أمضى الجمهوريون سنوات يشكون مما يرونه تحيزا واضحا تجاه المحافظين على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، ويصرون على أن عمالقة الإنترنت وخوارزميتهم موجهة ضدهم. لكن في الآون الأخيرة بدأ الديمقراط يشيرون إلى أن فيسبوك يتخذ خطوات "إلى الخلف" مراعاةً للجمهوريين.
لفترة طويلة، انتقد الجمهوريون فيسبوك علنًا، خصوصًا بعدما كشف تقرير لشركة Gizmodo في 2016 أن المنصة "قمعت" أخبار المحافظين. بعدها حاول الموقع تدارك الخطأ. قدم العديد من المبادرات لإثبات أنه لا يتحيز ضد اليمين.
تلك المبادرات اعتبرها الديمقراط تحيزًا من فيسبوك إلى الجمهوريين "أكثر من اللازم".. اعتاد كبار قادتهم، خصوصًا هيلاري كلينتون ونانسي بيلوسي وجو بايدن وإليزابيث وران، توبيخ المنصة ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرج. تقرير لـ"وول ستريت" يقول إن العلاقة بين الشركة واليسار عمومًا في الولايات المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، خصوصًا بعدما رفضت المنصة إزالة مقطع فيديو مزيف لنانسي بيلوسي بدت فيه وكأنها تحرف الكلام، العام الماضي.
وفي الدورة الانتخابية الحالية، زاد الوضع سوءًا، خصوصًا عند الديمقراط، بعد اجتماعات مارك زوكربيرج مع ترامب، التي أثارت الأسئلة لديهم حول مدى التعاون بين فيسبوك والرئيس، في الوقت الذي لا تزال فيه أسئلة تدور حول فيسبوك ومساعدته الروس في نشر معلومات مضللة في الانتخابات الرئاسية 2016.
قبل 4 سنوات، كان فيسبوك قريبًا جدًا من الديمقراط. حملة هيلاري كلينتون كانت من أكبر متلقي التبرعات من موظفي فيسبوك، تلقت منهم نحو 100 تبرع بحسب وول ستريت جورنال. مديرة عمليات فيسبوك شيريل ساندبرج أيدت كلينتون في الانتخابات الرئاسية، ومن ثم كانت على قائمتها لتكون وزيرًا للخزانة.
لكن علاقة الحب انتهت حين قالت كلينتون في مقابلة مع "ذا أتلانتيك" إن موقف زوكربيرج من المعلومات الخاطئة والمضللة "سلطوي" مستشهدة برفضه إزالة مقطع فيديو مضلل عن نانسي بيلوسي العام الماضي، وهو الفيديو الذي عالجه منتجوه لتظهر وكأنها تحرف الكلمات.
قالت كلينتون إنها اتصلت بفيسبوك وسألتهم لماذا لم يحذفوا بالفيديو، حينها قالت إنها تشعر في بعض الأحيان أنها تتفاوض مع جهة أجنبية.
لكن كلينتون لم تكن القيادية الديمقراط الوحيدة التي تدق ناقوس الخطر. المرشحة الرئاسية المحتملة السابقة، إليزابيث وارن، هددت فيسبوك بشدة خلال الحملة الرئاسية، وكان لديها خطة لتفكيك فيسبوك حال فازت بالرئاسة. كررت انتقاداتها لمارك زوكربيرج مرارًا، وفي محاولة لتسليط الضوء على سياسة الإعلانات السياسية المثيرة للجدل، عرضت سلسلة من الإعلانات الكاذبة التي نشرها فيسبوك.
تتهم وارن فيسبوك أيضًا بأنه يؤيد إعادة انتخاب ترامب، مشيرة إلى أنه غير قواعده حول الإعلانات السياسية بعد اجتماع لمارك مع ترامب، ووفق صحيفة وول ستريت جورنال.
جو بايدن أيضًا انضم لحملة المنتقدين، قال إنه يعتقد أن المادة 230 من قانون الاتصالات، تحمي شركات الإنترنت من تحمل المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون، مطالبًا بإلغائه على الفور؛ لأن فيسبوك ليس مجرد شركة إنترنت.
وقالت نانسي بيلوسي، إنها تعتقد أن "سلوك فيسبوك غير مسؤول ومخجل"، اتهمت المنصة أيضًا بأنها لا تهتم بالحقائق أو مصادرها، مضيفة: "أعتقد أنهم حتى إذا عرفوا أين الخطأ فلن يهتموا بتصحيحه، كل ما يهمهم هو المال.
وجود بعض الجمهوريين إلى جانب فيسبوك، كان مدعاة للانتقاد أيضًا. حيث لاحظ منتقدو فيسبوك الديمقراط، استعانة فيسبوك بمنتج فوكس نيوز "جنيفر ويليامز" للعمل على استراتيجية الفيديو التحريرية. أيضًا كاتي هارباث، مديرة السياسة والتواصل العالمي بفيسبوك، عملت في لجنة مجلس الشيوخ الجمهوري، إضافة إلى رودي جولياني المحامي الشخصي لترامب، وغيرهم.
الأزمة تصاعدت أكثر بعدما رفضت المنصة "حتى الآن" الانضمام إلى ما تصفه بقية منصات السوشال ميديا بـ "مكافحة خطاب الكراهية". الخطاب الذي لخصته ريديت في سياستها الجديدة للنشر: بأنه "مهاجمة الفئات المهمشة القائمة على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الهوية الجنسية وأصحاب الإعاقات وضحايا أحداث العنف الضخمة وأسرهم، لكنها استثنت نصًا خطاب الكراهية ضد المجموعات التي تشكل الأغلبية، أو التي تشجع هجمات الكراهية هذه.
رفض فيسبوك كذلك الانضمام لحملة ملاحقة رأي ترامب، كما فعل تويتر، الذي وضع شارة "بحاجة للتدقيق" على أكثر من تغريدة الرئيس، محيلًا المستخدمين إلى مصادر تحقق قريبة من الديمقراط.
ادعاء انفتاح فيسبوك على الجمهوريين لا يمنع الحزب الجمهوري بدوره من الشكوى، منذ اللغط حول العملية الانتخابية في 2016، ويحاول فيسبوك مكافحة الانتقادات الموجهة إليه. التقى مارك بالقادة المحافظين وتناول الطعام مع ترامب، وعمل على التقليل من حدة المخاوف المتعلقة بالشركة، مؤكدا أن شركته عادلة للطرفين، لكن رغم ذلك فإن شكاوى الجمهوريين من فيسبوك لا تزال قائمة.
العام الماضي، استضاف البيت الأبيض قمة لمنصات التواصل الاجتماعي. استغلها ترامب لشن هجوم على شركات الإنترنت الكبرى في وادي السليكون، ولم يدع إليها منصات السوشال ميديا، لا سيما فيسبوك وتويتر. وهي قمة تزامنت مع تصعيد ترامب ضد المنصات واتهامها بالتحيز، معتبرا أن المسؤولين عنها يقمعون الأصوات المحافظة. وفي العام الماضي، طرح البيت الأبيض أداة تتيح للناخبين الإبلاغ عن أي تحيز مزعوم لمنصات السوشال ميديا.
السيناتور الجمهوري من ولاية ميسوري جوش هاولي، قال إن وسائل الإعلام الاجتماعي "طفيلية" مقترحا تشريعات متعددة تهدف إلى كبح جماحها، إضافة إلى ذلك بادر مشرعون جمهوريون إلى عقد جلسات استماع مع مدراء فيسبوك للتعبير عن مظالم خاصة بالتحيز ونظريات مؤامرة.
وتوعد ترامب منذ شهر، بإغلاق منصات السوشيال ميديا، وقال إن الجمهوريين يشعرون بأنها تخنق أصواتهم، خاصة بعد أن شرع "تويتر" في وضع علامة تحقق على تغريداته.
تتمتع منصات السوشال ميديا بحماية قانونية في الولايات المتحدة.. مصدرها ببساطة أنها تقوم بدور المنتدى.. كل ما يحتاجه المستخدم هو إنشاء حساب ليصبح مؤهلًا للنشر، ومسؤولًا عما يكتب. لهذا، لا يعتبر القسم 230 من قانون آداب الاتصالات منصات السوشال ميديا مسؤولة بشكل عام عن محتوى نشره مستخدموها.
لكن تدخل المنصات لتحرير المحتوى؛ بالحذف لغير الشروط القانونية، أو حجب بعض المشاركات، أو إضافة توصيف بحاجة لمراجعة الحقائق، يغير صفتها إلى ناشر يمارس دورًا تحريريًا، بما يسقط شروط الحماية التي لم تعد تنطبق عليها، بحسب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو.
يطالب الديمقراط هنا بتوسيع دور المنصات في "التحرير"، بينما يتمسك الجمهوريون بالتوصيف الأصلي.. "منصة".
بغض النظر عن سياساته المثيرة للجدل، يلعب فيسبوك دورًا مهمًا في الحملات السياسية. ينفق الديمقراط والجمهوريون مئات الآلاف من الدولارات على إعلاناتهم السياسية على فيسبوك، ورغم وجود بعض الديمقراطيين الذين لا يعجبهم ذلك، إلا أن الظروف تفرض عليهم أن يفعلوا مثلما يفعل خصومهم، حتى لو وصل الأمر إلى إعطاء المال لشركة يعتقدون أنها سيئة.
وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" أنفقت حملة إليزابيث وارن حوالي 7 مليون دولار على إعلانات فيسبوك وأنفقت حملة بيرني ساندرز أكثر من 7 مليون دولار، فيما أنفقت حملة ترامب حوالي 22 مليون دولار.
من هنا وجد الديمقراط طريقهم إلى معاقبة فيسبوك، المقاطعة. بعد وقت قصير من إعلان مارك زوكربيرج أن فيسبوك لن يفرض رقابة وتدقيقا على صحة منشورات ترامب، بدأ موقع التواصل الاجتماعي يتعرض لحملة مقاطعة من قبل شركات ليبرالية مؤيدة لليسار. بتهمة دعم خطاب الكراهية والعنصرية.
من أشهرها: the north face , Eileen Fisher, Ben%Jerry, REI, CocaCola, Eddie Bauer, Dashine, Upwork, Patagonia
حملة المقاطعة التي بدأت، خسرت فيسبوك 7.2 مليار دولار وتراجعت أسهمه بنسبة 8.3% يوم الجمعة، وهو أكبر تراجع في ثلاثة أشهر.
الشهر الماضي، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يلغي بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لمنصات السوشيال ميديا بما يتيح ملاحقتها قضائيًا. باعتبار أن تدخلها لتحرير المحتوى؛ بالحذف لغير الشروط القانونية، أو حجب بعض المشاركات، أو إضافة توصيف بحاجة لمراجعة الحقائق، يغير صفتها إلى ناشر يمارس دورًا تحريريًا، بما يسقط شروط الحماية.