عندما دخل السوفيت أفغانستان في ديسمبر 1979، تزامن ذلك مع القطيعة العربية لمصر بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل، ليدشن الرئيس المصري محمد أنور السادات في 1980 "جامعة الشعوب الإسلامية والعربية" عوضًا عن عضوية مصر بالجامعة العربية.
في أول مؤتمراتها، دعت الجامعة الدول الإسلامية لدعم المجهادين الأفغان، وخصصت صندوقا لجمع التبرعات لهم، وقدمت مصر السلاح لقادة وفد المجاهدين الأفغان، ودعتهم لحضور جلسة بمجلس الشعب المصري.
اتفق السادات ونظيره الأمريكي جيمي كارتر على تزويد المجاهدين الأفغان بالسلاح الروسي الموجود في مصر، مقابل تعويض الولايات المتحدة لمصر عنه.. هذا الجهاد جمع الأزهر والدولة المصرية والإخوان على أرضية واحدة مشتركة من أجل دعم المجاهدين، تلاه الاتفاق مع السعودية على تقديم الدعم المادي، بحسب كتاب السياسية الخارجية المصرية تجاه أفغانستان 1979 – 2007.
إدارة كارتر خصصت 30 مليون دولار فقط للمقاومة الأفغانية في البداية، رفعتها إلى 250 مليون دولار بحلول 1985 في عهد الرئيس ريجان، ودفعت السعودية مبلغا مساويا، وزادت الدعم حتى وصل إلى 630 مليون دولار.
هذا الدعم المالي كبير صاحبه تغير الهدف من مجرد مضايقة القوات السوفيتية إلى طرد الجيش الأحمر خارج أفغانستان، وتم فتح باب
الجهاد في أفغانستان، فتطوع العديد من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى. نظم مجلس التنسيق الإسلامي ومقره السعودية عمليات نقل المجندين الجدد وصرف المساعدة. في باكستان، عمل متطوعون عرب في العديد من مكاتب الهلال الأحمر السعودي بالقرب من الحدود الأفغانية.
لكن كان هناك خوف أمريكي من تسرب تكنولوجيا الأسلحة الأمريكية للعالم الثالث، استمر الجدل حتى قررت إدارة ريجان في 1986 توريد صواريخ ستنجر المضادة للطائرات إلى المجاهدين، فتم تفويض المسؤولية عن توزيع الأسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. باكستان وجدتها فرصة لنشر النظام الإسلامي في أفغانستان.
انسحب السوفيت من أفغانستان عام 1989، وواصلت الولايات المتحدة تقديم الدعم المالي للمجاهدين لعام واحد فقط
توقف الدعم الأمريكي بشكل نهائي بعد 1991، لكن الدعم الخليجي استمر بحوالي 400 مليون دولار سنويًا.
دبت الخلافات بين المجاهدين أنفسهم، حتى وصلت في 1992 لاستلاء الطاجيك على كابول والإطاحة بالرئيس. بالتزامن، كانت التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يقاتل لطرد العراق من الكويت،
في هذه اللحظة حدث الانفصال بين المجاهدين الأفغان عن السعودية والكويت، وانتقل التمويل إلى المؤيدين الجدد في إيران وليبيا والعراق، والذين حولوا "العرب الأفغان" إلى قوة سياسية وعسكرية في أفغانستان.. وفي هذا التوقيت نشأت طالبان.
المعركة ضد احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في الثمانينيات خلقت المفهوم الحديث للجهاد أو "الحرب المقدسة"، لكن العملية تحولت سريعًا من جهاد من أجل الدين مهنة يكسب المجاهدون منها أقواتهم.
مع بداية التسعينيات، بدأت دول البلقان مثل البوسنة والهرسك، ومقدونيا، والجبل الأسود وغيرها، في معارك الانفصال عن الاتحاد اليوغوسلافي، لتدخل أغلبيتها في معركة كبيرة تدخلت فيها الكثير من الكيانات الدولية الطامحة لأدوار استراتيجية.
