هل اكتشف العرب حجر رشيد قبل الحملة الفرنسية؟ 3 شواهد تدعم الفرضية | هاني عمارة

هل اكتشف العرب حجر رشيد قبل الحملة الفرنسية؟ 3 شواهد تدعم الفرضية | هاني عمارة

13 Jan 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لمصر القديمة تاريخان؛

عربي يهودي، يمزج الأساطير العربية القديمة مع التاريخ اليهودي التوراتي، ودونه المهاجرون العرب بعد دخولهم إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص.

وعلم المصريات الحديث: وهو المعروف علميًا حاليًا، والقائم على قراءة اللغة المصرية القديمة، ويبدأ بعصر ما قبل الأسرات ثم الأسر المصرية الثلاثين.

الفيصل بين التاريخين كان اكتشاف أحد جنود الحملة الفرنسية لـ حجر رشيد 1799، في جزيرة على أطلال معبد بطلمي قديم بمدينة رشيد، 65 كم شرق الإسكندرية، ليصبح نجاح جان فرانسوا شامبليون في فك رموزه 1822، نقطة تحول كبيرة في تأريخ المنطقة، بعدما كان قائمًا على السردية التوراتية للعالم القديم.

التأريخ العربي اليهودي:

التاريخ العربي اليهودي موازٍ تمامًا لا يكاد يتقاطع مع التاريخ الذي نعرفه حاليًا في أي من تفاصيله.

تغلب عليه الصور الأسطورية الخرافية في وصف الملوك وصفاتهم الجسمانية وأعمالهم، إلى حد المبالغة في السنوات التي عاشوها، والتي وصلت للادعاء بأن أحدهم، واسمه قفطاريم، حكم مصر 400 سنة.

ويقسم الطوفان تاريخ مصر القديم، بحسب الرواية العربية، إلى مرحلتين، ويحكى أن اسم مصر اشتق من “مصرايم” بن حام بن نوح، النبي صاحب الطوفان.

المميز في فترة ما قبل الطوفان وجود ملك أسطوري اسمه شداد بن عاد، منسوب لقوم عاد الذين وردوا في القرآن، ونسبوا له بناء الهرم، وبناء مدينة الإسكندرية وآثارها المعروفة، ومضى بعضهم لاعتبار أن الإسكندرية هي ذاتها “إرم ذات العماد”.

ظل هذا التأريخ يروى عن مصر دون تشكيك منذ دخول العرب إليها، حتى إعادة اكتشاف التأريخ المصري القديم، لينتقل عند المؤرخين المسلمين المعاصرين إلى منطقة الخرافات، باستثناء شخصية فرعون موسى التي استمر الجدل حولها بين علماء المصريات والمؤرخين من الديانات الإبراهيمية المعاصرين.

التأريخ الموازي نسب العديد من معالم مصر الشهيرة إلى تلك الشخصيات الخرافية، واعتمد على الترجمة المغلوطة لنقوش الآثار اليونانية والرومانية في الإسكندرية، وحتى النقوش الفرعونية، لدعم روايتهم للتاريخ.


ألغاز تراثية (2): أثر الصراع العباسي العلوي في صياغة فقه المواريث

عاشوراء السني.. ولغز انتصار موسى على فرعون


هل اكتشف العرب حجر رشيد؟

بتنحية الترجمات المغلوطة، يبقى السؤال مطروحًا: هل عرف العرب حجر رشيد أو شاهدوه قبل إعادة اكتشافه حديثًا؟

لوحظ فعلًا وجود ذكر لحجر أثري منقوش في الإسكندرية في عدة مصادر عربية. أقدمها كتاب “فتوح مصر” للمؤرخ المصري ابن عبد الحكم، المتوفى 256 هجرية.

يقول ابن عبد الحكم: قال ابن لهيعة (محدث وقاضي مصر زمن الخليفة المنصور):

وبلغنى أنه وجد حجر بالإسكندرية مكتوب فيه: أنا شدّاد بن عاد، وأنا الذي نصب العماد، وحيّد الأحياد وسدّ بذراعه الواد، بنيتهنّ إذ لا شيب ولا موت، وإن الحجارة فى اللين مثل الطين.

وذكر نفس الرواية  منسوبة لأسد بن موسى، أحد أئمة الحديث في مصر ومعاصر لابن لهيعة كذلك، غير أنه زاد في آخر النص نبوءة بمجئ أمة محمد.

وذكر المؤرخ المسعودي أن الحجر كُتب عليه بالقلم المسند، وهو الخط اليمني القديم.

مقارنة بين خط المسند اليمني والخط المستخدم في تدوين حجر رشيد

3 شواهد تدعم الفرضية:

هل الحجر المقصود كان حجر رشيد، خصوصًا أن الحديث يدور عن حجر في الإسكندرية؟ عدة شواهد تدعم هذه الفرضية:

الأول:

أن النص المزعوم للشخصية الخرافية شداد بن عاد شبيه إلى حد ما بما ورد في في مقدمة نص حجر رشيد الذي ترجمه شامبليون والذي فيه:

في عهد جلالة الملك أبيفانس “بطليموس الخامس” بن الملك فيلوباتور “بطليموس الرابع” الذي بنى مصر وانتصر على أعدائه وأعاد الحياة للناس

النصان يتحدثان عن ملك عظيم بن ملك، وينسب لهما النص بناء مصر، وهذا ما يجعل الاحتمال قائمًا بأن الحجر المذكور في الرواية العربية هو نفسه حجر رشيد، مع تحريف الترجمة في الرواية العربية؛ لانعدام معرفة العرب بأسماء الملوك الواردة في النص الأصلي، فخضع النص للتعريب، وتحول أبيفانس بن فلوباتير إلى شداد بن عاد، مع إعادة صياغة النص بصورة سجعية لتحاكي النظم القرآني عن قوم عاد، أو حتى اختلاق النص بالكامل دون معرفة النص الأصلي.

الثاني:

روايات كتابة الحجر بخط المسند اليمني القديم لا تجد ما يدعمها تاريخيًا؛ لعدم وجود أي نقوش يمنية في مصر. من أين جاء التصور إذًا؟:

حروف خط المسند اليمني القديم تتشابه شكليًا مع الحروف اليونانية القديمة، وهي إحدى اللغات التي كًتب بها حجر رشيد. هنا تبدو فرضية تلفيق الترجمة، والادعاء بأن النص الأصلي مكتوب بالخط اليمني، ثم تفصيل النص المختلق على الملك العربي الأسطوري القديم شداد بن عاد.

تلفيق وتزوير ترجمات النقوش ملاحظة عامة معاصرة لا تقتصر على الكتابات المصرية فقط، ورصدها المؤرخ العراقي جواد العلي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام“.

الثالث:

ابن عبد الحكم نقل رواية منسوبة كذلك لابن لهيعة، تقول إن فرعون موسى اسمه طلما “بطلميوس باليونانية”، حيث أن أول ظهور تاريخي لليهود مثبت في عصر البطالمة.

هنا يبدو الافتراض ممكنًا بأن المؤرخين قرءوا ما ورد في التراث اليهودي عن محنة اليهود مع البطالمة، وقارنوها بنقوش العصر البطلمي في الإسكندرية، والتي نحن بصددها، وأسقطوها على القصة التوراتية، بما أدى لاعتبار فرعون هو بطلميوس، الذي اضطهد اليهود.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (2)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك