأحيان لا يمر التهديد، فيفقد الشخص الأمل في الهروب، فتمنع قشرة الفص الجبهي إنتاج الدوبامين في العقد القاعدية، ويصل إلى مستوى أدنى بكثير من المستوى الوظيفي، وهو ما يسبب اليأس.
وإذا استمر شعور اليأس مدة طويلة، فقد يصبح من المستحيل إعادة إنتاج الدوبامين.
عندما يتوقف إنتاج الدوبامين، يدخل الشخص "دوامة فك الارتباط" التي تتكون من خمس مراحل:
1. الانسحاب الاجتماعي: بعد الصدمة، يبدأ الفرد في الانسحاب، مما يظهر قصورًا في المشاعر.
2- اللامبالاة: يمكن اعتبار هذا موتًا عاطفيًا، أوحزنًا معنويًا محبطًا، وفي هذه المرحلة لا يسعى الشخص للحفاظ على حياته.
3- أبوليا: هنا، يفقتر الشخص إلى المبادرة، وتغيب القدرة على اتخاذ القرارات، لذلك يرفض أن يتكلم أو يغتسل أو يأكل، فهو لا يستطيع تحفيز نفسه، ولكنه يعتمد كليًا على الآخرين في التحفيز.
4. أكينيسيا: حالة من اللامبالاة الشديدة، حيث لا يزال الشخص واعياً ولكنه غير مدرك حتى للألم الحاد.
5. الموت النفسي: في هذه المرحلة يتفكك الإنسان ذاتيًا، ويحدث له زيادة مفاجئة في السلوك الموجه نحو الهدف، ويكون الهدف هو التخلي عن الحياة.
معظم الناس الذين يدخلون في دوامة فك الارتباط يخرجون منها قبل أن يصلوا إلى المرحلة الخامسة، فبعضهم يستوعب ما يحدث حوله ويتكيف مع الوضع الجديد.
لكن هناك قلة تجد نفسها في المرحلة الخامسة، ويبدأون في توديع الآخرين،
بعضهم يخدع من حوله بفترة انتعاش وجيزة يظهر فيها أنه وجد هدفًا آخيرًا لمعاناته، لكنه لا يخبرهم أنه الموت.
الموت النفسي.. ظاهرة التفكير في نفسك حتى الموت (salon)
ما هو الموت النفسي؟ (Medical News Bulletin)