في 2010، وبينما كانت المنافسة على أشدها بين الملفات المرشحة لاستضافة كأس العالم 2022، كانت شبكة الجزيرة الرياضية “بي إن سبورتس حاليًا” تعرض على فيفا عقد حقوق بث خياليا وغير مسبوق، متضمنًا شرطًا مثيرًا للشكوك.
بعد أربع سنوات، وبينما كانت الشبهات تتزايد حول أحقية قطر في استضافة البطولة الأهم كرويًا، ظهرت بي إن سبورتس مجددًا بعقد أكثر خيالية.
يشكك خبراء في أن العقدين يتعلقان بشروط تجارية بحتة. فماذا تكشف تفاصيل العقدين؟ ولماذا تدور حولهما التحقيقات بأنهما مجرد وسيلة لدفع الرشوة بطريقة ملتوية؟ وإلى أي مدى ارتبط توقيتهما بتنيظم مونديال 2022 في قطر؟ التفاصيل كشفتها تحقيقات موسعة أجرتها صحيفة صنداي تايمز، نرصد أهم تفاصيلها في دقائق.
كشفت وثائق مسربة سربتها صنداي تايمز تفاصيل صفقة حقوق بث وقعته بي إن سبورتس “الجزيرة الرياضية سابقًا” مع فيفا بقيمة 400 مليون دولار بينما كانت المنافسة على أشدها قبل 21 يومًا فقط من التصويت الذي منح قطر حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.
العقد تضمن في بند رئيسي رسوم نجاح إضافية غير مسبوقة بقيمة 100 مليون دولار ستدفع لحساب تابع لـ فيفا فقط حال نجاح قطر في الحصول على حق استضافة مونديال 2022.
ووصف العقد رسوم النجاح بدفعة إضافية لتغطية تكاليف النقل التليفزيوني، رغم أن فيفا عادة يتحمل تلك التكاليف.
وعشية التصويت على استضافة مونديال 2022، أخبر جوزيف بلاتر، رئيس فيفا آنذاك، أعضاء تنفيذية الاتحاد الدولي – هيئة التصويت التي أقرت قبلها صفقة حقوق البث وستصوت في اليوم التالي لاختيار الدولة المستضيفة – أنهم سيحصلون على مكافأة استثنائية قدرها 200 ألف دولار؛ لأن كأس العالم هذا العام “نسخة جنوب أفريقيا” حققت نجاحًا ماليًا للاتحاد.
في اليوم التالي للمكافأة الاستثنائية، كان حمد بنفسه يرفع كأس العالم في زيورخ؛ احتفالًا بفوز قطر بحقوق الاستضافة.
وفي الأسبوع التالي مباشرة، وقع بلاتر وجيروم فالكه، السكرتير العام للفيفا، عقد حقوق البث التلفزيوني بقيمة 400 مليون دولار. وكجزء من الصفقة، دفعت قطر 6 ملايين دولار إلى فيفا في غضون 30 يومًا من توقيعها.
التوقيعات على عقد 2010 بين الجزيرة الرياضية “بي إن سبورتس” – فيفا
الصفقة مثلت تضاربًا ضخمًا للمصالح، وانتهاكًا لقواعد فيفا، كون الجزيرة الرياضية “بي إن سبورتس” كانت مملوكة لأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، المحرك الأساسي لملف قطر لتنظيم كأس العالم.
وكشف تعميم صادر عن أمير قطر السابق في مارس/ أذار 2009 تعبئة عامة في الإمارة لحشد كل الجهود الممكنة للفوز بحق تنظيم مونديال 2022.
وتخالف الصفقة بشكل واضح قواعد فيفا لمكافحة الرشوة، التي تحظر على الكيانات المرتبطة بملفات الترشح لاستضافة بطولاتها تقديم عطاءات مالية ذات صلة بعملية الترشح.
وبحسب خبراء، يتجاوز الرقم “القياسي” الذي دفعته بي إن سبورتس للحصول على حقوق بث نهائيات كأس العالم 2018 و2022 خمسة أضعاف قيمة صفقات حقوق البث المعتادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يدحض احتمالية أن يكون المبلغ المدفوع خاضعًا لشروط تجارية بحتة.
ولم توقع الشبكات الناقلة لبطولات كأس العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تاريخيًا عقودًا تتعلق بحقوق البث قبل أن يستقر فيفا على الدول المستضيفة.
صنداي تايمز كشفت عن عقد آخر وقعته بي إن سبورتس بعد ثلاث سنوات بمبلغ 480 مليون دولار إضافية مقابل حقوق بث نسختي كأس العالم في 2026 و2030.
العقد الآن جزء من تحقيقات الرشوة الذي تجريه الشرطة السويسرية.
العقد الجديد مثير للجدل لعدة أسباب؛ لم تكن هناك مناقصة تنافسية بالنسبة للحقوق، المبلغ كان قياسيًا “للمرة الثانية”، وكانت بي إن سبورتس هي الوحيدة التي تتفاوض على مسابقة ستعقد بعد 16 عامًا من توقيع عقد حقوق بثها.
ووقع العقد ناصر الخليفي، رئيس مجلس إدارة بي إن سبورتس ومالك باريس سان جيرمان الفرنسي.
وتقول السلطات السويسرية إن ناصر الخليفي ربما يكون قد قدم “مزايا غير مبررة” إلى فالكه خلال المفاوضات بخصوص حقوق بث نسختي كأس العالم في 2026 و2030.
والعقدان معًا يعنيان أن قطر دفعت ما يقارب مليار دولار مباشرة إلى فيفا، في الأوقات الحرجة المتعلقة بمونديال 2022.
دفع فوز قطر بتنظيم مونديال 2022 رغم انتقادات وجهت لملف الإمارة بافتقاد المعايير المطلوبة الصحف الدولية للتقصي عن الأمر.
صنداي تايمز قالت إنها حصلت على طرف الخيط قبل ثماني سنوات، حينما استدرجت الصحيفة عضوًا سابقًا – وصفته بالمحنك في تنفيذية فيفا – للإدلاء بمعلومات سجلتها كاميرات سرية، كشف فيها أن قطر دفعت رشاوى مالية إلى بعض المصوتين بلغت نصف مليون دولار لكل منهم.
بعدها بأسابيع، التقى فريق الصحيفة مع أمادو ديالو، وكيل غامض تسربت معلومات عن دوره في عقد صفقات مع مصوتين بالوكالة عن قطر، بعدها قاد الخيط عضو سابق في تنفيذية فيفا من مالي، قال إن أصدقاءه من المصوتين الأفارقة حصلوا على ما يصل إلى 1.2 مليون دولار لكل منهم في شكل “مشروعات” في قطر.
تجاهل فيفا المعلومات المسجلة، فأرسلتها صنداي تايمز إلى لجنة في مجلس العموم البريطاني، ومنها بدأت الأخبار تصل إلى صحف العالم.
تبرأت اللجنة المشرفة على ملف قطر لاستضافة مونديال 2022 من تلك الصفقات، لكن صنداي تايمز تقول إن اللجنة لم تكن “بريئة تمامًا”.
بحسب الصحيفة، تعاقدت اللجنة مع شركة علاقات عامة في نيويورك حطمت قواعد الفيفا بإدارة “حملة سوداء” لتشويه خصوم قطر، كما وقعت عقدًا – لم يمض قدمًا – مع نجل أحد المصوتين – حديث التخرج – لتنظيم عشاء مقابل مليون دولار.
لاحقًا، تسربت ملفات كشفت تورط القطري محمد بن همام نائب رئيس فيفا في تقديم رشاوى سرية تجاوز مجموعها 5 ملايين دولار إلى مسؤولين ذوي علاقة بالتصويت لدعم موقف ملف قطر.
محمد بن همام – لم يكن عضوًا في لجنة ملف قطر – دفع 1.6 مليون دولار في حساب بنكي يتبع أحد المصوتين، بينهما 450,000 دولار قبل التصويت، ودفع إلى آخر – على نحو فعال – لحثه على عدم التصويت ضد قطر.
التسريبات كشفت أن الوكيل الغامض أمادو ديالو لعب دورين في حملة قطر:
توزيع نقود على مسؤولي كرة القدم بالنيابة عن محمد بن همام.
التواصل مع رئيس لجنة ملف قطر لتقديم معلومات استخبارية حول آليات التأثير على الناخبين.
التسريبات كشفت كذلك عن دور محمد بن همام في مساعدة المصوت التايلاندي في اقتناص صفقة غاز ضخمة بملايين الدولارات عبر الاتصال بمؤسسة قطر غاز الحكومية.
كانت قطر غاز واحدة فقط من أجهزة قطر التي حشدها مرسوم من حمد بن خليفة – أمير البلاد حينها لدعم ملف استضافة مونديال 2022. مع ذلك، مع اقتراب التصويت النهائي في ديسمبر/ كانون 2010، لم تترك الإمارة أي شيء للصدفة.
ظهرت الجزيرة الرياضية “بي إن سبورتس حاليًا”، وقدمت إلى فيفا عرضًا خياليًا للحصول على حقوق بث بطولات كأس العالم. العرض كان قياسيًا بشكل لا يمكن رفضه.
بظهور كل تلك التسريبات، فتح فيفا تحقيقًا حول ملفات الاستضافة، تولاه كبير المحققين السابق في لجنة القيم مايكل غارسيا.
وبوصول غارسيا إلى مرحلة حاسمة من التحقيقات، وقعت بي إن سبورتس العقد الثاني مع فيفا.
بعد أسبوعين من توقيع العقد الثاني، كان جيروم فالكه، سكرتير عام فيفا، يعلن أن الاتحاد الدولي يتوقع انتهاء غارسيا من تقريره النهائي قبل انطلاق نهائيات كأس العالم في البرازيل في يونيو/ حزيران 2014.
صنداي تايمز تفسر التصريح بوسيلة لممارسة الضغط على المحقق لإنهاء أعماله.
في مايو/ أيار، قال كبير مساعدي غارسيا إن اللجنة تحتاج شهورًا إضافية للانتهاء من أعمالها.
وعندما تسربت وثائق فيفا في أول يونيو/حزيران، كان فريق غارسيا في طريقه إلى عمان لعقد أول لقاء له مع لجنة ملف قطر.
مع ذلك، وفي ما تعتبره الصحيفة دليلًا على الضغوط التي تعرض لها، لم يلتفت الفريق للأدلة الجديدة، أعلن غارسيا في اليوم التالي أن فريقه سينتهي من التحقيقات بعد أسبوع.
لم تظهر نتائج التحقيقات حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، حين قدم القاضي الألماني هانز يواكيم إيكرت، مسؤول لجنة القيم في فيفا، ملخصًا مجتزئا من 42 صفحة لنتائج تحقيقات غارسيا.
قبل نشر التقرير مباشرة، قال إيكرت إن نشر التقرير الكامل مستحيل لأسباب قانونية، بينما كان متحدثو الفيفا يتواصلون مع الجميع برسالة من جوزيف بلاتر شخصيًا: “تمت تبرئة قطر”.
أثنى فيفا على جهود غارسيا، الذي تقدم باستقالته، مؤكدًا تحريف إيكرت لتقريره، متسائلًا عن استقلال القاضي المفترض.
بعد يومين، قال جوزيف بلاتر للصحفيين في المغرب إن ملف التصويت لصالح قطر لن يُفتح مجددًا.
اضطر فيفا لنشر تقرير غارسيا بالكامل في 2017، بعدما تسرب إلى الصحف، ليكشف مخاوف حول التكتيكات التي استخدمتها قطر في حملتها للفوز بتنظيم مونديال 2022. ((التقرير الكامل))
لم يتضمن تقرير غارسيا أية إشارة لعقود بي إن سبورتس “الجزيرة الرياضية”، والتي لم تتكشف إلا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عندما أعلنت السلطات السويسرية فتح تحقيق في ناصر الخليفي وفالكه بشأنها والخليفي بشأن الصفقة.
تحقيق صنداي تايمز يقول إن فيفا – التي تقول إن تلك الفضائح باتت من الماضي – ستتلقي دفعات بملايين الدولارات، بما في ذلك جزء من رسم النجاح البالغ 100 مليون دولار الشهر المقبل، بموجب شروط العقد.
رئيس لجنة الثقافة والرياضة والإعلام في مجلس العموم البريطاني داميان كولينز طالب فيفا بتجميد مدفوعات بي إن سبورتس والتحقيق في العقد الذي يحمل شبهة كسر قواعد الاتحاد الدولي.
ورفضت بي إن سبورتس التعليق على ما قالت إنها “ادعاءات غير مؤكدة”، وقال متحدث باسم الشبكة إنها اتبعت “القواعد ذات الصلة” في جميع مفاوضاتها.
كما رفض متحدث باسم فيفا التعليق؛ قائلًا إن الاتحاد الدولي “علق على نطاق واسع” على التحقيق حول مونديال 2022 في الماضي.
وامتنع بلاتر وفالكه والسفارة القطرية في لندن عن التعليق.