ابن لهيعة.. مفصل الخلاف في صحة “خير أجناد الأرض” | هاني عمارة | دقائق.نت

ابن لهيعة.. مفصل الخلاف في صحة “خير أجناد الأرض” | هاني عمارة | دقائق.نت

22 Jan 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

تشمل الأحاديث النبوية قسمًا يخص فضائل البلدان أو ذمها. وتحظى البلدان الرئيسية في الصراع الإسلامي المبكر (مكة، والمدينة، والشام، واليمن، والعراق، والقدس) بأكبر عدد من تلك الأحاديث.

حظ مصر في تلك الأحاديث أقل؛ ربما لقلة المحدثين المصريين، أو عدم حضورها بشكل مباشر في الصراعات الإسلامية المبكرة.

الأحاديث المحدودة محصورة على الكتب التراثية المعنية بالشأن المصري، وأقدمها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وخطط المقريزي لتقي الدين المقريزي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، أما أشهرها فهو حسن المحاضرة لجلال الدين السيوطي.

أصل الحديث

مع تأسيس مصر الحديثة، شمل الإطار النظري للدولة دائمًا جانبًا دينيًا دعائيًا، يعتمد على مكانة مصر في التاريخ الإسلامي، وبعض النصوص أهمها أحاديث فضائل مصر، وأشهرها “فيها خير أجناد الأرض”.

نص الحديث جزء من خطبة طويلة للصحابي عمرو بن العاص يقول فيه: وحدثنى عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة».

والحديث مذكور بالسند في كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم وتاريخ ابن عساكر بنفس السند.

توظيف سياسي

ظل النص مستخدمًا في الأدبيات المصرية الدينية الحديثة؛ لأثره المعنوي فيما يتعلق بالشان الحربي، خصوصًا في فترة الحروب الأربعة.

تيارات الإسلام السياسي لم تتحفظ على الحديث تاريخيًا، باسثناء التيار السلفي؛ لاهتمامه بتدقيق الأسانيد، فكان يذكره في معرض التحقيق في جلسات علمية، ودون صخب شعبي، لا سيما أن أحاديث الفضائل عمومًا ليست بالأحاديث العملية أو الفقهية الخلافية، التي تكون مسالة الصحة أمرًا ضروريًا للاحتجاج.

الأمور تغيرت بعد يناير 2011، حيث حضر الجيش في المشهد السياسي بشكل مباشر، ومعه ظهر الجدل العلني حول الحديث.

بدا موقف الجيش في البداية متوافقًا مع مواقف التيارات الإسلامية، فاستخدم الإسلاميون الحديث في خطاباتهم بغرض المدح.

ومع ظهور الخلاف، تغير الخطاب إلى تضعيف الحديث، وبالجملة عدم صحة أحاديث فضائل مصر؛ لنفي أية فضيلة دينية للجيش المصري.

—————————————————————–

—————————————————————–

خرج الإخوان من السلطة في 2013، فأعاد الإعلام الإخواني التنظير لفكرة ذم المصريين، عبر تأويل النصوص، واستغلال قصة موسى لإظهار الشعب المصري كـ “عبيد للفرعون”.

وكرد فعل للحملة، قال مفتى مصر شوقي علام، إن دار الإفتاء أعدت بحثًا حول صحة حديث “خير أجناد الأرض”، ونشرته كاملًا.


أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية

أفخاخ الإسلاميين: ٢- فقه الأولويات


ابن لهيعة.. مفصل الخلاف

المعضلة الأساسية في صحة أو ضعف الحديث تتمثل في الراوي عبد الله بن لهيعة، المتوفى في 174 هجرية، والذي أتت أكثر طرق أحاديث فضائل مصر والقبط من طريقه.

وكان عبد الله بن لهيعة أشهر المحدثين المصريين في زمانه وأكثرهم رواية، وتولى القضاء – المنصب الديني الأهم في مصر حينها – عشر سنوات.

