“مصدر القوة الثمين الذي امتلكناه كان شعبنا. كان من المهم بشكل حاسم الحفاظ على وحدة المجتمع متعدد الثقافات واللغات والديانات، وجعله قويًا وديناميكيًا بما يكفي للمنافسة في الأسواق العالمية” – لي كوان يو – قصة سنغافورة.
قرر لي الاستثمار في البشر؛ المورد الطبيعي الوحيد الذي تملكه سنغافورة، والتعليم أحد أعمدة هذا الاستثمار. نظام التعليم بات أحد أهم موروثات لي، الذي شيعت جنازته الرسمية من جامعة سنغافورة الوطنية.
بدأت سياسات تطوير التعليم بالجامعات حتى قبل الانفصال عن ماليزيا.
في 1962، حدد لي المطلوب:
إنشاء جامعات جديدة لرعاية المواهب وتحقيق هدف التحول إلى مجتمع صناعي.
توسيع جامعتي سنغافورة ونانيانغ والتنسيق مع خطة تطوير مدينة جورونغ الصناعية.
وضع سياسات مناسبة تغطي 12 عامًا لتوسيع المؤسسات التعليمية.
انتهى اتحاد ماليزيا سريعًا، فأطلقت الحكومة سلسلة من التدابير لتطوير التعليم ورعاية المواهب.
عززت سنغافورة التعليم العالي، دون إغفال التعليم التطبيقي، والارتقاء بمستوى المنظومة التعليمية ككل.
وبجانب جامعة نانيانغ (1955)، وسنغافورة (1962)، تأسست جامعة سنغافورة الوطنية (1980)، ونانيانغ التكنولوجية (1991)، وسنغافورة للإدارة (1999) وسنغافورة للتكنولوجيا والتصميم (2012). وبخلاف سنغافورة بوليتكنيك (1954)، ونغي آن بوليتكنك (1963)، تأسست تيماسيك بوليتكنك (1990)، ونانيانغ بوليتكنك (1992) وريبابلك بوليتكنك (2007).
ومع التوسع في التعليم العالي، قدمت الحكومة المنح الدراسية للمتميزين في الجامعات المحلية أو في الخارج.
في 1966، أشار لي إلى الاكتفاء بالمدارس الابتدائية، والحاجة لمدارس ثانوية:
“نريد منتجًا مختلفًا من مدارسنا. توسعنا في المدارس الابتدائية لاستيعاب كثافة الأطفال، فانخفضت المعايير، خصوصًا في المدارس الحكومية. الموقف تغير الآن. الكثافة استقرت، ولم نعد بحاجة لبناء المزيد من المدارس الابتدائية. نحن بحاجة لبناء المدارس الثانوية، مع استدراك معايير الجودة”.
منذ الاستقلال، ركز لي على تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، وكلاهما يتطلب دولة آمنة أولًا، ثم إمدادًا مستمرًا بالأفراد الموهوبين.
كان الهدف منتجًا مثاليًا يمثله خريج الجامعة “القوي، المتين، القادر على التحمل، مع الانضباط الفكري والتواضع والانتماء والاستعداد للخدمة”؛ باعتبار أن جودة موارد الأيدي العاملة هي العامل الأكثر أهمية في تحديد القدرة التنافسية الوطنية.
الاستراتيجية التعليمية كانت تستهدف أيضًا خدمة تلك المجالات:
الدفاع:
بدأ لي خطط تأمين قوة دفاعية، تقوم على الاحتياط بشكل كبير. أراد مواصفات خاصة في قواته، بينها “المستوى التعليمي الرفيع”.
“الحث والإقناع لا يكفيان وحدهما. كنا بحاجة لمؤسسات حسنة التنظيم، مؤهلة الكوادر، جيدة الإدارة والتنظيم؛ لمتابعة ما نلقيه من خطب تحظ وتثير وتنصح. تلك هي المسؤولية الرئيسية لوزارة التربية والتعليم”.
لتزويد القوات المسلحة بالعقول المفكرة، بدأ لي باختيار 10 من أفضل الطلاب لاجتياز دورات أكاديمية في الجامعات البريطانية، في الآداب الإنسانية والعلوم والهندسة والمهن الحرفية.
الاقتصاد:
استهدف لي تغيير عادات الشعب؛ بهدف تأسيس “واحة” ينطبق عليها معايير العالم الأول في كل المجالات، وبينها التعليم، في منطقة عالم ثالث.
اقتضت الخطة إعادة تعليم وتثقيف وتأهيل المواطنين عبر المدارس لتقديم الخدمات بمعايير نموذجية.
السياسة:
اقترح لي خطة لتنشئة الموظفين الأكفاء وتوظيف المواهب، وسعى لضمان دائرة مستمرة توفر القيادات السياسية دون احتمال للتوقف مستقبلًا.
“إذا توقف الحزب عن اختيار الأكثر موهبة ورغبة في تقديم التضحيات، وإذا امتلأ البرلمان فقط بأولئك الذين يفضلهم الحزب وأولئك الذين جنحوا عن رؤية الدولة، ستفشل سنغافورة دون شك” – مؤتمر الحزب الحاكم 1984.
التوظيف الحكومي:
في مناقشة برلمانية 1989 حول طلب لي رفع رواتب شاغلي الوظائف الحكومية، شرح الأمر بشكل أوضح: “لن نقبل الفتات من القطاع الخاص. الحكومة تحتاج لإقناع 30 من بين أفضل 100 طالب سنويًا في مختلف القطاعات بالعمل ضمن صفوفها”. • المجتمع رأي لي، في خطاب في أغسطس 1966، أن التعليم في سنغافورة لم يكن مصممًا لإنتاج شعب متماسك وقادر على تحديد مصالحه الجماعية، والعمل معًا لتحقيقها. بدأت مساعي التغيير عبر اللغة، فأدخل اللغات المحلية الثلاث إلى المدارس التي تدرس بالإنجليزية، كما أضافت تدريس الإنجليزية في المدارس الصينية، التاميلية، والملاوية. كان اختيار الإنجليزية بحاجة المجتمع متعدد الأعراق إلى لغة مشتركة، ومحاولة لملاحقة الصعود السريع للإنجليزية كلغة عالمية للتجارة والعلم.
اعتمدت سياسة لي الاقتصادية على إقامة مجتمع تنافسي، لكنه حاول إحداث التوازن بإعادة توزيع الدخل القومي، وقدم الدعم الحكومي للمجالات التي تساعد على تحسين قدرة المواطنين على تحسين الدخل، وأولها التعليم.
وعلى خلاف قادة ما بعد الاستعمار، أبدى لي استعدادًا للبناء على مشروعات الإنجليز المفيدة لبناء الدولة، وأولها نظام التعليم.
“من حسن حظنا أن سنغافورة كانت تحت الحكم البريطاني مركزًا إقليميًا للتعليم، بمدارسها الجيدة ومعاهدها المرموقة لتدريب وتأهيل المدرسين، إضافة إلى كلية الملك إدوارد السابع الطبية، وكلية رافلز، اللتين تتمتعان بمستوى تعليمي رفيع. امتلكت سنغافورة أيضًا أفضل المدارس الصينية في المنطقة”.
علاوة على ذلك، كتبت المناهج الدراسية للتعليم الثانوي على مستويي O ومؤهلات A في النموذج البريطاني، مع بعض التعديلات لمراعاة مستويات التحصيل الأعلى عمومًا للطلاب في سنغافورة.
البنية التحتية لم تكن مهملة بأي حال من الأحوال، لكن التركيز الأساسي للاستثمار التعليمي هو الطلاب والمعلمين.
رفع لي رواتب المدرسين لتتجاوز المتوسط الوطني، فجذبت المهنة وطورت وحافظت على نسبة من أفضل الخريجين.
يوصف نظام لي التعليمي بالنخبوية، خصوصًا في مرحتلي التعليم الثانوي والثالثي “ما بعد الثانوية”؛ يركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتحديد أفضل المواهب وتطويرها، ثم توجيهها نحو الخدمة العامة، لكن التعليم الجيد كان متاحًا لجميع مستويات الكفاءة.
لدى سنغافورة أيضًا مئات من مدارس الأحياء السكنية، والمعاهد التقنية والتطبيقية، والتي تقدم تعليمًا عالي الجودة للجميع.
طورت سنغافورة نظامًا وطنيًا سخيًا للمنح الدراسية يسمح للطلاب المتميزين باستكمال دراستهم في بعض الجامعات الرائدة في العالم، بالتزامن مع تطوير المؤسسات المحلية ذات المستوى العالمي.
يلتزم المستفيدون من المنح الدراسية الحكومية بالخدمة في القطاع العام لمدة أضيف التركيز على العلوم الإنسانية والفنون والرياضة، ضمن عملية لإعادة التوازن، مع التأكيد مجددًا على تحديد طرق تعزيز الإبداع وريادة الأعمال.
التعليم عند لي يتجاوز التعليم النظامي، كما قال في خطاب له في 1977: “تعريفي للمتعلم هو الشخص الذي يريد التعلم ولا يتوقف عنه مطلقًا”.
في 14 أغسطس/آب 1983، دعا لي الجامعيين لاختيار زوجات جامعيات مكافئات في الثقافة والذكاء، باعتبار أن الوراثة تمثل 80% من تكوين الفرد، وأن قدرات الأطفال تشبه والديهم في معظمها.
“إحصاء 1980 كشف أن أفضل وألمع نسائنا لم يكن من المتزوجات، ولن يكون هناك من يمثلهن في الجيل التالي”.
تخوف لي من أن زواج جامعين من غير جامعيات لا يضاعف بالحد المطلوب فرص إنجاب أطفال يمكنهم الوصول للتعليم الجامعي؛ فحث الجامعيون على الزواج من جامعيات، وشجع الجامعيات على الإنجاب، ومنح الطفل الثالث لهن أولوية في اختيار أفضل المدارس.
أسس لي وحدة التنمية الاجتماعية لتسهيل التعارف بين الجامعيين والجامعيات؛ بمعنى آخر، تولت الحكومة وراثة مسؤولية “الخاطبات“، بحسب تعبيره.
بالتزامن، رحب بزواج “البيض” من الجامعيات السنغافوريات، وزواج المبتعثين السنغافوريين من فتيات أوروبيات ويابانيات، ووصف أطفالهم بـ “إضافات ثمينة إلى مجموعة اختصاصيينا الموهوبين”.
بحسب الإيكونومست، يصنف النظام التعليمي في سنغافورة باعتباره الأفضل في العالم، ويحتل مراتب متقدمة بشكل روتيني في تصنيف البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيسا).
ويسبق التلاميذ السنغافوريون نظرائهم في الولايات المتحدة في الرياضيات بثلاث سنوات تقريبًا.