ونظرًا لأهمية هذه الأهداف الاستراتيجية، صبغت بعض الأطراف جانبًا من تلك المعارك بمظلومية الدين والحرب باسمه، ليزحف مسلحو "العرب الأفغان" إلى بلاد البوسنة لمناصرة المسلمين المستضعفين إلى جانب عدد من العرب الذين سافروا مباشرة للهدف ذاته، من خلال جماعات الإسلام السياسي وهيئات الإغاثة، تحت رعاية الدول الأوروبية والناتو.
كان هناك بعض القادة، بمن فيهم علي عزت بيغوفيتش، رئيس البوسنة في ذلك الوقت، سعداء بتوافد المقاتلين الأجانب، كوسيلة لإبقاء تدفق الأموال من المانحين الأثرياء.
علاوة على ذلك، أرادت إيران أن يكون لها دور في هذه الحرب، ومن هنا بدأت في إمداد المنطقة وبالأخص البوسنة بالأسلحة والمعدات العسكرية، كما أقامت معسكرات لتدريب المسلحين استغلها الراديكاليون الإسلاميون باختلاف مرجعياتهم.
الرئيس اليوغوسلافي السابق، سلوبودان ميلوشيفيتش، قال لمحكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي خلال محاكمته عن الجرائم التي وقعت خلال مرحلة الانفصال، إن تنظيم القاعدة استغل الأوضاع آنذاك، وأقام معسكرات تدريب وأماكن احتجاز جرى بها الكثير من جرائم التعذيب والقتل.
انتهت الحرب، ووجد المسلحون أنفسهم بلا عمل. خوفًا من البطالة، عادو إلى أفغانستان وباكستان، بالتزامن مع مرحلة جديدة للمجاهدين الأفغان بانتقال أسامة بن لادن والقاعدة.
في 1996، انتقل أسامة بن لادن من ملاذه في السودان إلى أفغانستان.
ثم عاش في حماية طالبان بعد تورطه في تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا 1998.
أحضر بن لادن معه إلى أفغانستان فرقة مجهزة تجهيزًا جيدًا ومخلصة بشدة للمقاتلين - بلغ عددهم 2000 مقاتل - تدرب العديد من هؤلاء في معسكرات القاعدة وتولوا حماية بن لادن ورفاقه في مختلف بيوتهم الآمنة، وفتح بن لادن الطريق للجهاد في جبهة طالبان، حيث قدموا لطالبان الحد الأدنى من التوازن المستمر لمحاربة خصومها في تحالف الشمال.
مثل يوم 11 سبتمبر 2001 يومًا فاصلًا في تاريخ حركة طالبان، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أفغانستان وحركة طالبان هدفًا أوليًا للرد، بعدما رفضت الحركة تسليم بن لادن المتورط في تفجير برجي التجارة العالمي.
في 22 سبتمبر 2001، سحبت السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بها.
في أكتوبر، شنت الولايات المتحدة وبلدان أخرى حربًا على أفغانستان ضد القاعدة وطالبان
في هذه الأثناء، انتقد العديد من المحللين الولايات المتحدة وحلفائها بأنهم من السبب في نشأة هؤلاء المقاتلين بالأساس، لكن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى برر موقف الولايات المتحدة بأنها كانت أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن تدعم المعارضة الأفغانية، أو تتخلى عن أفغانستان للهيمنة السوفييتية، وهو خيار قد يؤدي إلى توسيع النفوذ السوفيتي في باكستان.
في السعوية، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 22 مارس 2018، إن بلاده تدخلت حينها بطلب الحلفاء لمنع الاتحاد السوفييتي من تحقيق نفوذ في الدول الإسلامية، واعتبر أن الحكومات المتعاقبة ضلت الطريق، وأن الوقت جاء لتصحيحه.