وتذكر كتب التاريخ أن الخليفة المنصور تحفظ على تولي ابن لهيعة قضاء مصر، ووصفه بضعف العقل وسوء المذهب، قبل أن يوليه على مضض في 154 هجرية.

لا يتضح توجه ابن لهيعة السياسي أو العقدي من أحاديثه؛ فظاهر بعض مروياته الميل للأمويين، وظاهر أخرى التشيع. غموض موقفه السياسي ربما كان دافع المنصور لوصفه بسوء المذهب والتردد في إسناد القضاء إليه.

بعد 10 سنوات، عزله الخليفة المهدي، وبدأت رحلة الهبوط، التي وصلت مداها في 169 هجرية، وحينها قرر أصحاب الحديث تضعيف روايات ابن لهيعة، وأنه تغير فلا يقبل حديثه.

أقدم ما ورد في ذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات، فيقول: “من سمع منه في أول أمره أحسن حالًا في روايته ممن سمع منه بآخره. وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحدًا”.

أسباب التغير عليها خلاف، وأشهرها الادعاء باحتراق دار وفيها كتبه، وهو ما ذكره أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، فكان بعدها يروي من ذاكرته فاختلطت عليه الأمور، وهو ما ينكره الرواة المصريون رغم شهرة القصة في بقية البلدان

روايات أخرى تقول إنه سقط من على دابته فتأثر عقله، لكن السبب الأكثر وجاهة أن الناس كانت تروي عن ابن لهيعة أحاديث شتى، وكان يرى ذلك فلا ينكره.

تصنيف الرواي سياسيًا

المحطات التاريخية في حياة ابن لهيعة قد تكشف الجو السياسي العام، والخلفيات السياسية للخلاف حول مروياته.

154 هجرية: تشهد مصر تمردًا قبطيًا عبر ثورات متفرقة قتلوا الوالي في إحداها، ويعين المنصور ابن لهيعة على مضض. ربما رغبة في تهدئة المسيحيين؛ بسبب علاقته الجيدة بهم، وشهرته برواية الأحاديث في فضائل القبط وتاريخهم.

164 هجرية: توقف عبد الله المبارك، أحد أشهر محدثي العراق عن الرواية عن ابن لهيعة، وعزله المهدي من قضاء مصر. في ذلك العام بدء التحرك الأموي في صعيد مصر، وهو ما سيعرف لاحقًا بثورة دحية بن مصعب الأموي.

169 و170 هجرية: هنا، تحول تصنيف ابن لهيعة إلى ضعيف وغير مقبول الرواية. في هذين العامين شهدت مصر والإقليم العديد من الأحداث الخطيرة:

  • وفاة الخليفة المهدي، وتصارع ابناه موسى الهادي وهارون الرشيد على الخلافة.
  • اندلاع معركة فخ في الحجاز بين العباسيين والعلويين، والتي انتهت بهزيمة العلويين ومقتل كثير من أعيانهم، وفرار من نجا إلى إفريقية والمغرب، مرورًا بمصر.
  • قمع الثورة الأموية بالصعيد، حيث انهزم دحية بن مصعب، الذي قاد التمرد وأعلن نفسه خليفة، ولقي مصرعه.
  • شروع والي مصر علي بن سليمان في هدم الكنائس. ولا تربط كتب التاريخ بين ثورة دحية وهدم الكنائس، أو موقف المسيحيين من الثورة، لكن تعاطفهم يبدو منطقيًا؛ لعلاقتهم الجيدة بالأمويين، ونقمتهم على العباسيين الذين قمعوا ثوراتهم في مصر، بما يرجح أن القرار كان عملًا انتقاميًا؛ ظنًا بأن الكنائس استخدمت لإيواء الثوار.

تذكر كتب التاريخ أن ابن لهيعة والفقيه الليث بن سعد عارضا هدم الكنائس، وشجعا الوالي الجديد على إلغاء القرار وإعادة بناء الكنائس المهدمة.


ألغاز تراثية (2): أثر الصراع العباسي العلوي في صياغة فقه المواريث

عاشوراء السني.. ولغز انتصار موسى على فرعون


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك