* 700 صفحة من وثائق المخابرات الإيرانية تسربت للإعلام لتكشف معارك أجهزة التجسس في إيران
* الحرس الثوري يملك اليد الطولى في تحديد سياسات إيران الإقليمية.. هذا لا يرضي وزارة الاستخبارات
* وزارة الاستخبارات الإيرانية ترى أن قاسم سليماني يسعى لمنصب سياسي في طهران.. في الطريق يهدم كل ما بنته لسنوات
* تسريبات إيران تتحدث عن سياسة القوة الناعمة مقابل جرائم تطهير عرقي.. عملية جرف صخر كانت القشة الأخيرة
* إحدى الوثائق تكشف زرع وزارة الاستخبارات جواسيس داخل الحرس الثوري الإيراني، وليس في العراق فقط
س/ج في دقائق
ما هي تسريبات إيران؟ ولأي مدى يمكن الثقة بمصداقيتها؟
أسرار إيران سلسلة من 700 صفحة تشمل مئات الوثائق الاستخبارية السرية التي سربت مؤخرًا لتلقي الضوء على حرب الظل التي تخوضها إيران لبسط نفوذها الإقليمي – والمعارك الداخلية بين أجهزة التجسس في طهران.. مصدرها مجهول، لكن ناشروها تحققوا من مصداقيتها قبل النشر.
الوثائق وردت في أرشيف للمراسلات الاستخباراتية الإيرانية السرية. مصدرها برقيات وتقارير تبادلتها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني مع عملائها. أرسلها مصدر مجهول “يقول إنه عراقي” إلى منظمة The Intercept الاستقصائية غير الهادفة للربح.
يتكون الأرشيف من مئات التقارير والبرقيات التي يعود تاريخها بشكل رئيسي إلى عامي 2014 و2015، والتي كتبها ضباط وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، الذين كانوا يعملون في الميدان في العراق.
The Intercept ترجمت الوثائق من الفارسية إلى الإنجليزية وشاركتها مع نيويورك تايمز، حيث تحققتا من صحتها، لكنهما لم يتمكنا من معرفة مصدر التسريب الذي بعث بمعلوماته عبر قنوات مشفرة، ورفض مقابلة أحد المراسلين، قائلًا إنه يريد فقط “إعلام العالم بما تفعله إيران في بلده العراق”.
الصراعات الداخلية.. لمن اليد الطولى في تحديد سياسات إيران الإقليمية؟
تسلط الوثائق الضوء على صراع الفصائل المتنافسة داخل إيران. فرعان يمثلان إيران كانا يحاولان الاحتفاظ بسلطة تحديد سياسات إيران الإقليمية؛ الاستخبارات التابعة للحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني.
الأولى احتفظت باليد العليا، والثانية رأت أن قاسم سليماني أفسد الطبخة التي بذلت سنوات لتجهيزها.
حدد الحرس الثوري – خاصة فيلق القدس بقيادة سليماني – سياسات إيران، ومن رتبه العليا عُين السفراء، لا من وزارة الخارجية، ودون دور لوزارة الاستخبارات.
ووفقًا لمصادر نيويورك تايمز، عمل ضباط وزارة الاستخبارات والحرس الثوري في العراق بالتوازي، وأبلغوا النتائج التي توصلوا إليها إلى جهات تشغيلهم في طهران، والتي نظمتها بدورها في تقارير للمجلس الأعلى للأمن القومي.
كيف اختلفت أهداف الحرس الثوري والاستخبارات في العراق؟
الوثائق تصور عملاء وزارة الاستخبارات صبورين ومحترفين وعمليين. مهامهم الرئيسية منع انهيار العراق وتأمين حدود إيران، في مواجهة الحرس الثوري الساعي لترسيخ تبعية العراق لإيران على المدى البعيد.
وبحسب الوثائق، كانت وزارة الاستخبارات تخشى من تبديد المكاسب الإيرانية في العراق عبر انتشار كراهية العراقيين للميليشيات الشيعية وفيلق القدس؛ حيث ألقى ضباط الوزارة باللوم على سليماني الذين اتهموه باستغلال الحرب على داعش كمنصة انطلاق لمنصب سياسي داخل إيران.
على عهدة الوثائق، عملت وزارة الاستخبارات على كبح جماع حرب طائفية قد تجعل شيعة العراق في مرمى النيران، والتصدي لانتشار المسلحين السنة على الحدود الإيرانية، وتقليص مخاطر إقليم كردستان المحتملة على استقرار وسلامة إيران الإقليميين.
بالمقابل، عمل الحرس الثوري والجنرال سليماني على القضاء على داعش، لكن مع تركيز أكبر على الحفاظ على العراق كدولة تابعة لإيران والتأكد من بقاء الفصائل السياسية الموالية لطهران في السلطة.
