وتخضع إدلب لسيطرة المتمردين الأكثر صلابة، الجهاديين المرتبطين بالقاعدة، والذين لن يسلموا المدينة على طبق من ذهب.
ويمهد الأسد الآن أرض المعركة بقصف الجهاديين، ومعهم المدنيون والمستشفيات. تتوقع الإيكونوميست أن يستغرق الهجوم وقتًا، وأن يكون دمويًا.
حسم المعركة لن ينهي التوترات التي كانت سببًا في تهديد نظام الأسد قبل نحو تسع سنوات، والتي ستصبح أسوأ من أي وقت مضى بحسب الإيكونوميست.
تصف الإيكونوميست انتصار بشار الأسد بـ “الأجوف”، رغم مزاعم محور روسيا – سوريا – إيران بأنه استعاد النظام في البلاد؛ كون الفاتورة تشمل نزوح نصف ساكنيها، تدمير الاقتصاد، ونصف مليون قتيل.
الملفات التي ستحاصر الأسد بعد حسم معركة إدلب تشمل:
حافظ الأسد، الرئيس السابق ووالد الرئيس الحالي ينتمي للأقلية العلوية. تشبث بالسلطة جزئيًا عبر تثبيت الخط الفاصل بين العقائد في البلاد. مع ذلك، سعى وريثه لحشد دعم المسيحيين والدروز والعالمانيين عبر ترسيم خصومه السنة كأصوليين. الملايين منهم فروا من البلاد، وخلقوا ما يسميه الأسد “مجتمعًا أكثر صحة وتجانسًا”، لكن ملايين آخرين بقوا. رأوا منازلهم تنهب، وممتلكاتهم تصادر، وأنصار الأسد يستولون على مناطق كاملة كانوا يقطنونها.
وترى الإيكونوميست أن حالة الاستياء والخوف والاضطهاد التي يستشعرها السوريون السنة ستجعلهم مصدر معارضة دائمة للنظام.
في 2011، اندلعت الانتفاضة مدعومة بشكاوى الفساد والفقر وغياب المساواة الاجتماعية.
بعد تلك السنوات، ساءت الأمور أكثر. الناتج المحلي الإجمالي في سوريا تقلص إلى ثلث ما كان عليه قبل الحرب الأهلية. وتقدر الإحصائيات أعداد الفقرء بـ 80%. معظم مناطق سوريا باتت أنقاضًا، وخطط إعادة الإعمار تخاطر بتمزيق البلاد أكثر.
إعادة الإعمار ستكلف 250-400 مليار دولار، لكن بشار الأسد لا يملك المال ولا القوى البشرية، فاكتفى بتركيز الموارد على المناطق الموالية، بعدما أعاد تطوير الأحياء السنية الفقيرة التي لم تطلها الحرب وخصصها لأنصاره.
يجني أصدقاء بشار الأسد الأرباح، بينما تتسع خطوط الصدع الطبقي والديني في البلاد على نطاق أوسع، بحسب الإيكونوميست.
عزز الرئيس السابق حافظ الأسد قبضته على سوريا بشرطة سرية وحشية وحملات عنف قاتلة. بشار استمر على نفس الخط بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 14,000 شخص في شبكة سجون شاسعة، وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان. يُعتقد أن حوالي 128,000 شخص ما زالوا في السجون المحصنة، وأن عديدين منهم لقوا حتفهم.
وتيرة الإعدام تتزايد مع انتهاء الحرب. كل سوري تقريبَا فقد شخصًا قريبًا منه. علماء النفس يتحدثون بشكل مشؤوم عن انهيار المجتمع.
بشار الأسد مدين بانتصاره لإمدادات روسيا وإيران بالسلاح والمال والمشورة، والأهم، استعدادهم للرهان على رئيس في ورطة. كل هذه الديون ستدفع، بخلاف الفوائد.
تلك الأسباب تدفع الإيكونوميست للاعتقاد بأن بشار الأسد – حال إكمال سيطرته على كل سوريا – لن يكون لديه ما يقدمه لشعبه البائس والمنقسم؛ بما يعني أن العواقب آتية.
ورغم نقاط الضعف، سيكون الأسد قادرًا على التشبث بالسلطة لسنوات في ظل إرهاق خصومه.
كارثة بقاء بشار الأسد – بتوصيف الإيكونوميست – ستتجاوز سوريا إلى المنطقة والعالم، بعدما جلبت الحرب بالفعل حفنة من القوى الخارجية ستساعدها الفوضى على النمو:
تعامل إيران سوريا كجبهة ثانية مع حزب الله – وكيلها في لبنان – ضد إسرائيل التي شنت مئات الغارات على المواقع الإيرانية في سوريا، ومنعت فيلق القدس وحزب الله في أغسطس/ آب من الهجوم عليها بطائرات بدون طيار، بحسب رواية الجيش الإسرائيلي.
الجيش التركي ينتشر بالفعل في شمال سوريا، ويهدد دائمًا بشن هجوم ضد القوات الكردية، التي يعتبرها تنظيمًا إرهابيًا. قد يؤدي ذلك إلى مواجهة مع الولايات المتحدة التي تدعم الأكراد وتحاول تهدئة الأتراك.
مشكلة اللاجئين – التي لا يرغب أحد في حلها – ستستمر في زعزعة استقرار جيران سوريا. الفارون من بشار الأسد لا يريدون العودة، مع توقعات بزيادة أعدادهم بسبب معركة إدلب.
وكلما بقى هؤلاء في المخيمات، زاد خطر تحولهم إلى الشتات الدائم. البلدان المضيفة – وبينها الأردن ولبنان وحتى تركيا- منزعجة منهم؛ حيث يتهمهم العديد من السكان المحليين باستنزاف الموارد وشغل الوظائف، ما دفع تركيا مثلًا لإعادة بعضهم حتى إلى أماكن مثل إدلب المهددة.
الأزمة لن تتوقف عند جيران سوريا. يمكن أن تمتد إلى العالم الأوسع. اللاجئون الذين لا تتسع لهم بلادهم وغير المرغوب فيهم في دول اللجوء معرضون لخطر التطرف.
تكتيكات بشار الأسد القاسية ستترك أجزاء كبيرة من شعبه في مرارة وغربة. سجونه ستشكل أرضًا خصبة لتنظيم القاعدة وداعش – التي تقول الولايات المتحدة إنها تجدد ولادتها في سوريا بالفعل – لضم أنصار جدد.
يعتقد بعض الزعماء الأوروبيين أن الوقت قد حان للتعامل مع بشار الأسد والمشاركة في إعادة الإعمار ومن ثم إعادة اللاجئين.
“هذا مضلل”، تقول الإيكونوميست. “لن يعود اللاجئون طواعية. إعادة الإعمار لن تفيد إلا النظام وأمراء الحرب والأجانب الذين ساندوه. الأفضل أن ندع روسيا وإيران تدفعان”.
بدلًا من ذلك، تنصح الصحيفة الغرب بمحاولة تجنب معاناة سوريا عبر تقديم مساعدات إنسانية بحتة، والتهديد بالانتقام حال ارتكاب الأسد بعض الأفعال الشنيعة مثل استخدام الأسلحة الكيميائية.
وتنصح الإيكونوميست الولايات المتحدة بالبقاء في سوريا لتضييق الخناق على تنظيم القاعدة.
وما دام سيُسمح للأسد باستمرار إفساده في سوريا، فمن الأفضل إنفاق أموال المساعدات في مساعدة جيرانها، تختتم الصحيفة.