البحث عن تاريخ تأسيس روسيا غالبًا ما يبدأ بنفس القصة: مجموعة من الفايكنج والسلافيين يستوطنون نهر الدانوب في شرق أوروبا، ويختارون أميرًا من الفايكينج يدعى روريك ليقود اتحاد مدن الروس على الدانوب حتى البحر الأسود،
يستولي على المدن في طريقه وصولا إلى كييف ليعلن نفسه أميرًا على "الروس الكيفيين ".
تلك كانت البداية ليس فقط للشعب الروسي وروسيا كدولة، بل للعديد من شعوب شرق أوروبا مثل أوكرانيا وبيلاروسيا الذين يعتبرون الروس الكيفيين أجدادهم المؤسسين.
حتى القرن التاسع، كان الروس الكيفيون، بثقافة سلافية، وثنيين ينتمون لديانة تشبه ديانة الفايكنج، ولم يرتبط اسمهم أو يسعوا لروابط ثقافية مع الإمبراطورية البيزنطية،
بل كانت علاقتهم بالخلافة العباسية قوية؛ لدرجة إرسال أسطول لمحاصرة القسطنطينية نفسها خلال حرب الإمبراطور البيزنطي مايكل الأول ضد العباسيين.
علماء الأثار وجدوا عملات ودنانير إسلامية على طول نهري الفولجا والدانوب كان الروس الكيفيون يتعاملون بها مع المسلمين، والخزر والكلت والجيرمان.
العاصمة كانت كييف. وعادة ما كان يحكمها الابن الأكبر للأمير، بينما الأبناء الأصغر سنًا يحكمون نوفجورود وسمولنيسك.
ثم تندلع حرب أهلية لتتوحد المدن مرة أخرى، وتدور الدائرة من جديد، كل هذا بينما موسكو نفسها مدينة أقل أهمية بكثير، ولن تصبح العاصمة ذات السيادة على الروس إلا في القرن الخامس عشر.
بدخول الأمير فلاديمير الأكبر المسيحية وانقلابه على ديانة أجداده، ربط نفسه بالثقافة البيزنطية والمسيحية الأرثوذكسية. و تزوج من أميرة بيزنطية ليكون أول رابط بين الروس والبيزنطيين،
وأرسل فرقة من المقاتلين الروس عرفت باسم "الفيرانجيين" لتكون الحرس الخاص بالإمبراطور البيزنطي.
بالارتباط بالمسيحية البيزنطية، علا شأن الروس سريعًا، ودخلوا في عصر ذهبي في عهد ياروسلاف الحكيم، ابن الأميرة البيزنطية آنا بورفيروجينيتا وفلاديمير، والذي نقل التراث والتقاليد البيزنطية أكثر إلى كييف، لدرجة أن ملك فرنسا وقتها هنري الأول اعتبر الروس دولة ذات مركز ثقافي وسياسي كاف ليطلب الزواج من آنا أبنة ياروسلاف.
بالنسبة للروس كان اتحاد المدن الروسية من الفولجا حتى الدانوب أمرًا مسلمًا به، حتى جاء الغزو المغولي ليدمر طرق التواصل والمواصلات بين المدن الروسية.
في عشرينيات القرن الثالث عشر، كانت أول الضربات في عصر جينيكز خان الذي شنت قواته غزوات متفرقة، أولًا ضد الروس، تعرفوا فيها على طبيعة الأرض وأساليب الحرب فيها وقام بقتل ميستسلاف أمير كييف.
ثم عادوا في عدة غارات جديدة. وفي 6 ديسمبر 1240 دمر المغول العاصمة كييف نفسها وتم ذبح أغلب المدنيين، وشمل الدمار أيضًا موسكو وفلاديمير وريازان،
الغزو المغولي كان ضربة معنوية وثقافية؛ لأنه بتدمير كييف تم تدمير دولة "الروس الكيفيين". وبعد رحيل المغول كانت دولة الروس التي بدأت في العودة تحت حكم الروريك أيضًا هي إمارة موسكو، ومعها الشمال الشرقي من الفولجا لتكون بداية دولة روسيا.
لكن، كان من الصعب استعادة الروابط مع أوكرانيا في القرون التالية بسبب صعود عدو أخر للروس، هم العثمانيين.
بعد سقوط القسطنطينية بدأ النزاع بين الأتراك والروس حول لقب وراثة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، كذلك تمكن العثمانيون من الاستيلاء على القرم وأوكرانيا كلها في طريق الطموحات لمد النفوذ العثماني لوسط أوروبا حتى المجر.
لن يتمكن الروس من ضم أوكرانيا مرة أخرى إلا في عصر أسرة رومانوف في سلسلة حروب ضد العثمانيين في القرن السابع عشر والثامن عشر خاصة في عصر الإمبراطورة كاترين الكبرى التي بدأت سياسة تحويل أوكرانيا للقومية الروسية تمامًا، لتصبح أوكرانيا جزءًا من روسيا الإمبراطورية ومن بعدها الاتحاد السوفيتي.
إذا كانت روسيا ترى هذه نهاية سعيدة للقصة، فإن أوكرانيا تنظر للأمر على نحو مختلف، لأن روسيا السوفيتية كانت مسؤولة عن المجاعة الأوكرانية في ثلاثينيات القرن العشرين في عهد ستالين.. وأيضا كانت السبب وراء كارثة تشيرنوبل في بريبيات بأوكرانيا أيضا.
لذا بالنسبة لأوكرانيا الصورة العامة لروسيا ليست البطل الذي حررهم من العثمانيين، بل الشرير الذي حبسهم خلف الستار الحديدي. ولذا تسعى أوكرانيا منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في 1991 للتقارب مع الغرب حتى محاولة الانضمام للناتو،
الأمر الذي لا تقبله روسيا أبدا حيث ترى أوكرانيا بمثابة الأخ الأصغر الذي خانها وباع منزل العائلة للعدو في الغرب