الوثائق تزعم أن وزارة الاستخبارات اقترحت تفعيل “حملات القوة الناعمة” على أمل الحصول على “ميزة دعاية واستعادة صورة إيران بين العراقيين”. كجزء من الخطة، أرسلت إيران أطباء الأطفال والنساء إلى قرى شمال العراق لإدارة الخدمات الصحية.
الاقتراحات شملت كذلك الحد من أعمال العنف ضد السنة العزل، والحد من تدابير قاسم سليماني؛ باعتبار أن أي إجراءات ضد السنة باتت تفسر على أنها قرار إيراني، حتى ولو يكن لطهران أي دور فيها.
أحد التقارير حذر من نشر سليماني لصور تظهر دوره في العراق عبر منصات السوشال ميديا، ما كشف سيطرة إيران على الميليشيات الشيعية.
وقال التقرير إن سياسات سليماني سمحت للأمريكيين بالعودة إلى العراق بشرعية أكبر، وأقنعت السنة الذين قاتلوا يومًا ضد الأمريكيين بأن عودة الولايات المتحدة – بل وحتى إسرائيل – ستنقذ العراق من براثن إيران”.
عملية جرف صخر.. كيف أغلقت باب التوفيق بين الفصيلين؟
في 2014، ارتكبت الميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري جريمة تطهير في جرف صخر، شرق الفلوجة، بدعوى طرد إرهابيي داعش من منطقة منحتهم موطئ قدم لشن هجمات على كربلاء والنجف. العملية حققت أهداف إيران. لكن وزارة الاستخبارات حذرت من تبعاتها على المدى الطويل.
خلال العملية، أحرقت ميليشيا الحشد الشعبي المنازل، وقتلت عائلات بكاملها، واقتلعت بساتين النخيل، بدعوى منع الإرهابيين من الاحتماء خلفها.
وشردت الميليشيات عشرات الآلاف من القاطنين السنة. في نفس الوقت، قُتل العضو السني الوحيد في المجلس البلدي برصاصة في رأسه دون كشف الفاعل.
تأمين جرف صخر مهم فعلًا لإيران؛ إذ تقع على طريق يستخدمه الحجاج الشيعة للسفر إلى كربلاء، لكن وزارة الاستخبارات الإيرانية أبدت مخاوف جديدة من أن العملية ومثيلاتها زادت من عزلة السكان السنة، وحولت حلاوة النجاحات ضد داعش إلى مرارة.
برقية أخرى حذرت من أن السنة يفرون من جميع المناطق التي تدخلها قوات الحشد الشعبي، مفضلين العيش في مخيمات اللجوء.
وبحسب الوثائق، كان منهج وزارة الاستخبارات براجماتي، خفي، منفتح على تجاوز مرحلة الماضي الطائفي، ومستعد للتعاون مع عراقيين سنة – مسلحين أو سياسيين – أبدوا استعدادًا للقبول بوجود إيران.
بالمقابل، تلقي الوزارة باللوم على الحرس الثوري – عبر وكلائه العراقيين – في تنفيذ موجات من عمليات القتل خارج نطاق القانون والتطهير العرقي، ومعاملة مجتمعات سنية بأكملها كأعداء.
برقيات من وكلاء وزارة الاستخبارات تشكو من الدمار الواسع الذي تركته الميليشيات التابعة للحرس الثوري في جرف صخر
كيف تتجسس الاستخبارات على الحرس الثوري؟
في حلقة من التسريبات بعيدة عن العراق، تكشف الوثائق اجتماعًا سريًا بين الحرس الثوري والتنظيم الدولي للإخوان، استضافته تركيا في 2014.
وزارة الاستخبارات الإيرانية لم تكن مرتاحة لتزايد قوة الحرس الثوري وتوسع نفوذه داخل جهاز الأمن القومي الإيراني، وتصاعد دوره الإقليمي. لهذا السبب، زرعت جواسيس داخل الحرس الثوري لتتبع أنشطته حول العالم.
ما تكشفه الوثائق المسربة أن أحد جواسيس وزارة الاستخبارات السريين داخل الحرس الثوري كان حاضرًا للاجتماع مع الإخوان. الجاسوس لم يحضر الاجتماع فحسب، بل قام بدور المنسق، لينقل تفاصيل ما جرى إلى قيادته. الوثيقة التي حملت تلك التفاصيل هي نفسها التي وصلت إلى The Intercept.
أفردنا حلقة خاصة لتفاصيل اجتماع الإخوان مع الحرس الثوري في تركيا كما كشفت عنه تسريبات إيران.