خلّفت حرب أكتوبر آثارًا ملموسة على المجتمع الإسرائيلي.
بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة وعن تعقيدات السياسة، فإن أيام القتال في سيناء تركت صدعًا لا يُنسى في صفوف الإسرائيليين.
صدع لم يتوقف فقط على الجوانب العسكرية، وإنما شمل أيضًا النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأدبية.
الحكاية في دقائق
أدب ما بعد الحرب كشف تأثير الهزيمة على المجتمع الإسرائيلي. الناقد يوسف آرون يقول إنه اتسم بالتخبط، وجسد مجتمعًا "فقد الطريق الصحيح"؛ حيث الحاضر غامض وصعب الفهم، والمستقبل غير مأمون بعد تداعيات يوم كيبور.
اختفى البطل الذي لا يهاب الموت، لحساب بطل يهرب من القتال ويتخفى بين المتدينين اليهود في رواية "العاشق" لأفراهام يهوشوع،
وآخر محبط لا يجد جدوى للحرب في مسرحية "الجوكر" التي ألفها يهوشع سوبول، على خلفية وقف إطلاق النار، وعُرضت فى حيفا عام 1975م،
وثالث يخاطب الرب: إلهى.. لماذا هجرتنا؟ لِمَ سمحت بكل هذا يحدث لنا؟ ما خطؤنا؟ ما جرمنا؟ أين الطريق؟"، في قصة "بعد المطر"، ليتسحاق بن نير،
وآخرين يشعرون بالذنب لأنهم عجزوا عن حماية رفاقهم، كما في المجموعة القصصية "غزو ريفي" للأديب يتسحاق بن نير.
في قصص أخرى، ركز الرواة على أوجه القصور في الجيش، مثل الضابط الكبير الذى تخلى عن كتيبته لممارسة الجنس مع صديقته.
فى 24 يناير 1974، قال وزير المالية الإسرائيلى بنحاس سابير، إن الحرب ضاعفت ميزانية الأمن العام لعامي 1973 و1974 من 14 مليار ليرة (وحدة النقد الرسمية حتى 198) إلى 34 مليارًا، مقيمًا خسائر إسرائيل من أيام القتال المباشرة (18 يومًا) بما يساوي الناتج القومي لعامٍ كامل.
وبحسب الأرقام المعلنة، فإن استمرار التعبئة العامة وتجنيد الاحتياط لأكثر من 3 شهور أدى لمعاناة الاقتصاد من أزمات حادة؛ لأن 40% من العاملين فى مزارع الكيبوتس مجندون، وهُم يشكلون 20% من السكان القادرين على العمل، وعموما فإن نسبة المجندين من مجموع العاملة بالاقتصاد تتراوح بين 15 و20%.
نتيجة لهذه الخسائر، تقدّمت إسرائيل بمذكرة إلى أمريكا لتزويدها بمساعدات عسكرية واقتصادية عاجلة.
في ديسمبر 1973، كتب إيتان هيفر المراسل العسكرى لـ"يديعوت أحرونوت": "الحرب مختلفة هذه المرة. المواطنون لا يزالون يجدون صعوبة فى استيعاب هذا الوضع".
بدأ المواطنون في لصق عبارات إيمانية على مُقدِّمة السيارات، مثل: "لا تخف يا عبدى يعقوب". ونشرت صحيفة "كول هاعام" رسائل من الجنود على الجبهة يعبرون عن خوفهم من الموت ويُطالبون حكومتهم بعدم الاستمرار في الاحتفاظ بالأراضي المحتلة.
الجندى آرييه كتب لصديقه: "عرفت خبر الأصدقاء الذين قُتلوا، هذا أمر صعب (...) سقط كثيرون آخرون، لكن لماذا أنضم أنا أيضا إلى هذه القائمة؟!".
يحكى جندى آخر: "لقد أصبحت ابنا لأسرة ثكلى بعد أن أمضيت 3 أسابيع فى المستشفى للعلاج (...) سقط شقيقى يائير يوم الاحد 7 أكتوبر شمالى القنطرة، وكان شقيقى الثالث الصغير رامى قريبا أثناء القتال بدباته من يائير، وأصيب بشدة وفقد عينه".
بحسب تقرير المعهد الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط، فإن الحرب أحدثت رجّة في السياسية الإسرائيلية، بدايةً من أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم جولدا مائير، التي توقّعت أن تقضي الحرب عليها.
فرغم نجاح مائير في نيل أغلبية برلمانية في انتخابات ديسمبر 1973، لكنها استقالت إثر تقرير لجنة "أجرانات" العسكرية.
حزب الليكود المعارض الذي رفض أي عمليات انسحاب من الأراضي المحتلة، غيّر موقفه في انتخابات ديسمبر 1973، وأبدى استعداده للسلام. وهو ما أهّله لزيادة مقاعده في الكنيست، حتى نجح في انتخابات 1977 في تولّي الحُكم لأول مرة، بزعامة مناحم بيجن، وهي الحكومة التي تولّت مفاوضات السلام مع مصر.
هل ترغب في المزيد من المعرفة؟
“التساؤلات التى أثارتها حرب أكتوبر فى الأدب الإسرائيلي”، حسن علي عثمان (بحث)