في نهايات 1999 وصل الأردني أبو مصعب الزرقاوي إلى أفغانستان، وأبرم صفقة مع تنظيم القاعدة لتأسيس معسكر جهادي مستقل لمجهادي بلاد الشام بمدينة هرات الأفغانية، وقدمت القاعدة دعمًا ماليًا ولوجستيًا وسياسيًا للمشروع الجديد.
في 2001، اضطر الزرقاوي لمغادرة أفغانستان بعد تلقي معسكره ضربة أمريكية، فانتقل إلى إيران ومنها للعراق. وفي 2003، أعلن عن جماعة التوحيد والجهاد، وبدأ في الجهاد ضد التواجد الأمريكي بالعراق، وانضم إليه مقاتلين من عدة دول، بعضهم جاء من أفغانستان وبعضهم من حروب البلقان، واستمر في تجنيد المقاتلين الجدد، ثم أعلن تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين عام 2004 بعد مبايعة بن لادن بشكل رسمي.
ثم في 2006، اندمج مع جماعات أخرى لتأسيس مجلس شورى المجاهدين في العراق، لكنه قتل بعدها في 7 يونيو 2006.
لم يعترف أحد بتمويل القوات المسلحين الإسلاميين الذين عملوا لصالح الزرقاوي وإعاشتهم. لكن هجماتهم أبرزت في قناة الجزيرة على أنها مقاومة. الجزيرة منذ نشأتها تبنت الترويج لدعاية التنظيمات الإسلامية، التي شملت بالهجوم دولا إسلامية.
بعد مقتل الزرقاوي بدأت مرحلة جديدة للجهاد، حيث وجد الجهاديين نفسهم في العراء، ففكروا في تكوين دولتهم الخاصة، وجاء هذا القرار سريعًا.
في 15 أكتوبر عام 2006، بدأ الإعلان عن تنظيم دولة العراق الإسلامية، كمظلة لعدد من الجماعات المسلحة العاملة في العراق، وأصبح أبو حمزة المهاجر - خليفة الزرقاوي- وزيراً للحرب في دولة العراق الإسلامية ونائب أول لأبو عمر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية.
في هذا التوقيت غادر أحد المقربين من الزرقاوي العراق، وهو أبو محمد الجولاني وتوجه للبنان لمساعدة تنظيم جند الشام السلفي اللبناني.
وبعد وفاة المهاجر والبغدادي، تولى أبو بكر البغدادي إمارة دولة العراق الإسلامية في 2010، واستمر التنظيم في تنفيذ عمليات ضد الأمريكان وتلقي الدعم من جهات غير معروفة، وعاد إليه الجولاني مرة أخرى وعمل بجانبه.
في أواخر سنة 2011 خلال الحرب الأهلية السورية تشكلت جبهة النصرة من جهاديين، بعد أن أرسل البغدادي الجولاني لفتح جبهة للجهاد في سوريا، وأصبحت الجبهة من أقوى قوى المعارضة المسلحة السورية لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال، وتبنت العديد من العمليات ضد الدولة وبدأ في بسط سيطرتها.
في عام 2013 أعلن البغدادي أن جبهة النصرة امتداد لتنظيم دولة العراق الإسلامية في سوريا، وأطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش"، رفض الجولاني الاندماج، واستقل بالنصرة وأعلن بيعته للقاعدة وأيمن الظواهري وأنه أصبح فرعًا للقاعدة في سوريا.
انشق العديد من رجال الجولاني لصالح التنظيم الجديد، لكنهم كانوا قلة وسط الحرب السورية، ولذلك بدأ التنظيم في استقطاب العناصر القديمة من البلدان الأخرى، وتجنيد عناصر جديدة.
تراشقت دول المنطقة باتهامات دعم داعش، ورغم ذلك ظل الدعم يقدم للتنظيم. وفتح التنظيم أفرعا في بلدان عدة نتيجة مبايعات الجماعات الجهادية فيها.
