التوتر يتصاعد في الخليج العربي بين الولايات المتحدة وإيران. مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون يحذر طهران من أن أي هجوم على الولايات المتحدة أو حلفائها سيواجه “بقوة لا هوادة فيها”، بينما تعزز قوات بلاده انتشارها في المنطقة.
ناقلات تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات تتعرض لهجمات، وواشنطن تتهم طهران أو أحد وكلائها الإقليميين بالمسؤولية.
في الخلفية، الرئيس الإيراني حسن روحاني يصف العقوبات الأمريكية الجديدة بـ “الضغوط غير المسبوقة”، واتفاق إيران النووي 2015 يصبح في حكم العدم.
مع تزايد تهديد الصراع في الخليج، طلب المنتدى الاقتصادي العالمي من باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، تقييم الوضع. استخدمنا هذا التقييم مصدرا أساسيا، وليس وحيدا، في صياغة الإجابات عن الأسئلة المحيطة بالموضوع..
بدأت التوترات الكامنة بين واشنطن وطهران منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي وقعت اتفاق 2015 النووي.
وعملت قوى في إيران وكذلك الولايات المتحدة على تعطيل أي انفراج فور توقيع الاتفاق.
في طهران، احتفظ جهاز المخابرات برجل الأعمال سياماك نمازي كرهينة عندما أطلق سراح الأسرى الآخرين في يناير/ كانون الثاني 2016، وشرع في اعتقال المزيد من الأمريكيين، بمن فيهم والد سياماك الثمانيني، كما واصلت خطابها المتشدد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي الولايات المتحدة بالمقابل، أقر الكونجرس تشريعًا بأغلبية ضخمة يلزم الأوروبيين وغيرهم ممن اعتادوا السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرات بالحصول على تأشيرة حال زاروا طهران.
وشكل انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة مدمرة لاتفاق إيران النووي 2015، والذي انسحب منه لاحقًا، إيذانًا بتدهور حاد لعلاقات واشنطن وطهران، تكلل بفرض عقوبات اقتصادية صارمة.
تعتبر باربرا سلافين أن إصرار ترامب على الانسحاب من اتفاق إيران النووي عزل حلفاءه الأوروبيين، وأفقد واشنطن سياسة أكثر توازنًا كان يمكن أن تعزز اتجاه حل النزاع في الشرق الأوسط، بالمقابل، تتورط طهران بالتدخل في شؤون جيرانها، وتدعم القادة الأسوأ في المنطقة، لتستمر النزاعات بشكل أكثر كارثية.
وتقول سلافين إن إدارة ترامب عملت على “تجويع النظام الإيراني حرفيًا” لإجباره على الخضوع عبر قطع جميع صادرات النفط الإيرانية، دون وضع رد فعل طهران المحتمل في الاعتبار.
أما الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب فتعتبر أن اتفاق إيران النووي لم يكن أكثر من مزحة خطرة. حيث إنه لم يتطرق إلى سلوك إيران المهدد لجيرانها، بل منحها فرصة عشر سنوات على الأقل من تقوية اقتصادها المنهك من مغامراتها الخارجية، وبالتالي تقوية قدرتها على الاستمرار في هذه المغامرات. ثم إن الاتفاق يعطي شرعية قانونية للنشاطات النووية المتضمنة فيه، والتي تمهد لتطوير البرنامج بعد انقضائها، بحيث تجعل حصول إيران على سلاح نووي احتمالا أكبر.
كل هذا ولم يراع الاتفاق – حسب إدارة ترامب – مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والذين تهددهم إيران بشكل مباشر. فقوى الخصم وخذل الحليف، مما سيكون له أثر سلبي على نفوذ أمريكا الاستراتيجي.
يبدو الوضع في منطقة الخليج العربي خطيرًا للغاية في ضوء التقارير عن الأضرار التي لحقت بناقلات النفط قبالة دولة الإمارات.
سيناريو 1988 حاضر في تحذيرات المراقبين من خطورة الوضع الحالي. عندما أخطأ عامل رادار على ظهر الطراد الأمريكي فينسينس في الخليج العربي في تحديد هوية طائرة إيرانية، لتتعرض طائرة مدنية لاستهداف بصاروخ تسبب في مصرع ركابها الـ 290.
حادثة كتلك يمكن أن تشعل حربا حتى لو لم ترغب الأطراف مسبقا.
لكن هناك أوراقا أخرى بيد كل طرف:
الولايات المتحدة تملك تفوقا في الاستهداف عن بعد، ويمكن أن تكتفي بأهداف استراتيجية ذات تأثير قوي على الاقتصاد الإيراني، خصوصا في ظل الوضع الحالي من التشاحن الداخلي.
على الجانب الآخر، هناك مخاوف قائمة كذلك من احتمالات هجوم الوكلاء المدعومين من طهران ضد القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة، وتقول إن العراق يشكل مصدر قلق خاص. 500 جندي أمريكي قد يكونون عرضة لهجمات سهلة بالنظر لعدد الميليشيات المسلحة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بأقل قدر من القيادة والسيطرة. صواريخ الحوثيين في اليمن قد تستهدف كذلك السعوديين أو الأمريكيين، بما يؤدي لدورة انتقام تصاعدية يصعب السيطرة عليها.
بدأت الولايات المتحدة الضغط على إيران قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. انسحبت الشركات الأوروبية التي كانت تخطط للاستثمار في إيران بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب، مما حرم إيران من الفوائد التي وعدت بها بموجب الصفقة.
ولم يغلق ترامب الباب أمام توقيع اتفاق نووي جديد بشروط مختلفة.
نجحت التكتيكات الأمريكية في تحطيم الاقتصاد والمعنويات الإيرانية، لكن باربرا سلافين تعتقد أن استراتيجية دبلوماسية واقعية أمريكية يجب أن تصاحب تصعيد العقوبات لإقناع إيران بالانخراط في مفاوضات اتفاق نووي جديد.
تستبعد باربرا سلافين انخراط إيران في محادثات مع إدارة ترامب ما لم تسفر انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 عن إعادة انتخاب الرئيس.
في هذه الحالة قد تترك الضغوط الاقتصادية إيران دون خيار سوى تنحية المشاعر جانبًا والرضوخ للتفاوض.
تضيف سلافين أن إيران ربما ترغب في التعامل مع إدارة أمريكية جديدة يشكلها ترامب بعد الانتخابات لا تشمل مستشار الأمن القومي جون بولتون وربما وزير الخارجية مايك بومبو أيضًا، الداعيين لتغيير النظام الإيراني.
وترى سلافين أن ترامب سيحتاج كحد أدنى إلى تعيين مبعوث له خلفية من الدبلوماسية الناجحة مع طهران – مثل ريان كروكر أو جيمس دوبنز مثلًا – لبدء مفاوضات عبر القنوات الخلفية، بعدما عمل الرجلان مع إيران لتأسيس حكومة في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/ أيلول.