هل كان حديث الرسول عن فتح القسطنطينية عن محمد الفاتح فعلًا؟ | هاني عمارة

هل كان حديث الرسول عن فتح القسطنطينية عن محمد الفاتح فعلًا؟ | هاني عمارة

9 Jun 2020
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ورد في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن النبي محمد حديث: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”. والحديث بهذا النص الموجز يحمل في ظاهره بشارة بفتح القسطنطينية – عاصمة دولة الروم البيزنطيين – ومدحًا للجيش وقائده.

وقد جرى فتح القسطنطينية في زمن السلطان محمد الفاتح (المؤسس الفعلي للدولة العثمانية) سنة 1453م  ليعتبره البعض أنه وجيشه هم المقصودين بالحديث.

حديث فتح القسطنطينية.. التوظيف السياسي

حديث فتح القسطنطينية له مكانة خاصة في أدبيات الإسلام السياسي، الذي يوظفه لغرضين: 

أولها دلائل النبوة: حيث يعتبر الحديث عمومًا دلالة على صدق نبوة النبي محمد الذي تتحقق نبوءاته. وهو استخدام عام لدى المسلمين، ومنه يوظف الإسلام السياسي تلك الأحاديث في إسقاطها على الواقع. وأحاديث قتال اليهود آخر الزمان أكبر مثال على التوظيف الخاص.

وثانيها وهو الأهم: تبييض صفحة الخلافة العثمانية بإعطائها قداسة دينية من خلال اعتبار محمد الفاتح مبشرًا به عبر حديث نبوي.

مدى صحة حديث الرسول عن محمد الفاتح

حديث الرسول عن فتح القسطنطينية “على يد محمد الفاتح – على شهرته في هذا العصر بفعل تأثير الإسلام السياسي ودعايته للعثمانيين ليس منتشرًا بالقدر نفسه في كتب الحديث. لم يرد إلا في مسند أحمد من الكتب التسعة الأساسية، ويرد فيما عداها في بعض المصنفات المتأخرة كمستدرك الحاكم، وكلها بنفس السند.

وسبب عدم شهرته وروده عن صحابي شبه مجهول، هو بشر الغنوي. وبعض المصادر تقول بشر الخثعمي، والبعض يعتبرهما شخصية واحدة، وآخرون يقولون إنهما شخصان مختلفان.

وبشر الغنوي ليس له في مصنفات السنة إلا هذا الحديث فقط، ويرويه عنه ابنه عبد الله بن بشر، وهو مجهول الحال لدى علماء الجرح والتعديل، ولم يوثقه إلا ابن حبان متأخرًا نسبيًا، وهو معروف بالتساهل في التوثيق، ولا يعتد بتوثيقه منفردًا. ولهذا حكم بضعف حديث الرسول عن فتح القسطنطينية على يد الفاتح محمد أحمد شاكر، والألباني، وشعيب الأرناؤوط من شيوخ السلفية المعاصرين. وبعضهم اعتبره يرتقي لرتبة الحسن أو الصحيح؛ لوجود شواهد أخرى في أحاديث تتحدث عن فتح القسطنطينية. غير أن تلك الشواهد لا تدعم إسقاطها على زمن محمد الفاتح.

زمان فتح القسطنطينية

غير أن المفارقة أن من يطالع سياقات أحاديث فتح القسطنطينية المنتشرة في كتب السنة، يجد أنها تأتي في سياقات ملحمة آخر الزمان، المرتبطة بخروج الدجال، وظهور المهدي، ونزول المسيح، وما يتبعها من قيام الساعة.

ولهذا، فإن إسقاط نبوءة حديث الرسول عن فتح القسطنطينية على محمد الفاتح – وبعكس المعاصرين – ليس شائعًا في كتب المتقدمين منذ زمن محمد الفاتح نفسه وما يليه، حيث أن أشهر المؤرخين الذين عاصروا زمن الفتح مثل السيوطي والسخاوي وابن العماد ذكروا ترجمة محمد الفاتح في كتبهم، ووصفوا فتوحاته بالعظيمة، لكنهم لم يربطوها بالبشارة النبوية بفتحها، ولم يذكروا الحديث إسقاطًا عليه؛ ربما لإدراكهم أن الفتح المذكور في الأحاديث مرتبط بخروج الدجال وملاحم آخر الزمان.