أصبحت سوريا ساحة للارتزاق الجهادي، وغلب الارتزاق فيها الجهاد، حيث كان الجهاد فيها مقترنًا بالمكاسب المادية، وتلقي رواتب، والمعيشة في منزل جديد، وعائلة مع زوجة أو أكثر في أرض الخلافة، لتتنافس داعش والنصرة في استقطاب المجاهدين، خصوصًا مع سيطرتهم على آبار نفط سوريا وبيعهم النفط وإغراء المجاهدين بالحياة الحديثة بعيدًا عن تقشف المجاهدين في الكهوف والجبال.
شارك العديد من المرتزقة من الجمهوريات الإسلامية في القتال ضد النظام السوري، جرى تنسيق تنقلهم من خلال شركة ملحمة تكتيكال في أوزبكستان، هذه الشركة التي تم تدشينها لخدمة الحركات الجهادية فقط، وتم استئجارها في سوريا من قبل جبهة النصرة، والحزب الإسلامي التركستاني (جهاديو الصين). قناة الجزيرة استضافت زعيم جبهة النصرة. كما استضافت عبد الحكيم بلحاج زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة. كلاهما كان نشطا في حركة تجنيد المجاهدين وإعاشتهم .. الارتزاق الجهادي.
تقرير للإيكونوميست عام 2014، أكد وصول مئات الألبان المسلمين من كوسوفو ومقدونيا وألبانيا والبوسنة للجهاد في سوريا، وقد ظهر بعضهم في مقاطع الفيديو التي نشرها داعش. وفقًا للمركز الدولي لدراسات الراديكالية، فإن حوالي 6% من جميع المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا هم من البلقان.
واتنقل العديد من المقاتلين الذين حابوا في العراق وأفغانستان لسوريا، أغلب هؤلاء كانوا تابعين للقاعدة وتنظيم دولة العراق.
العديد من الدول العربية والإسلامية حاولت فرض قيود هذه المرة على التوجه للجهاد في سوريا، خشية تكرار سيناريو العائدين من أفغانستان ومن البلقان، لكن الوضع خرج عن السيطرة.
بعد هدوء الحرب السورية، بالقضاء على داعش، والاتفاقات الروسية- التركية، وتوقف عمليات الجيش السوري لتحرير إدلب، ودخول تركيا بنفسها في شمال وشمال شرق سوريا لقمع الأكراد دون الاستعانة بالجهاديين، فتحت تركيا جبهة جديدة في ليبيا.
هذه المرة، ربما للمرة الأولى، تعلن دولة أمام العالم أنها تنقل جهاديين إسلاميين ليحاربوا تحت رعايتها.
الجهاد في ليبيا أصبح عبارة عن وظيفة تستقبل طالبيها من خلال شركة متخصصة وبرعاية الدولة التركية، ويحظى بعروض العرض والطلب.
أسس العميد المتقاعد عدنان تانريفردي شركة "صادات" باعتبارها الشركة الأولى والوحيدة في تركيا التي توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع الدولي، ثم عين أردوغان تانريفردي كبير المستشارين العسكريين في 16 أغسطس 2016، وفي 13 أكتوبر 2018 عينه بهيئة السياسات الأمنية والخارجية التابعة للرئاسة التركية.
في 2017 كتب مايكل روبين، المسؤول السابق في البنتاجون إن صادات تلقت تمويلا من الحكومة التركية لتدريب حوالي 3000 مقاتل أجنبي سيتم نشرهم في سوريا وليبيا.
بعد توقيع اتفاقية التعاون العسكري التركي مع ليبيا في 27 نوفمبر الماضي، نشرت صادات مرتزقتها في ليبيا، وقامت بتدريب المزيد ونقلهم لمعارك طرابلس، وأغرتهم بمرتبات ثابتة بالدولار الأمريكي، وأغرت بعضهم باستضافة عوائلهم في تركيا عند توجههم للقتال في ليبيا.