سأعود.
I’ll be back
العبارة الشهيرة التي نطقها أرنولد شوارزينجر، وهو يؤدي دور القاتل الآلي القادم من المستقبل، في فيلم المبيد The Terminator عام 1984، تعتبر من أشهر العبارات الأيقونية في تاريخ السينما، لكن غالبًا لم يتخيل أحد أنه سيظل ملتزمًا بها لـ 35 عامًا!
العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود
الآن وفي 2019، يعود شوارزينجر للدور من جديد، في حاضر تغيرت فيه الأمور تمامًا عن لحظة ميلاد السلسلة. حاضر أصبح فيه الطابع الذكوري الذي ميز سينما العنف في الثمانينيات، بفضل أسماء مثل شوارزينجر وستالون وبروس ويليس، موضع إدانة. حاضر صار من العادي فيه أيضًا أن يتعرض فيلم لهجوم نقدي، لا لشيء إلا لأنه لا يفسح المجال وسط شخصياته الرئيسية للنساء أو للعرقيات الملونة.
Terminator: Dark Fate أو المدمر: المصير المظلم، إذا حاولنا ترجمة العنوان على ضوء الترجمة التجارية القديمة للسلسلة في عصر نوادي الفيديو، هو حصاد هذا الحاضر الليبرالي، بكل أجنداته النسوية والعرقية.
كيف أصبحت الأجندة النسوية المعاصرة في هوليوود منفرة؟ | حاتم منصور
للمرة الأولى منذ الفيلم الثاني المدمر: يوم الحساب Terminator 2: Judgment Day الذي عُرض عام 1991 يعود المؤلف والمخرج جيمس كاميرون مبتكر السلسلة للعمل بعد غيابه عن الأجزاء الثلاثة الأخيرة (2003 – 2009 – 2015). وإن كان يكتفي هنا بالمشاركة في الكتابة ضمن طاقم يضم إجمالًا 8 أفراد، وبالقيام بواجبات المنتج المنفذ.
هذه العودة كانت سببًا في تفاؤل كثيرين، ومنهم كاتب هذه السطور، بخصوص الفيلم، وازداد التفاؤل بعد اختيار تيم ميللر مخرج أول أفلام ديدبول (2016) للمهمة، لكن للأسف لم ترق النتيجة هنا للمنتظر.
ديدبول ينعي نفسه ويصلح هوليوود في Deadpool 2
إلى حد كبير يتمتع الفيلم ببداية قوية، تشهد مواصلة للأحداث من حيث انتهى الجزء الثاني، وتتجاهل تمامًا كل الأجزاء اللاحقة التي لم ترق للغالبية، لكن كل شيء تقريبًا بعد ذلك يشهد تراجعًا.
بذرة الفيلم كتأسيس أقرب ما تكون لفيلم حرب النجوم Star Wars: The Force Awakens الذي عُرض عام 2015 حيث المحور الرئيسي هو صناعة قصة تضم أبطال الأفلام القديمة، وقريبة جدًا منه كحبكة وسرد، لكنها تضيف أجيالًا أصغر لتتسلم الراية. أجيالًا تراعى في اختيارها الشروط والأجندات المعاصرة طبعًا.
القالب الأساسي بسيط ومطابق لأول فيلمين للسلسلة (شخص مُستهدف بالقتل – روبوت مُرسل من المستقبل لقتله – مقاتل مُرسل لحمايته – ومطاردات شرسة لا تنتهي).
لكن الأمور تسير هنا بطريقة:
1- ماذا لو كان لدينا بدلًا من جون كونر منقذ البشرية، فتاة منقذة للبشرية، لنواكب الأجندة النسوية؟
2- ماذا لو جعلنا هذه الفتاة مكسيكية بدلًا من أمريكية، لنواكب أجندة التنويع العرقي؟
3- ماذا لو كان المقاتل النبيل العنيد القادم من المستقبل لإنقاذها فتاة أيضًا؟
4- ماذا لو كان القاتل الآلي القادم من المستقبل لقتلها لاتيني الشكل أيضًا؟
هذه القائمة من الاختيارات والتفضيلات السياسية الدوافع، كان من الممكن أن تنجح لو توفر لها طاقم تمثيلي موهوب، وسيناريو موفق في خلق شخصيات جديدة نهتم بها، وكلاهما تواجد بالفعل في فيلم حرب النجوم المذكور.
بالمقابل أخفق فيلمنا هنا في تحقيق نفس الشيء. جابرييل لونا ذو الأصول المكسيكية الذي يقوم بدور الروبوت القاتل مثلًا، يفتقد تمامًا للرهبة والحضور المرعب المطلوب. أدائه الباهت انطبع على الدور، ليلحق بأقرانه في الأجزاء الأخيرة. وبالطبع يزداد الفشل وضوحًا إذا قارناه بالأداء الأيقوني الذي قدمه روبرت باتريك في دور الروبوت الزئبقي المرعب في الفيلم الثاني.
يفوقه في مستوى الفشل، الممثلة الشابة ناتاليا رييس التي تقدم هنا دور الشخصية المكسيكية المستهدفة بالقتل. هذه شخصية يجب أن نتعاطف معها وأن نستشعر أهميتها، لكن بفضل أداء سطحي ومزعج لدرجة منفرة من بطلة الدور، وسيناريو لم يراع إضافة أية سمات مهمة، كما لو كان صياغتها كمكسيكية إنجازًا كبيرًا يكفي وخطوة عبقرية، أصبحت هذه الشخصية هي الأسوأ والأكثر مللًا في الفيلم كله.
الناجية الوحيدة نسبيًا ضمن طاقم الأبطال الجدد من هذه الفوضى هي ماكنزي ديفيز، بفضل حضور سينمائي لا بأس به.
بالمقابل عودة الممثلة ليندا هاملتون لدور سارة كونر بعد انقطاع طويل منذ الجزء الثاني (1991)، أفادت الفيلم، وأضافت شخصية افتقدناها طويلًا. لكنها لم تفد الشخصية ولا الممثلة بنفس القدر؛ لأن الأحداث افتقدت لصياغة تطور مقنع ومؤثر يليق بها وبدوافعها.
البعض يفضلونها نسوية في The Favourite | حاتم منصور | دقائق.نت
في الفيلم الأول حدث هذا التطور بفضل قصة الحب بين سارة كونر ومنقذها كايل ريس، التي تنتهي بتحولها من نادلة متواضعة إلى مقاتلة متقبلة لمصيرها وواجبها. وفي الفيلم الثاني حدث هذا بفضل تحولها من شخصية متشائمة ويائسة، إلى أم مؤمنة بوجود مستقبل أفضل للبشرية، ومستعدة للدفاع عنه.
في الفيلمين اكتسبت سارة كونر هذا الثقل الدرامي والجماهيري، دون أن تغادر طابعها الأنثوي ودوافعها، سواء كحبيبة أو كأم. دورها هنا أقرب للعكس وللطابع الذكوري، بفضل سيناريو يدشنها كالشخصية الخارقة التي اعتادت قتل الروبوتات وإلقاء النكات الساخرة، ولا تشعر بالرعب من أي شيء.
لاحظ هنا كيف تحقق هوجة النسوية الحالية في هوليوود عكس أهدافها، بتدشين الشخصية النسوية القوية المهمة في نفس الإطار الذكوري الثمانينياتي موضع التهكم والهجوم! وكيف نجحت أفلام أقدم في تقديم صياغة أفضل للبطولات النسوية، دون مساس بالطباع النفسية المختلفة للمرأة.
شوارزينجر أسعد حظًا منها نسبيًا رغم مساحة دوره الأقل، بفضل سياق درامي مختلف ومسلٍ إلى حد كبير، لشخصية الروبوت تي 800. سياق يراعي عمره وشكله الحالي، ويتلاعب بما عرفناه عن الشخصية دون أن ينسف تاريخها.
على المستوى البصري، يعود الفيلم لبعض جينات الفيلم الثاني بالأخص، وعلى رأسها أجواء مطاردات السيارات والطرق، والعواصف الترابية. ويميل لنفس التركيبة اللونية والتراتب والتركيب الزمني (مطاردات بالنهار تشهد اللقاء الأول وتعارف الشخصيات – ختام بمعركة ومطاردات ليلية).
لكن المخرج تيم ميللر رغم عمله الطويل كخبير مؤثرات بصرية، لا يملك وعي وخبرات جيمس كاميرون الاستثنائية، وينسف هنا تأثير عشرات مشاهد الأكشن بفضل جرافيك كارتوني غير مقنع، وزوايا غريبة للتصوير، خصوصًا في مشاهد المعارك الختامية للفيلم.
الجزء الثاني Terminator 2: Judgment Day يُعتبر فجر الجرافيك في هوليوود، لكن قوة هذا الفيلم وعنفوانه تحققت بالأساس بفضل اختزال الجرافيك لمشاهد معدودة تخص الروبوت الزئبقي التشكل، والاعتماد على المدرسة القديمة والمجازفات في تقديم مطاردات السيارات والقتال.
هنا في الجزء السادس للسلسلة، يرث الفيلم نفس عيوب الجزء الخامس Terminator: Genisys ويعتمد على الجرافيك لصياغة مشاهد الأكشن ومطاردات السيارات. وبسبب عدم مصداقيتها بصريًا فقدت هذه المشاهد مفعولها وتأثيرها، وأصبحت أقرب لمشاهد الأكشن في سلسلة غير جادة، وكارتونية الطابع من نوعية Fast & Furious.
احتاج الفيلم في هذه الجزئية للعودة إلى المدرسة القديمة للأكشن والمطاردات، وهو ما لم يتوفر تقريبًا مؤخرًا بدرجة إتقان وتفهم عالية، إلا في أخر أجزاء “المهمة: مستحيلة”.
كثير من السلاسل لا تعاني بدرجة Terminator. هذه سلسلة وصلت للقمة في فيلمها الثاني، وأصبح كل شيء بعده أقرب لرماد سيتوارى عاجلًا أو آجلًا، بسبب المقارنة الحتمية!
كيف حقق توم كروز المستحيل في Mission: Impossible – Fallout؟
الجزء السادس يلاقي نفس المصير سواء بالمقارنة أو بدونها، ورغم تصريح صناع الفيلم سابقًا أنه نواة لمشروع ثلاثية جديدة، الا أن ردود الفعل الأولية والإيرادات المتواضعة للأسبوع الافتتاحي قد تُعجل بإبادة هذا المشروع.
رغم هذا يظل ربما أفضل محاولات السلسلة منذ الجزء الثاني. هذه العبارة ليست إشادة بـ Terminator: Dark Fate بقدر ما هى في الحقيقة إدانة للأفلام للثلاثة الأخيرة!
الجولة السادسة للمدمر تعاني من موجة نسوية وصوابية سياسية ضارة، ومن طاقم تمثيلي جديد متواضع المستوى، ومن أكشن ومؤثرات بصرية لا تليق بتاريخ السلسلة. في المقابل لا يزال الثنائي (شوارزينجر – ليندا هاملتون) قادرا على منحنا بعض متع النوستالجيا. إذا كانت الأفلام الأولى ضمن ذكرياتك الغالية فمن الصعب غالبًا مقاومة الرغبة في السفر عبر الزمن لاستعادة هذه المتعة. تذكر فقط قبل المشاهدة أنها متعة مقترنة هنا ببعض الألم. بعض الأشياء لا تعود أبدًا كما كانت، وترمينتور للأسف واحد منها.