ومما يدعم هذا أن الشهاب الآلوسي – كبير علماء العراق زمن العثمانيين في القرن الثالث عشر الهجري  وصاحب التفسير المشهور –  تردد في الجزم بين كون حديث الرسةل عن فتح القسطنطينية مقصود به محمد الفاتح أم المهدي في آخر الزمان.

وهذا الفتح يحتمل أن يكون هو الذي من أمارات الساعة، ويحتمل أن لا يكون كذلك، ويكون الفتح الذي هو من أماراتها ما يقع زمن المهدي

ومن المعاصرين، جزم الشيخ أحمد شاكر بأن حديث فتح القسطنطينية المقصود به آخر الزمان فيقول:

فتح القسطنطينية المبشّر به في حديث الرسول سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله – عزَّ وجلَّ – وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا؛ فإنه كان تمهيدًا للفتح الأعظم.

وقد فتحت القسطنطينية في سنة سبع وخمسين وثمانمائة على يد السلطان العثماني التركماني محمد الفاتح. ولم تزل القسطنطينية في أيدي العثمانيين إلى زماننا هذا في آخر القرن الرابع عشر من الهجرة، وهذا الفتح ليس هو المذكور في الأحاديث التي تقدم ذكرها؛ لأن ذاك إنما يكون بعد الملحمة الكبرى، وقبل خروج الدجال بزمن يسير؛ كما تقدم بيان ذلك في عدة أحاديث من أحاديث هذا الباب

سياقات روايات حديث الرسول عن فتح القسطنطينية

وعودة للسياق، نجد أن أصح ما ورد  ما ورد في ذلك ما جاء في صحيح مسلم من غزو المسلمين وفتحها ثم تركها وقت اقتسام الغنائم عندما يأتيهم نبأ خروج الدجال.

ويذكر أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، وابن ماجة، سبب غزو القسطنطينية، وهو تصالح المسلمين والروم لمقاتلة عدو ثالث، وهو الدجال، ثم يغدر الروم، فتقوم الملحمة بين المسلمين والروم بالغوطة بالشام.

ويتوسع نعيم بن حماد، شيخ البخاري والمتخصص في أحاديث نهاية الزمان، في ذكر تفاصيل إضافية في كتابه “الفتن” فيقول إنه بعد معركة مشتركة بين المسلمين والروم ضد جيش الدجال، يغدر الروم، ويهاجمون الشام، فيقاتلهم المسلمون بقيادة المهدي، فينصرون ويدخلون القسطنطينية. وبينما هم يقتسمون الغنائم، يأتيهم خبر تقدم الدجال، فيعودون، لتكون معركة المسلمين وجيش الدجال بالشام، والتي ينزل فيها المسيح لينصر المسلمين ويقتل الدجال.

التشابه مع حرب بابك الخرمي وفتح عمورية

والقصة بالسياق الكامل الذي أورده نعيم بن حماد المحدث أقدم مما دونها، تتشابه بشكل لافت مع الأحداث التي عاصرها زمن الخليفة المأمون وأخيه المعتصم، حيث يحدث تمرد في بلاد فارس وأذربيجان بقيادة بابك الخرمي، الذي يقيم دولة على أطراف العباسيين والبيزنطيين، بشكل يهدد الدولتين، فيتصالح المأمون ومن بعده المعتصم مع الروم نظير قتال بابك. وفي وقت انشغال جيش المعتصم بقتال بابك، يستغل الروم الموقف، فيغدرون، ويغيرون على مدينة مسلمة على أطراف الدولة،  فيستغيث المسلمون بالمعتصم، فيوجه جيشه إلى عمورية، وتدور معركة كبيرة ينتصر فيها، ويقترب من القسطنطينية.

وتعرف المعركة بفتح عمورية أو فتح الفتوح. وفيها أنشد الشاعر العباسي أبو تمام مادحًا المعتصم وواصفًا النصر قصيدته الشهيرة والتي مطلعها:

السيف أصدق إنباء من الكتب  .. في حده الحد بين الجد واللعب

ويبدو أن المسلمين وقتها انتظروا فتح القسطنطينية بعد فتح عمورية، حيث أورد نعيم بن حماد روايات تدل على أن فتح عمورية يسبق فتح القسطنطينية، ونصها عن كعب قال: “لا تفتح القسطنطينية حتى يفتح نابها، قيل: وما نابها؟ قال: عمورية”.

غير أن الأحداث لم تمكن المعتصم من استكمال معركته مع الروم باتجاه القسطنطينية.


كيف تحول باباوات الكنيسة الرومانية إلى حكام فعليين


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك